ليس مستغرباً أن يصادق الكنيست الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي على قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا هو مستبعد القرار الذي سبقه في شهر شباط الماضي من نفس الكنيست لجهة معارضة أي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية.
إسرائيل منذ مرحلة ما قبل أوسلو وما بعدها، لم تكن في وارد القبول بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف، وسعت كل الوقت لتوسيع قواعدها الاستيطانية في الضفة الغربية، أملاً في رسم وقائع جيوسياسية جديدة تجعل من المستحيل تطبيق حل الدولتين.
المشروع الاستيطاني الإسرائيلي لم يتوقف في القدس وكل أنحاء الضفة الغربية، والأدهى أنه استعجل في مرحلة أوسلو التي افترضت قيام الدولة الفلسطينية عام 1999، غير أن إسرائيل تعمدت شيطنة السلطة الفلسطينية حتى لا تفي ببنود هذا الاتفاق الذي وقع برعاية أميركية.
الجديد في قرار الكنيست أعلاه أنه يتحدى المجتمع الدولي الذي بدأ يستوعب فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، مع تنامي الأصوات الداعية إلى ذلك، من ضمنها النرويج وإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا وأرمينيا التي اعترفت بالفعل بالدولة الفلسطينية المستقلة.
يريد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قطع الطريق أمام العديد من الدول التي تفكر بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، خصوصاً تلك الدول التي تعتبر حليفة ومحسوبة على إسرائيل مثل فرنسا وبريطانيا واستراليا.
المشكلة أن المجتمع الإسرائيلي برمته يعارض مبدأ حل الدولتين، وهو نفسه المجتمع الذي يشهد يوماً بعد يوم تحولاتٍ في نسيجه الاجتماعي تضعه على طريق الأحزاب اليمينية الإسرائيلية التي يتشرب معتقداتها السياسية والدينية، وهذا ما يفسر حقيقة أن إسرائيل ابتلعها اليمين المتطرف.
قلة قليلة جداً في إسرائيل تؤمن بمبدأ حل الدولتين ونسبتها ربما لا تتجاوز 15% من مجمل الرأي العام الإسرائيلي، وأما اليسار ممثلاً في حزب العمل الذي اعتبر منذ سنوات منافساً شرساً لحزب الليكود، سبق وأن مارس السلطة وكرّس الاستيطان وعمل ضد مبدأ حل الدولتين.
حتى لو جاء زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إلى السلطة، فإنه سيكمل نفس سياسة معسكر اليمين المتطرف الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي نتنياهو، فيما يتعلق بابتلاع المزيد من الأراضي في الضفة وفي أحسن الفرص ربما يوافق على قيام دولة فلسطينية مستقلة بالاسم وعلى الورق، منزوعة الأظافر والأسنان وغير قادرة على النمو وغير متواصلة جغرافياً، بالمختصر سلطة بدون سلطة.
رسالة نتنياهو ومن خلفه الكنيست والرأي العام الإسرائيلي، أنهم جميعاً ضد مبدأ حل الدولتين، مهما فعل المجتمع الدولي وتوالت الاعترافات الفردانية الدولية بالدولة الفلسطينية، والأهم بطبيعة الحال أن رئيس الحكومة يرغب في حمل هذه الرسالة معه إلى الولايات المتحدة.
في الأساس قبل أن يطير نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن وإلقاء خطاب في الكونغرس، نتنياهو هذا سوّق للعالم أن انتقال السلطة الفلسطينية إلى دولة مستقلة سيصعب الكثير على الأمن الإسرائيلي ويضع تل أبيب أمام سيناريوهات صعبة أبرزها الحرب.
كثيراً ما انتقد -نتنياهو- دور السلطة الفلسطينية في بسط نفوذها الأمني على الضفة الغربية، ورفض أن يكون لها أي مستقبل في حكم قطاع غزة بعد طوفان الأقصى، معللاً عدم استعداده "استبدال حمستان بفتحستان"، وكل ذلك يأتي في إطار محسوب ومدروس لإضعاف السلطة الفلسطينية سياسياً وخنقها اقتصادياً ومادياً.
إذاً الفكرة في عقل نتنياهو كالآتي: أولاً: إضعاف النفوذ السلطوي في الضفة ومنع أي تواصل ديمغرافي بالمدى الجغرافي المفتوح والاستعجال في التمدد الاستيطاني لإعاقة خيار حل الدولتين، وثانياً إبقاء السلطة على جهاز تنفس اصطناعي ومنعها من تحقيق أي نوع اكتفاء ذاتي ومصادرة قدرتها وحركتها لصالح إسرائيل، وثالثاً تسويق السلطة على أنها حكومة "فاشلة" غير قادرة على بناء دولة مستقلة ولا حتى قادرة على العيش بسلام إلى جانب إسرائيل.
سيحمل نتنياهو معه إلى واشنطن خططاً لإفشال قيام دولة فلسطينية مستقلة، وسيعرض هذا الموقف على الحزبين الجمهوري والديمقراطي، متأملاً أن تسهم الإدارة الأميركية في التسويق الدولي للنظرية الإسرائيلية بشأن منع قيام دولة فلسطينية على الأقل من طرف واحد.
كذلك سيستحضر نموذج قطاع غزة في إدارة الحكم الذاتي وخطورته على الأمن القومي الإسرائيلي، وسيعني ذلك رفض استنساخ نموذج آخر في الضفة حتى لو كان عنوانه السلطة الفلسطينية، بما يفضي إلى التدخل السافر في شؤون الإدارة الفلسطينية ومنعها من التنفس الطبيعي وممارسة السيادة بالمواصفات الطبيعية.
أسهل طريق على نتنياهو يتلخص في ترك مصير المفاوضات مرهوناً بيد إسرائيل، على أن تدير هذا الملف بشكل ثنائي مع السلطة الفلسطينية، وبدون أي تدخلات دولية، والأهم مفاوضات من أجل المفاوضات لا تحصل فيه السلطة على دولة أو حتى دويلة.
هآرتس: نتنياهو يريد إقالة غالانت لكنه لا يثق بساعر
08 اغسطس 2024