"الوظيفة العامة هي التي يُسَيّر فيها الموظف مصلحة من مصالح المسلمين، فلا يجوز بأي حال من الأحوال تعطيل هذه المصالح"،و أن الشريعة الإسلامية بشكل عام تقف مع تحقيق المصلحة العامة.
وهي جزء من المصلحة العامة أن يقوم كل وزير أو موظف عام بالمحافظة على مصالح المسلمين وينميها ويطورها في حال تم اختياره ليشغل هذه الوظيفة، مشيرًا إلى أن أهم ما يجب أن يتوافر في الشخص المختار لشغل الوظيفة ما تتضمنه الآية الكريمة: "يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ".
وأن الشرطين الواجبين هما "القوة والأمانة"، فالقوة تتمثل في الخبرة والكفاءة، فلا يجوز أن يتولى الوظيفة من هو ليس خبيرًا في شأن المصلحة التي تقلد منصبها، ولابد أن يكون على دراية بأمور ومجريات هذا المنصب، وأما الأمانة فهي الشرط الملازم لـ"القوة"، فلا يصح لأحدهما أن ينفك عن الآخر.
ويبين أن الأمانة هي الضابط لسلوك الموظف العام ولتصرفاته في أثناء تأدية عمله، ولمنعه من الغش والظلم والتهاون، فإن لم يكن أمينًا لا يصلح لتولي هذه المهمة، وإن لم يكن خبيرًا فهو سيعمل على تضييع المصلحة العامة؛ كونه افتقد عنصر الكفاءة، وبالتالي عدم قدرته على الحفاظ على المصلحة العامة.
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، إذ قَالَ :"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِين"، فالمفاضلة هنا للخبرة كما يظهر من قول النبي (صلى الله عليه وسلم)، فالخيانة في حالة لم يكن يملك الكفاءة نابعة من كونه أضرّ بمصالح المسلمين وعطلها، وأما خيانة الله تأتي من الإعراض عن قوله: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ".
وبذكر قوله (صلى الله عليه وسلم) عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: "قال لي النبي (صلى الله عليه وسلم): "يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها نها فكفر عن يمينك وآتِ الذي هو خير".
ونعقب بما دار بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأبي ذر الغفاري، حين قال أبو ذر: "قلت يا رسول الله: "ألا تستعملني؟"، فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة; إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)"، أن الوظيفة العامة هي تكليف لا تشريف، ويجب أن يقوم بها الموظف العام بكامل مهامه بكل أمانة؛ لأنه سيسأل عنها يوم القيامة حينما يقف بين يدي الله، فيما له من حقوق وعليه من واجبات وللموظف العام جملة من الحقوق وفي مقابل ذلك الزم بواجبات محددة، مثل" الراتب وملحقاته والترقية والإجازات وفي مقابل الحقوق التي يتمتع بها الموظف العام يجب عليه أن يؤدي مهام معينه ضمانا لحسن سير الوظيفة العامة..
أما عن الرقابة ودور ولي الأمر في متابعة الموظف العام الذي تسلم مهام منصبه، وأنه لا يتوقف دور ولي الأمر عند وضع الشخص في منصبه، بل يلزمه أن يتابعه ويراقب أدائه في وظيفته، كما حدث في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما بعث رجلًا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فقال: "هذا لكم، وهذا أهدي إلي"، فقام النبي (صلى الله عليه وسلم)، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: "هذا لكم، وهذا أهدي إليّ"؟!، ألا جلس في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا؟!، والذي نفس محمد بيده، لا نبعث أحدًا منكم فيأخذ شيئًا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر"، فرفع يديه حتى رئيت عفرة إبطيه فقال: "اللهم هل بلغت" ثلاثًا.
ويشير إلى المبدأ الذي سار عليه عمر بن الخطاب بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأرساه في أثناء خلافته مبدأ "من أين لك هذا؟"، ليحاسب الولاة والحكام على كل ما يرفد إليهم من أموال وعطايا لم تكن لتصل إليهم لولا أنهم كانوا في الحكم، أن الوظيفة العامة لا تعطي الحرية الكاملة للمكلف بها أن يقوم بما يريد دون أن يراجعه أحد؛ فلمنصبه حدود يجب ألا يتعداها بما لا يتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية.
ونقول: "من يتعد على الحدود الشرعية فلا يوجد أي مسوغ لبقائه في منصبه"، و أن المحاسبة جزء من المتابعة والتقييم الذي يقوم به ولي الأمر طوال أداء الموظف لمهام عمله، "ويوم القيامة سيشعر الموظف بثقل الأمانة التي تولاها، وسيندم على أنه تولاها في الدنيا"، على حد قوله.
وندعو الموظفين العامين إلى مراعاة المصلحة العامة باستمرار وتأديتها على أكمل وجه، والتعامل مع أصحاب المصلحة بكل مرونة، وأن يدركوا أن هذه حقوق لهم لا أمر يتفضلون به عليهم، وأما ما للموظف من حق إلى أنه لابد أن ينال قسطه من الاحترام والفرصة الكافية ليؤدي مهام عمله دون أي معوقات، وأن يتقاضى أجره على تفرغه لقضاء المصالح العامة، ويلزم ولي الأمر أن يتابعه ويطور من أدائه ويوجهه نحو الأفضل.