بقلم: دمتري شومسكي
«معاليه أدوميم تخنقنا وتمنعنا من الوصول إلى القدس من الشرق. توجد لنا أيضا احتياجات، ونحن لا نفهم ولا نريد أن نفهم احتياجات المستوطنين». هذه الأقوال الصعبة التي قالها أبو العلاء في محادثات طابا قبل 15 سنة (حسب كتاب «على بعد لمسة» الذي قام بتأليفه جلعاد شير)، تعكس السبب الرئيس لما يُعرف في النقاش الاسرائيلي باسم «الرفض الفلسطيني» منذ فشل المفاوضات في كامب ديفيد.
العناصر المعتدلة في القيادة الفلسطينية ليست على استعداد للتسليم بالكتل السيادية الاسرائيلية («الكتل الاستيطانية» حسب مفهوم اليسار، «الحاضرات» حسب مفهوم اليمين الذي تم تبنيه في الخطة السياسية الاخيرة لحزب العمل) داخل ما سيكون الدولة الفلسطينية.
وهذا لاعتبارين هما اعتبار عملي واعتبار رمزي. من الناحية العملية فان الدولة التي توجد داخلها بؤر سيادية اجنبية لا يمكنها العمل ككيان سيادي كامل، ومن الناحية الرمزية فان الدولة المقسمة من قبل كيانات غريبة طولا وعرضا ستعتبر في نظر الشعب الفلسطيني انجازا مهينا.
يتضح أن الحاضرات هي بالنسبة للفلسطينيين المعتدلين حجر الزاوية الاساس أكثر من موضوع اللاجئين. والحقيقة هي أن المبادرة العربية، التي تقف من ورائها القيادة الفلسطينية في رام الله، تتحدث عن حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين. أي أنه من المقبول ايضا على اسرائيل. وفي المقابل عند الحديث عن استمرار الكولونيالية الاسرائيلية تحت السيادة الفلسطينية التي تتم مراقبتها من اسرائيل لن يكون هناك حل وسط من قبل الطرف الفلسطيني.
إلا أنه حسب رأي الاغلبية الاسرائيلية الممثلة من قبل احزاب الائتلاف والجسم الكبير للمعارضة (المعسكر الصهيوني)، فان الكتل الاستيطانية الكبيرة توجد في قلب الاجماع، لذلك فان اليمين والمعسكر الصهيوني ايضا يطمحان إلى نفس الهدف الاستراتيجي وهو ضمان ضم كل ما يتم اعتباره «حاضرات» إلى اسرائيل.
في الوقت الذي تفضل فيه حكومة اليمين الحفاظ على الوضع الراهن، فان المعسكر الصهيوني – الذي تحدث من يترأسه مؤخرا في الكنيست عن عدم قدرة اليمين على ضم مناطق – قدم قبل فترة قصيرة خطة سياسية جديدة بروح الضم البراغماتي التي تسمح بتسميتها «ضم صغير الآن».
وما هو وجه قطعة النقد الآخر «في خطة الانفصال» لاسحق هرتسوغ والتي حسبها تقوم اسرائيل بـ «توسيع المناطق ب على حساب المناطق التي توجد الآن تحت السيطرة الاسرائيلية» إن لم يكن السعي إلى ضم باقي «المناطق التي توجد اليوم تحت مسؤولية اسرائيل»، أي مناطق ج؟ كل ذلك مثلما في اليمين، على أمل أن يسلّم الفلسطينيون على المدى البعيد بمبدأ الدولة المقلصة بين جنين ورام الله غير القابلة للحياة.
اسرائيل في حرب الاستنزاف مع الفلسطينيين – التي تهدف الى تفعيل احتلال اراضيهم والتهيئة لضم جزء منها وجعلهم يوافقون على فكرة الدولة الجزئية في افضل الحالات – تجد صعوبة في عملية الدعاية والتفسير، حيث إن رفض الفلسطينيين الموافقة على الدولة التي ليست دولة ينبع من اسباب عقلانية. كل من يحاول رسم قطاع غزة ب في الضفة المخصص للفلسطينيين كدولة سيتفهم عدم موافقة الفلسطينيين على هذا الأمر.
كيف يمكن التغلب على هذه الصعوبة؟ بوساطة الحديث عن الرفض الفلسطيني بشكل منفصل عن الواقع الذي يحيط بهم: رغبة اسرائيل في الاستمرار في المشروع الكولونيالي ايضا في عهد الدولة الفلسطينية، وبدل ذلك تطرح تفسيرات مقبولة على الأذن الاسرائيلية التي لا تمت للواقع بصلة احيانا. مثلا غادي تاو، الذي يؤيد خطة هرتسوغ، يتحدث في مقاله بعنوان «لماذا يسمحون بخروجنا»، «هآرتس» 18 شباط، عن نظرية كولونيالية حول حاجة الفلسطينيين للمحتل الاسرائيلي الذي يدافع عنهم في وجه الأمن الوقائي الفلسطيني و»حماس» و»داعش».
يمكن القول إنه اذا طلب منهم الاختيار بين «داعش» وبين الاحتلال الاسرائيلي فان اغلبية الفلسطينيين ستفضل الاخير. لكن ما صلة هذا بحقيقة أن فرض السيادة الاسرائيلية وراء حدود 1967 ستحول السيادة الفلسطينية في حدود 1967 الى أمر غير قابل للتحقق؟ هذا النقاش الذي هو انكار العقبة الاساسية في الطريق الى الاستقلال الفلسطيني على شكل كتل استيطانية والذي صعد درجة في الآونة الاخيرة مع نشر خطة «ضم صغير الآن» لحزب العمل، يعطي لليسار الاسرائيلي فرصة لتوضيح موقفه السياسي.
عليه الاعلان بشكل حاسم أن رفض ابقاء كتل المشروع الكولونيالي الاسرائيلي في حدود 1967 تحت سيادة السلطة الاسرائيلية هو حق أساسي للحركة القومية الفلسطينية، وأنه من اجل التقسيم العادل للسيادة بين اسرائيل وفلسطين يجب السعي الى الاخلاء الكامل للمستوطنات بروح المبادرة العربية أو ابقائها تحت السيادة الفلسطينية. ومن اجل التقدم في هذا الاتجاه، لو حتى بشكل رمزي، على اليسار أن يدخل إلى برنامج عمله السياسي مطلبا واضحا من المجتمع الدولي بأن يقوم بوسم التمييز بين اسرائيل والمستوطنات بما في ذلك وسم البضائع. كل ذلك كخطوة اولى لاعادة اسرائيل من وضع حركة قومية كولونيالية الى وضع دولة سيادية سليمة.
عن «هآرتس»