يجمعون الأموال باسم المنكوبين

شاهد: لصوص وتجار الحروب في الواجهة بعد قرب انقضاء العام الأول من الحرب على غزة

لصوص وتجار الحروب في الواجهة بعد مرور عام على حرب غزة
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - مارلين أبو عون

لم يتبقى للمواطن أي شيء ليستند عليه بعد أنّ فقد البيت والمال والأبناء، فالمواطن المغلوب على أمره أصبح يعتمد على تكيات الطعام التي تُقدم له من قبل المتبرعين والمؤسسات الخيرية، بالإضافة للخدمات التي تُقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وبعض المؤسسات الدولية التي تُوزع المواد التموينية الأساسية كالدقيق والأرز وحليب الأطفال والمعلبات بكافة أنواعها والبامبرز، فبعد أن كان المواطن يُعيل نفسه وعائلته بات يبحث عمن يعيله ويحمل عنه ولو قليلاً من المسؤوليات والمتطلبات الحياتية والأساسية، فنشط بعض الأفراد والمؤسسات التي استغلت حاجته أسوأ استغلال فكانت تنادي باسمه وتجلب المساعدات على ذاك الاسم دون أنّ تُقدمها له، وإنّ قدمت فهي تُقدم الشيء القليل إما بسرقة بعض محتويات المعونة، وإنّ كان مبلغاً من المال فإما يُسرق كامل المبلغ أونصفه، فأصبح المواطن يتذمر من هذا الوضع وهو يرى حقه من المساعدات على بسطات البائعين والتجار في الأسواق و في كروش "المناديب" -المندوب هو الشخص الذي اختاره مجموعة من المواطنين في منطقة جغرافية صغيرة ليساعدهم في الحصول على المساعدات-.

تجار الحروب "غلاء مواد التنظيف"

الغالبية العظمى من التجار في قطاع غزة المحاصر استغل حاجة الناس وقلة حيلتهم وعدم امتلاكهم للأموال التي يستطيعون من خلالها أن يُنفقوا على أسرهم وأولادهم فاحتكروا بعض البضائع وأخفوها عن المواطن في الوقت الذي هو في أمس الحاجة لها، وما أن يزيد الطلب عليها حتى تظهر في الأسواق ولكن ليس بسعرها الأساسي، فإذا كان ثمن المنتج على سبيل المثال "شيكل واحد" فيتم زيادة السعر لخمس وعشر أضعاف، فتظل معروضة على بسطات البائعين أو يقوم البعض بشراءها مُكرهاً ومُرغماً نظراً لحاجته الملحة لها.

"إسماعيل شلوف" يقف على إحدى بسطات البائعين الذي يعرض المنظفات محلية الصنع وبجودة أقل، كان الغضب بادياً على وجهه وصوته يرتفع بين الفينة والآخرى وهو يتحدث مع البائع الذي يقف وكأنه لا يرى ولا يسمع، صراخ "إسماعيل" الذي ضاق ذرعاً من عدم استجابته له، وبسؤاله عن السبب، أجاب قائلاً: "جئت ومعي خمسين شيكلاً يعلم الله كيف حصلت عليها، لكي أشتري شامبو وسائل غسيل ملابس وأطباق وصابون فقط، وحينما وصلت للسوق تفاجأت بأنّ الأسعار أصبحت سياحية زيادة عن الحد، أعلم أنّ الأسعار مرتفعة ولكني جئت قبل أسبوعين لشراء سائل غسيل الأطباق الذي اشتريت اللتر منه سابقاً ب30 شيكلاً، لكن أصبح اليوم بـ40 شيكلاً، مع العلم أنه من النوع الرديء الذي ليس له رائحة ولا يقوم بتنظيف أواني الطهي، فإذا كان لتر النوع الواحد من مواد التنظيف بهذا الثمن من أين لي الحصول على باقي الأساسيات؟! يلزم لذلك قرض ربوي لنستطيع أنّ نعيش في غزة".

وتابع شلوف، في حديثه لمراسلة "خبر": "كلما سألت بائعاً لماذا ترفعون الأسعار في هذه الظروف يقول لي ليس لنا ذنب، التاجر هو من يقوم برفعها وإلزامنا بها وكما ترين كل جهة منهم تُلقي المسؤولية على الآخر".

14.jfif
15.jfif
13.jfif
10.jfif
3.jfif
2.jfif
1.jfif
 

لصوص مشاهير

وليت الأمر توقف على ارتفاع الأسعار وشحها في الأسواق، لكِن الكثيرين تمادوا واستغلوا حاجة المواطن الذي يُقاسي الويلات من الحرب التي طالت معها الأرواح والممتلكات وكل شيء وبقي من نجا يُعاني من الجوع والحرمان وانعدام الأموال التي يستطيع من خلالها شراء كل مايحتاجه وتُعينه على هذه الأيام الصعبة، حيث برَّز مجموعة يُطلقون على أنفسهم مشاهير، سوَّقوا وتاجروا بويلات الشعب لجمع التبرعات وإيهام المتبرعين في كل أنحاء العالم بأنهم جهة مسؤولة هدفها ليس الربح وإنما يبغون تجارة مع الله وتوزيع تلك التبرعات على من يستحقونها، وبالتالي ينقذون الكثير من الأرواح التي إن نجت من صواريخ الاحتلال فإنها بكل تأكيد لن تنجو من غول المجاعة وقلة الأغذية، هؤلاء المشاهير اللصوص وعبر صفحاتهم التي تحوي مئات الآلاف من المتابعين يقومون بإطلاق أعذب وأجمل العبارات التي تلعب على وتر الاحساس بالمسؤولية تجاهها، فيطلبون من المتابعين التواصل معهم لجمع بياناتهم وإرسالها للمتبرعين، وفي المقابل يُرسل المتبرعين الأموال بناءً على الأسماء التي وضعت داخل جداول طويلة أصحابها أنفسهم لا يدرون عنها شيئاً في بعض الأحيان، ويُرسلون الأموال وعبر حسابات يحددها اللص ولإضفاء المصداقية على عمله يقوم بإرسال المعونة أو الأموال لبعض العائلات تاركاً عدد أكبر ويقوم بتصويرهم وإرسالها للتبرع لكي يثق به ومن ثم يرسل له أموالاً أخرى، ومن أكثر الأساليب شيوعاً في كل أنحاء قطاع غزة يقوم المشهور بعمل تكيات هي عبارة عن بقوليات ومعلبات من العدس والفاصولياء والبازيلاء والأرز فيقومون بطهوها بماء وصلصة فقط ومن ثم يُصورون أنفسهم وهم يقدمونها للنازحين ليستطيعوا فيما بعد الحصول على المزيد من الأموال من الجهات المتبرعة، وهذا بكل تأكيد في أحسن الأحوال لأن البعض منهم "وهم كُثر" يسرقون الأموال ويودعونها في حسابات سرية وبأسماء أشخاص آخرين لكي لا تتم مساءلتهم من قبل الرأي العام.

مواقع التواصل الاجتماعي غاضبة

وصلت المنشورات والتغريدات على العديد من منصات التواصل الاجتماعي إلى ما يقارب مئات الآلاف من المشاهير وبعض الشباب والفتيات وحتى المواطنين العاديين الذين يدعون لمحاسبة هؤلاء اللصوص وعدم التعامل معهم بل والإبلاغ عن صفحاتهم وفضحهم لكي لا تزيد ثرواتهم على حساب معاناة ودماء الشعب المنهك المغلوب على أمره.

وكالة "خبر" رصدت بعض هذه المنشورات وهي:

11.jfif
10.jfif
8.jfif
7.jfif
 

"سرقوا المساعدات وهربوا"

تُوجه أصابع الاتهام إلى بعض المتنفدين والمسؤولين عن توزيع "الكابونات الطارئة" والخيام والشوادر، بأنهم سرقوا كميات كبيرة من تلك المساعدات وبيعها للتجار أو بتقديمها لعوائلهم الذين في أحيان كثيرة ليسوا في احتياج لها، فكم رأينا وعبر شهور الحرب الطويلة وعلى قارعة الطرق وعلى بسطات البائعين الخيام بكافة أشكالها وأسعارها والشوادر والمساعدات والأغذية تُباع بأضعاف أسعارها الأصلية والتي هي بالأساس جاءت إغاثة للمنكوبين في غزة.

"اعتماد رجب"، قالت لمراسلة وكالة "خبر": "أعمل لصالح مؤسسة خيرية، المسؤول عنها قام بتسجيل أسماءنا ليكون لنا نصيب في الحصول على خيام لتستر أولادنا مع اقتراب الشتاء وخصوصاً أن خيامنا تمزقت من ارتفاع الحرارة وطول المدة التي مكثنا فيها فأصبحت بالية سنغرق بكل تأكيد مع أول حبات مطر تتساقط علينا، فكلما كنا نسأله عن الأمر يخبرنا أن الجهات الداعمة لم تقدم بعد الدعم والمعونة، مع العلم أنّه وصلت إلينا معلومات مؤكدة تُفيد بوصول الخيام لمخازن خارجية بعيدة عن المؤسسة وفجأة علمنا أن مدير المؤسسة سافر إلى مصر، بعد أن باع حقنا في تلك المعونات، فلا بارك الله له بها، والمال الحرام سيأكل أغلى مايملك".

"خالد" لم تبتعد قصته كثيراً عن قصة اعتماد، وقال أيضاً: "استشهدت زوجتي وتركت لي ثلاثة أطفال وليس لي عمل ولا أملك المال لأُعيلهم، فأصبحت أعتمد على المساعدات وتوجهت لمندوب المنطقة لكي يكون لي نصيب في تلك المساعدات، وعدني خيراً وسجلني ضمن كشوفاته وضمن مئات العائلات المحتاجة، وقطنت بالمنطقة لأكثر من ثلاثة أشهر، لكِن لم تصلني أي مساعدات من قبله وحين توجهت إليه غاضباً أخبرني أنّ الدعم قليل وحق الأولية لمن سجل قبلي وعندم يأتي دورنا سيتم تسليمي، ومر شهر آخر وعلمنا أن بعض الأشخاص كشفوه وفضحوه بالمنطقة واتهموه بالفساد وبأنه يقوم بتوزيع المساعدات على المقربين له ولمعارفه وما يتبقى منها يبيعه للتجار".

وتابع خالد، في حديثه لمراسلة "خبر": "تخيلي أن هذه الحرب جعلت بعض الأشخاص يغنون لولد الولد، وهم المستفيدون الوحيدون من استمرار الحرب ولايريدونها أن تنتهي وهؤلاء بإذن الله سيكونوا في الدرك الأسفل من النار والبقية من أبناء الشعب مطحونين لا حول لهم ولا قوة يعيشون يومهم بالكاد".

ولفت إلى أن بعض المؤسسات والمسؤولين عنها يقومون بتقسيم حصة الفرد الواحد من المساعدة على عدة عائلات، فمثلاً يتم توزيع كرتونة تحتوي على مجموعة من مواد التنظيف والبامبرز للأطفال، فيتم توزيع البامبرز فقط على عائلة والكرتونة يقسمونها على عدة حصص فيكون نصيب العائلة الواحدة لا يُذكر من كمية المساعدة.

يُذكر أن الغلاء لايقتصر على مواد التنظيف واستغلال المشاهير لحاجة الناس ولكن التجار لم يتركوا سلعة واحدة ولا مواد غذائية في الشمال أو الجنوب إلا ورفعوا أسعارها لعشرة أضعاف، بحيث أصبح الحصول عليها حلماً لايمكن تحقيقه.

ردود الأفعال في هذا الجانب جاءت كالتالي عبر صفحات الفيس بوك:

9.jfif
18.jfif
12.jfif