بقلم: عومِر بار ليف
هناك قول معروف وهو أنه في كل ازمة توجد فرص. وهذا ينطبق خصوصا بعد عملية «الجرف الصامد» في غزة. هدف «حماس» المعلن، في ظل المصالحة الفاشلة مع السلطة الفلسطينية عشية العملية وأثناءها، كان إنهاء الخنق الاقتصادي لقطاع غزة. لم تستطع «حماس» تحقيق الهدف في حينه، وهي ما زالت تطمح الى ذلك. هذا هو ملخص الفرصة. إنها تكمن في رغبة «حماس» ازالة الطوق حول القطاع من جهة، ومن جهة اخرى رغبة اسرائيل في التوصل الى وقف لاطلاق النار بعيد المدى. وفي نهاية المطاف إفراغ غزة من السلاح.
قبل سنة ونصف السنة، بعد عملية الجرف الصامد، قمت بنشر صيغة سياسية بهذه الروح تحت عنوان «غزة، الفرصة». اضافة الى مصلحة اسرائيل في نزع السلاح الموجود في غزة، ومصلحة سكان غزة في الانفتاح على العالم، هناك ايضا مصالح دولية واقليمية لمصر والاردن والسعودية ودول الخليج والسلطة الفلسطينية، في تحقيق هذا الهدف. ولأن الحديث يدور عن عملية بعيدة المدى تشمل على الأقل اربع مراحل وهي (اعتراف دولي وتخطيط وتنفيذ وتشغيل)، حيث يتوقع أن يستمر ذلك نحو خمس سنوات، فلا حاجة الى الموافقة على كل الشروط في بداية الطريق. مثلا، لا حاجة الى الاهتمام الآن بالتفاصيل الدقيقة حول الترتيبات الامنية التي سيتم اتخاذها في الميناء والمطار اللذين سيتم انشاؤهما بعد اربع سنوات. ويكفي في المرحلة الحالية أن تتوصل الاطراف الى الاتفاق على أنه حتى بعد عشية تشغيلهما سيتم وضع الترتيبات الأمنية.
وفي حال لا يتم الاتفاق على ذلك، سيؤجل التشغيل. في تلك الفترة كنت حائراً بين عنوانين للصيغة السياسية التي اقترحتها «غزة، الفرصة» أو «غزة أولا»، مثل عنوان آري شبيط بتاريخ 11/2. وعلى العكس من الرأي السائد الذي كنت اعتقده ايضا حتى عملية «الجرف الصامد» بأنه يمكن التوصل الى اتفاق كهذا أو ذاك مع الفلسطينيين حول «يهودا» و»السامرة» بدون قطاع غزة. وبعد الحرب في صيف 2004 غيرت رأيي. كل اتفاق سياسي لا يشمل قطاع غزة سيفشل.
موجات العنف المتكررة والتي تتسع بين اسرائيل و»حماس» في القطاع لن تسمح باستمرار اتفاق مع الفلسطينيين في «يهودا» و»السامرة». لهذا، من الناحية السياسية، فان الامر الصحيح الذي يجب عمله هو العكس تماما – غزة أولا. يجب امساك الثور من قرنيه وعدم الارتداع من حبة البطاطا الساخنة التي تسمى قطاع غزة.
يجب السعي الى اتفاق هناك بالذات. وعدم ابقاء القطاع في الخلف. إن نجاح خطوة كهذه، لو بشكل جزئي، سيقنع الاسرائيليين والفلسطينيين أنه يمكن التوصل الى اتفاقات أوسع في «يهودا» و»السامرة». الاعتراف بوجود احتمال ومبرر وحاجة لاجراء سياسي في قطاع غزة، هدفه البعيد هو نزع السلاح مقابل الميناء والمطار، يجد ازدهارا في الحكومة نفسها. وزير المواصلات، اسرائيل كاتس، نشر قبل سنة ونصف السنة خطة «عدم الانفصال» التي اعتمدت على اقامة جزيرة صناعية أمام شواطئ القطاع، حيث يكون فيها ميناء ومطار. وزير الزراعة، اوري اريئيل، أيضا تحدث، مؤخراً، عن اقامة ميناء في القطاع في أعقاب ما فهمه من أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمواجهة «حماس» والازمة الانسانية في القطاع. الفهم بأن خطوة سياسية حقيقية مرحلية يتخلخل شيئا فشيئا تجاه الفلسطينيين لن تتم وتنتهي باتفاق شامل للسلام. بل إن الحديث يدور عن عملية انفصال ستستمر بضع سنوات.
قبل بضعة اشهر نشرت صيغة سياسية معدلة هي «الانفصال»، الذي يشمل ايضا قطاع غزة. ولسعادتي فقد تبناها حزب العمل وجهات في الولايات المتحدة لها صلة بشؤون الشرق الاوسط كنت التقيت معها من اجل طرح الصيغة أمامها، حيث ردت بانفتاح وفهم بأن خطوة كهذه هي التي ستؤدي في نهاية المطاف الى حل الدولتين والى المفاوضات من اجل تحقيقه.
بعد ثلاث سنوات من تقديمي لهذه الافكار، يبدو أن الكثيرين في البلاد وفي الولايات المتحدة على قناعة بأن طريقة المفاوضات بين الطرفين لإنهاء الصراع قد أفلست، ويجب التفكير بشكل مختلف. وللأسف الشديد، فهمت في اعقاب النقاشات المكثفة في واشنطن أن موضوع «غزة أولا» أو «غزة، الفرصة» – بغض النظر عن التسمية – ما زال بعيدا عن متناول اليد. فلم يقتنع به بعد الأميركيون ولا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. والاخير يستمر بعيون مفتوحة بأخذنا من عملية الى عملية، حيث يسود بينها هدوء وهمي. والشعب يقوم بدفع الثمن من دمائه. من الصعب إبداء التسامح تجاه هذا الخوف الذي يأخذنا الى الهاوية.