أعلن في كل من موسكو وواشنطن عن اتفاق على وقف إطلاق النار في سورية ابتداءً من منتصف ليل الجمعة ـ السبت القادم، على أن تعلن كافة الأطراف المعنية بهذا الاتفاق الالتزام به حتى مساء الجمعة، وقد تم ذلك من قبل المعارضة السورية التي سبق وأن اجتمعت في العاصمة السعودية، الرياض، وكذلك من قبل النظام السوري، وهكذا يمكن القول وفقاً لخطة وقف إطلاق النار، تتطلب من المعارضة وقف كافة أشكال الهجمات بكافة أنواع الأسلحة، الصواريخ، الهاون، والصواريخ المضادة للدبابات، ضد القوات السورية النظامية (وأي قوات ترتبط بها) وبالمقابل غير المقابل، فإن الأعمال العسكرية التي تشمل غارات القوات السورية النظامية، والروسية، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ستستمر حصرياً على تنظيم داعش وجبهة النصرة وأي تنظيم آخر تم تصنيفه إرهابياً.
كل من روسيا والولايات المتحدة ستتفقان على ترسيم مناطق نفوذ التنظيمات المصنفة إرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي، لمعالجة مسألة التداخل الميداني على الأرض.
هذا هو فحوى الاتفاق الروسي ـ الأميركي، الذي قيل رغم ذلك إنه غامض، لجهة التنفيذ الميداني بالنظر إلى تداخل النفوذ العسكري لفصائل وقوى عديدة مختلطة في عضويتها وأماكن نفوذها على الأرض وصعوبة تحديد مواقعها، الأمر الذي يترك فرصة للغارات الروسية تحديداً للانقضاض على مواقع ربما تشمل قوى المعارضة، إذ أن روسيا وحتى اللحظة الأخيرة كانت تعتبر «أحرار الشام» جزءا من «النصرة» وبالتالي لا تخضع لعملية وقف إطلاق النار، لكن موسكو تنازلت مقابل تنازل أميركي عن تحييد «النصرة» بناء على ضغوط سعودية وتركية، العمليات على الأرض وتحت مبرر التداخل الميداني، ربما يوفر فرصة للخروج عن الاتفاق الأساسي لوقف إطلاق النار.
بعض المحللين، يرى في هذا الاتفاق، فرصة ربما تكون أخيرة أمام الولايات المتحدة لوقف الدور الروسي عند حدوده الحالية في سورية، ووقف تقدمه على الأرض، ما يفقد أميركا وحلفاءها في الخليج أدواتها على الأرض السورية، وبالمقابل يرى البعض الآخر من المحللين، أن هذا الاتفاق يوفر فرصة لروسيا، لوقف تورطها في الوحل السوري، في حين أن وضع حليفها الرئيس الأسد بات أكثر قوة، وإذا كان هناك من تعادل نسبي بين روسيا وأميركا، فإن هناك من يخسر ـ وفقاً لتحليل البعض ـ مثل تركيا والسعودية، لكن هذا الأمر قد لا يكون صحيحاً إلاّ من حيث الشكل، فكل من أنقرة والرياض، قد أنهكتا سياسياً وعسكرياً جراء تدخلهما في الوحل السوري، وربما يشكل هذا الاتفاق مخرجاً لأزماتهما المتعلقة بهذا التدخل الذي لا يجد ترحيباً له حتى من الحلفاء لهما!!
وجاء الإعلان السوري عن انتخابات برلمانية، في موعدها واستحقاقها في 13 نيسان القادم، وكأنه إعلان انتصار مبكر، خاصة وأن بعض «المعلومات» التي تداولتها وسائل الإعلام قد أشارت إلى أن روسيا كانت قد ضغطت على سورية، لتأجيل هذه الانتخابات إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي، وإذا كان البعض قد لمح إلى أن هذا الإعلان قد جاء ضد مواقف موسكو، إلاّ أن هناك إشارات تفيد بأن روسيا، وبناء على هذا الاتفاق حول وقف إطلاق النار، عادت عن ربط الانتخابات بإنجاز سياسي، بل تأكيداً على أن هناك استقرارا نسبيا بفضل خطط وقف إطلاق النار، بنتيجة الدور الروسي، يمنح فرصة لإجراء انتخابات برلمانية، تستند إلى نتائجها موسكو، لتفعيل دورها ونفوذها في الساحة السورية على أسس من الشرعية. الأهم من ذلك كله، وبصرف النظر عن الأسباب والدوافع لدى كل من واشنطن وموسكو فإن هذا الاتفاق بين القوتين العظميين، جاء متجاوزاً المنظمة الدولية ومجلس الأمن تحديداً، كما تجاوز الدول الكبرى، خمسة زائد واحد، التي حاورت إيران على برنامجها النووي، وبات منذ هذه اللحظة، بمقدور التحالف الروسي ـ الأميركي، أن يقود السياسة الدولية بشكل مشترك، بعيداً نسبياً عن تحالفات هنا وهناك، وإذا ما نجح هذا الاتفاق، فإنه يكرس نظاماً دولياً جديداً، يمكن له أن يشكل العمود الفقري للسياسة الدولية، إلاّ أن ذلك لا يجب أن يدفع إلى تجاهل حقيقة المتغيرات المحتملة على الساحة السياسية الأميركية، ونقصد هنا، الانتخابات الرئاسية في الربع الأخير من العام الجاري، وربما نجد رئيساً جمهورياً في البيت الأبيض أوائل العام القادم، يضرب بعرض الحائط، كل ما تم ترسيمه في عهد الرئيس أوباما، ومثل هذا الأمر خبرناه مع تجارب الحرب الباردة، مع سياسات مختلفة «وانقلابية» بين الرؤساء الأميركيين، المحافظين والديمقراطيين.
ولعلّ أهم ما يمكن أن ينجم عن هذا الاتفاق على الأرض ميدانياً، توجيه كل الضربات لأكبر قوتين إرهابيتين، داعش والنصرة من ناحية، ونجدة المحاصرين السوريين في أماكن تواجدهم في مختلف الأراضي السورية، بالغذاء والدواء وربما الحماية، وهو ما يكفل عدم تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، وهو الهدف «الهامشي» والتلقائي، لوقف إطلاق النار. وقد نشهد اتهامات هنا وهناك بخرق الاتفاق، إلاّ أن توفر إرادة أميركية ـ روسية لتجاوز كل الاختراقات الصغيرة، ما يكفل الوصول بهذا الاتفاق إلى مرحلة قادمة، وهو الحل السياسي، وهنا معركة ستكون أكثر ضراوة من حروب الحديد والنار!!