خرجت الأمور عن السيطرة بشكل يجعل كل طرف يعتقد ان المزيد من القوة قد يقلب الموازين لصالحه، وهي معادلة حقيرة لا تمت للسلوك البشري الحضاري بأية صلة ، وفي النهاية سوف تعود الأمور الى بداياتها لكنها ستكون منقعة بدم الأطفال وصرخات المعذبين في الأرض.
وإن أي قائد او زعيم لم ينجح في إدارة بلاده وقت السلم لن يستطيع ان يصبح قائدا بعدما يحرقها بالحروب. والبشر بفطرتهم لا يميلون للعنف ولا يألفون القتل وانما يترك ذلك في ارواحهم حفرة عميقة لا تسدها الأيام مهما توالت. والقاتل يخسر اضعاف ما يخسره القتيل . وبعد انتهاء الحرب لا ينتخب الجمهور امراء الحروب بل يتخلصوا منهم بالسجن او السقوط في الانتخابات او القتل ، وسوف يدركون متأخرين انهم عالة على الحضارة وعلى الإنسانية وانهم مجموعة من المرضى العقليين لا تقبلهم الاجيال القادمة.
الحرب الحقيقية تدور الان داخل أمريكا بين كارتيلات السلاح ولوبيات الادوية والصناعات الثقيلة والاحتكارية ، بحيث اصبح التنافس بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي تنافسا على من يتخلى عن قيمه اكثر في طريق تجارة السلاح ونهب الحضارات الأخرى وهي ما تسمى (الرأسمالية الخنزيرية) فالخنزير يأكل كل شيء من فردة حذاء بالى الى العظام الى الجيفة الى مخلفاته وقاذوراته . وهذا حال حزبي أمريكا يأكلان كل شيء حتى عظام امهاتهم وجثث اقربائهم, لمصلحة مصانع السلاح ومختبرات الادوية وبنوك للجلد البشري ، وبنك تجارة الأعضاء البشرية . الجمهوريون يريدون العنصرية للجنس الأبيض والديموقراطيون يريدون للمثلية الجنسية ان تحل محل الاسرة.
حين سؤل المرحوم فيديل كاسترو عن الفرق بين الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي ؟ أجاب : انهما مثل فردتي حذاء لنفس الشخص . وهذا وصف دقيق وملهم . ويمكن القول ان الفرق بين الأحزاب الصهيونية يماثل هذا القول ، فهما فردتان لنفس الشخص المستعمر.
لم اكتب طوال حياتي من مبدأ ان العرب هم الضحايا وان العالم كله يكرهنا . ارفض ذلك القول ولا اريد ان اشعر هذا الشعور المنهزم البكائي الفقير .فلقد اثبت القرن الماضي طوال مائة عام ان العرب ضحايا انفسهم وسوء اختيارهم أيضا ، واننا اخذنا ما نستحق من هذا التاريخ لأننا ابتعدنا عن الحكم الرشيد وعن الصناعة وعن ركب الحضارة وعدالة التوزيع والحريات التي تستحقها شعوبنا ، وان الجماهير التي تغني للطغاة وترقص للخونة تستحق هذه الحكومات الفاشلة.
معظم العرب والمسلمين في أمريكا ومعهم معظم التقدميين لن يعطوا أصواتهم لكاملا هاريس لان الحزب الديموقراطي منح إسرائيل كل السلاح والقنابل التي تقتل الأطفال وترتكب المجازر ضد السكان . وكل الحيل التي استخدمها الحزب الديموقراطي لخداع العرب والمسلمين واحرار العالم ومن ضمنهم اليهود التقدميين فشلت . وفي حال سقط الحزب الديموقراطي في الانتخابات الامريكية القادمة يكون التاريخ قد قال كلمته ونال هذا الحزب الخبيث النذل ما يستحق.
العرب ويساندهم احرار العالم ليسوا لوبي يحكم أمريكا مثل اليهود ، لكنهم بيضة الميزان التي تستطيع ان تمنع كاملا هاريس من الفوز .ويمكن لهذا ان يحدث فعلا.
وفي حال فاز ترامب فان الحروب ستكون امتحانه الأول ، فإما ان يوقفها في أوكرانيا والشرق الأوسط ويلجم نتانياهو واما ان يضيع معه وتضيع أمريكا وأوكرانيا وأوروبا مثلما ضاعت إسرائيل في نفق الكراهية والانتقام والعنصرية.
واذا لم اكن مخطئا فان الحكام العرب باتوا يفضلون ترامب على مرشحة الحزب الديموقراطي ، ولا اقصد امراء الخليج فحسب ، بل معظم الدول الزعماء العرب في اهم العواصم ومثلهم زعيم روسيا والزعيم الفلسطيني لن يشعروا بأي ضيق اذا فاز ترامب.
وهكذا تتحول انتخابات أمريكا الى حرب ، والى معادلة لتجارة السلاح واستخداماته في الشرق الأوسط وفي أوروبا وفي كوريا وأوكرانيا.
وهكذا تحولت حرب غزة الى معادلة انتخابية عند نتانياهو يسعى من خلال مواصلتها الى ضمان فوزه بالانتخابات مرة أخرى.
ملاحظة أخيرة ، كانت الأصوات العربية في الكنيست الإسرائيلي هي التي تمنح حزب العمل القدرة على الفوز وتشكيل الحكومة. وحين اقترح حزب العمل بناء جدار الفصل العنصري ونفذه شارون حجب العرب اصواتها عن حزب العمل فسقط حتى تلاشى عن الخارطة.
وفي يوم من الأيام سوف يكون لأصوات العرب داخل الكنيست القرار في مستقبل حكومات إسرائيل ولن يسعفه تحالفاته مع العنصريين ولا جماعات المتطرفين.
حين تنتهي الحرب، سوف ينتهي الالتهاب الحاد الذي نشهده ، وينتهي دور المتطرفين الوظيفي وتعود كل الأحزاب والقوى لأحجامها الطبيعية.