عن شيطنة «الأونروا»

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل

 

لماذا تواصل إسرائيل استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وتسن القوانين التي تحرمها من القيام بالخدمات المطلوبة منها وتقديم الرعاية الاجتماعية والتعليمية والصحية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة؟
قرار إسرائيل شيطنة «الأونروا» له أبعاد كثيرة تتجاوز مسألة العقاب الجماعي للفلسطينيين في غزة، إذ حين يصوت الكنيست على قانونين يحظران عمل الوكالة الدولية في إسرائيل ومنع الاتصال معها، فهذا يعكس موقفاً خطيراً وهو أن إسرائيل صعّدت الحرب على «الأونروا».
في الأساس لم تكن إسرائيل راضية منذ قيامها وحتى هذه الساعة عن عمل الوكالة الأممية، لأنها تعتقد أن «الأونروا» بمناهجها التعليمية ترسخ حق العودة للفلسطينيين وتؤكد على التصاقهم بهويتهم، وهو ما يتعارض مع الفكر والمشروع الصهيوني الذي يسعى لطمس الهوية والقضية الفلسطينية ويسقط حق العودة.
منذ عملية طوفان الأقصى قبل أكثر من عام، فتحت إسرائيل النار على الفلسطينيين والطواقم الصحافية والمستشفيات والإسعاف والمنظمات والمؤسسات المحلية والدولية، وكانت «الأونروا» المحمية بالقوانين الدولية جزءاً من الهجوم الإسرائيلي المسعور عليها.
أما أسباب الهجوم فمرتبطة بفكرة تفكيك المنظمة الدولية، بما يشمل حرمان مئات آلاف الفلسطينيين من حقهم في الانتفاع بالحصول على تعليم مناسب ورعاية صحية، وهذان يعتبران من أهم الركائز التي تؤسس لرأسمال بشري وطني واعٍ ومتعلم.
مئات الآلاف من الفلسطينيين يعتاشون على «الأونروا» سواء في شغل الوظائف أو منظومة الخدمات التي تقدمها للمواطنين، وحينما تدخل إسرائيل على خط تفكيك هذه المنظمة، فالأمر يعني أنها تريد إفقار الفلسطينيين وحرمانهم من حقهم في التعليم والتوظيف وغير ذلك.
خطورة القرارات الإسرائيلية أنها لا تقابل بجدية من جانب المجتمع الدولي، وهذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية ستجفف مؤسسات «الأونروا» في الضفة وغزة، هذا بالإضافة إلى استهداف مقراتها ومدارسها التي تؤوي آلاف النازحين في قطاع غزة.
كذلك ستمنع من وصول المساعدات المستعجلة عبر الوكالة الأممية إلى النازحين في غزة، ولا يمكن لأي مؤسسة دولية أخرى أن تغطي مختلف الخدمات التي تغطيها «الأونروا»، ولا حتى أن تقوم محلها قياساً بالأنشطة الكثيرة التي تقدمها لحوالى 2.3 مليون فلسطيني في غزة.
حياة الفلسطينيين تتوقف على هذه المنظمة الدولية وهذه حقيقة لا يمكن الاستهانة بها، لأن منظومة الرعاية الصحية تقدم الخدمات إما مجاناً أو بأسعار رمزية، والتعليم مجاني ويحقق الهدف المطلوب من حيث جودة المخرجات التعليمية.
كذلك على صعيد البرامج الاجتماعية، تقدم «الأونروا» مساعدات تموينية للأسر الفقيرة، وأغلب العاملين فيها هم فلسطينيون، الأمر الذي يسهّل عملها في فهم العقلية الفلسطينية ومتطلباتها، وهي أشبه بدولة صغيرة توفر الإمكانيات المطلوبة للنهوض بالمجتمع الفلسطيني.
عودة للمجتمع الدولي ومجلس الأمن الذي تعجب من القرارات الإسرائيلية التي تهدد عمل «الأونروا». في هذا الإطار يمكن القول: إنه دون تحرك حقيقي من قبل دول العالم لمنع إسرائيل من استهداف الوكالية الأممية، فإن الأخيرة قد لا تتمكن بالفعل من توفير الحد الأدنى من الخدمات المستعجلة في غزة.
حالياً ليس هناك من مؤسسات تعمل في غزة سوى «الأونروا»، وإسرائيل تشتغل على تحييد المجتمع الدولي حتى تستفرد لوحدها بهذه الوكالة وتفككها مع الوقت، وفي المقابل تؤسس لمنظومة مساعدات للفلسطينيين مبنية على مبدأ الثواب والعقاب.
صحيح أن الفلسطينيين يعانون الأمرين من حرب عدوانية شرسة طالتهم جميعاً في كل شيء، وهم بحاجة فورية إلى الرعاية الصحية والمساعدات الغذائية، لكن يبقى التعليم واحداً من أهم الخدمات الضرورية التي يحتاجها الفلسطينيون وتمثل سلاحهم ورأسمالهم الحقيقي في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى تصفيتهم وطمس كل حقوقهم المشروعة.
المشكلة أن المجتمع الدولي لن يتخذ الإجراءات المطلوبة لردع إسرائيل عن استهداف «الأونروا»، ومع الأسف نلحظ يوماً بعد يوم خطوات تهدف إلى إخراج الوكالة الأممية عن الخدمة، وما يجري حالياً من قصف مقراتها دليل على أن إسرائيل لا تقيم وزناً للعالم كله.
لا بد للدول العربية أن تتحرك حتى تمنع إسرائيل من ترجمة مخططاتها بتصفية «الأونروا» في قطاع غزة تحديداً، وكذلك ينبغي على المجتمع الدولي أن يستجيب للنداءات الطارئة التي تطلقها الوكالة الأممية بشأن تسهيل عملها في غزة ومنع إسرائيل من استهدافها المباشر.
أما إسرائيل فترى في إنهاء عمل «الأونروا»، مقدمة لإضعاف الفلسطينيين اجتماعياً واقتصادياً وصحياً وتعليمياً، وجعلهم يتوسلون لقمة العيش ويتوسلون الحصول على الرعاية الصحية والتعليمية التي يحتاجونها، أو النتيجة التي تريدها إسرائيل الممثلة بالخروج الفلسطيني الجماعي و»باي باي» غزة.