هل ستسود العدالة في فلسطين حقاً؟!

image_processing20230801-700669-7pfmr5.jpg
حجم الخط

بقلم جمال زقوت

أخيراً، ولأول مرة منذ نكبة فلسطين وأهلها، يبدو أن دماء وحياة أهل غزة وأطفالها باتت قادرة على تحدي سيف الإجرام الذي جلبته الحركة الصهيونية لهذه البلاد، فعلى مدار ما يزيد على سبعة عقود لم تتوقف جريمتا الإبادة والتطهير العرقي، رغم أنهما، ومنذ حوالي أربعة عشر شهراً، باتتا تمارسان بصورة وحشية غير مسبوقة، الأمر الذي حرك الضمير العالمي، وشاهدنا تعبيرات ذلك في مظاهرت حاشدة عمت عواصم ومدن العالم، منددة، ليس فقط بما ترتكبه حكومة عصابة تل أبيب، بل، وبمن يساند جرائمها، خاصة في واشنطن، أو من يصمت عليها في عواصم الأنظمة التي تسير في فلكها، وتأتمر بأوامرها.

إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ولوزير حربه السابق يوآف غالانت كشف حقيقة ما تمارسه الولايات المتحدة من تغطية وحماية لقادة إسرائيل. فما أن أصدرت المحكمة قرارها، وقبل أن يجف حبره، انتفضت واشنطن قبل تل أبيب، منددة بالمحكمة، وخرج بعض أركانها مهدداً أبرز حلفائها في باريس ولندن وبرلين وأتاوا من مغبة التعاون مع هذا القرار، وذلك ليس فقط كمجرد تحدٍ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بل ومرتعشة بأن هذه السابقة، وكما قال السيناتور ليندسي جرام، بأن تطبيق ذلك يعني أن واشنطن وقادة دول حلفائها لن يسلموا منها.

لا يُمكن إنكار حاجة أهل غزة ولو لمجرد كلمة تنصف مأساتهم المتفاقمة، فما بالنا بقرار من محكمة الجنايات الدولية يؤشر إلى المجرم المسؤول عن هذه المأساة، ويطالب باعتقاله. فبالنسبة لهم ورغم أهمية هذا القرار التاريخيّ الذي يفرك أنف الغطرسة الصهيونية، التي تتصرف كأنها فوق القانون، وما يُمثله من انتصار معنوي لشعبنا وكل شعوب الأرض، فإن ما يحتاجه أهل القطاع هو قرار فوري وملزم بوقف جريمة الإبادة المتواصلة.

دون أي مقارنة بين هذا القرار، وقرارات أخرى صدرت عن ذات المحكمة، إلا أن الملفت في ردود الفعل حول مثل هذه القرارات هو العنصرية الكريهة التي لا تميز بين متهم وآخر فحسب، بل أن هذه العنصرية تظهر مدى الاستخفاف بالدم الفلسطيني وأرواح الأبرياء التي أُزهقت وتُزهق فقط لأنها دماء وأرواح فلسطينية، وأن المجرم هو ربيب هذا المشروع العنصري، إلا أن ذلك وفي نهاية المطاف يؤشر على أن قبضة واشنطن، التي بالتأكيد قامت بكل ما تستطيع لمنع صدور هذا القرار، لم تعد قادرة على إحكام سيطرتها على الضمير الإنساني، بل، إنها تضع نفسها في مواجهة معه، ومع ما يمثله من إرادة شعبية كونية. فالقرار يشكل خطوة مهما كانت تبدو صغيرة وأولية، فهو تعبير واضح عن تمرد شعوب الكون ضد الظلم المزمن الذي يتعرض له شعبنا الفلسطيني، وأنه لم يكن ليصدر لولا وقفة هذه الشعوب من أجل العدالة في فلسطين، وأن استمرار تغييبها بات مقلقاً لجهة المخاطر المحدقة بقيم العدالة وحقوق الإنسان، وبمضمون الحق في تقرير المصير.

هذا القرار، وانتفاضة شعوب الكون على أهميتهما، لا يعفينا كشعب وحركة وطنية أن نسأل أنفسنا عن مدى ما كان يمكن أن نفعله لرد هذه الجريمة لنحور مرتكبيها، والتصدي السياسي الموحد لأهدافها، التي بالتأكيد أصبحت ظاهرة للعيان، ولا يُمكن تعميتها، والمتمثلة بمخططات حكومة الحرب والضم لتصفية ليس فقط قضية شعبنا وحقوقه، بل، وتصفية وجوده على أرض وطنه. 

لا شك أن هناك تحولات دولية، وأن خروج محكمة الجنايات الدولية عن صمتها إزاء مدى بشاعة ما يتعرض له شعبنا، هي واحدة من مؤشرات هذا التحوّل، والسؤال الآخر هو إذا كانت مثل هذه المذبحة المفتوحة قد أحدثت هذا التحول في الرأي العام والمؤسسات الأممية ذات الصلة، فلماذا حتى اللحظة ما زال هناك من يعاند الحاجة الوجودية للقيام بما تستدعيه اللحظة، ومخاطر التحديات من تحوِّلٍ جذري في متطلبات استنهاض طاقات شعبنا، وقدرته على الصمود والبقاء ؟ وهل من أولوية تعلو على بلورة استراتيجية عمل وأطر وطنية جامعة قادرة على متابعة تنفيذها، بما في ذلك ملاحقة المجرمين كي يجلبوا للعدالة ؟ والأهم وقف المذبحة المفتوحة ضد شعبنا في مجمل الأرض المحتلة، وخاصة في قطاع غزة.

العالم بات يدرك أن استقرار وأمن المنطقة برمتها يبدأ بتحقيق العدالة في فلسطين، فهل سنكون على قدر المسؤولية التي وضعت بين أيدينا؟ ففلسطين لم تعد مجرد مظلومية، بل مفتاح لانتصار العدالة الإنسانية هنا في بلادنا، وفي أرجاء المعمورة. العالم يتغيّر بسرعة، والتضحيات غير مسبوقة فهل سنكون أوفياء للضحايا؟ نعم نستطيع. والطريق لذلك واضح. فمتى سنعود لشعبنا، وننصاع لإرادته بالوحدة وحاجته الوجودية لها؟!