مسيرات غزة بين متناقضات وانقسام ومقاربات ومطالبات إنهاء حرب الإبادة

تنزيل (2).jpg
حجم الخط

بقلم د. صلاح عبد العاطي

 

 

 من حق الناس التظاهر والتعبير عن الرأي في كل القضايا ومن حقهم المطالبة بوقف حرب الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي الذي حصد أرواح  ٦٥ ألف شهيد ومفقود وإصابة ١١٣ ألف مواطن ودمر ٨٠% من منازل المواطنين والمنشآت والبنية التحتية ومطالبته بالعيش بالحد الأدنى، وهذا مطلب يشكل إجماعًا وطنيًا وإنسانيًا يجب استمرار العمل من أجله من قبل الجميع بل والإصغاء لرأي الناس عبر توليد مبادرة فلسطينية لوقف حرب الإبادة، وفي إطار مشهد متعدد وخلافات سابقة ولاحقة في الرأي والرؤية وانقسام متعمق انقسمت الحضانة الشعبية بين مؤيدين لحماس وبين مؤيدين لفتح باتجاهاتها المختلفة وبين قوي وفصائل اخري و مستقلين وبين ارتفاع نسبة واصوات المعترضين على كل الأداء الوطني واداء الفصائل ومن يريدون قيادة جديدة وبين صامتين، وبين مطالبين بعودة الوصاية العربية والدولية نظرا للفشل الفلسطيني.

ووسط الابادة الجماعية وتحت ضغطها وضغوط الفقد للأبناء والبيوت والمصالح والحرمان والخوف من المجهول والتهجير، تفاعلت النقاشات في خيام النزوح ومراكز الإيواء وعبر صفحات التواصل الاجتماعي، وتعالت الانتقادات لتصريحات بعض الناطقين باسم حماس من خارج غزة سواء المتعلقة بوقف إطلاق النار او إزاء الحال في غزة والنظر للشهداء كأرقام أو تغليب لغة القبول للموت بما يوحي بعدم تقدير تضحيات الناس ومعاناتهم ، وجدل حول معاودة إطلاق الصواريخ المحلية قرب مناطق عاد إليها النازحون الأمر الذي يعطي ذريعة للاحتلال لتهجير السكان منها وقصف المنطقة، حيث يرى الناس أن هذه الصواريخ فقدت فاعليتها في المعادلة الميدانية. وكما عارض بعض الناس خطاب النصر في ظل الإبادة الجماعية فمن بقي هو ناج من الابادة ،  وكذلك ارتفعت اصوات الانتقاذ للاستعراضات العسكرية،  وبعض اللافتات والرسائل والوقائع علي الارض والتي تشير إلى أن حماس هي اليوم التالي خلال فترة الهدنة، وجاءت عودة الحرب لتعيد النقاش العاصف ووجهات النظر المتباينة التي يحملها جزء من الفلسطينيين في غزة  حول أن الحركة غامرت أو قامرت بقيامها بعملية الطوفان ودون حسابات لميزان القوى لدى الاحتلال ولدى محور المقاومة ودون تنسيق معه ودون استعداد كافٍ وفي رهان على تحرك كل التجمعات الفلسطينية ، وأن الشعب  في غزة صبر مع الحركة لأكثر من عام ونصف وأن غزة ليس مطلوب منها فقط تحرير فلسطين،  وأن تجارب الحروب السابقة لم تعلم الحركة،  وأن الحل في ظل التعقيدات يكمن بتخلي حركة حماس عن الحكم في قطاع غزة وعودة السلطة، وآخرين يقولون بان هذه المسيرات تظهر ان ليس كل الشعب حماس وان مبرر إسرائيل كاذب بقتل الناس علي اعتبر انهم مؤيدين لحماس

 فيما يرغبُ آخرون في بقاء حماس في الحكم ومعبرين عن الرأي من  أدائها وصمودها في وجه الاحتلال وأن مقاومتها أدت ما عليها وأظهرت بطولات خارقة ، وتحملت فقدان وخسارة أهم القادة لديها ، وأنها كبدت الاحتلال خسائر فادحة رغم الشراكة الأمريكية وأوروبية مع الاحتلال ورغم كلىالتحديات ، فيما يطالبُ آخرون بتسليم ملف التفاوض للمنظمة أو مصر أو جامعة الدول العربية وبعضهم يطالب بإنهاء الحرب حتى لو كان ثمن ذلك الموافقة على تسليم الأسرى ونزع السلاح.
 ويعتقدُ آخرون بأن الحل يجب أن يتم  بالإسراع في تشكيل لجنة كفاءات مستقلة بعد تعذر تشكيل حكومة كفاءات،  وفي ظل رفض إسرائيل لعودة السلطة، وإعلان واضح من حماس وكل الفصائل للموافقة على الخطة المصرية والعربية، وتقديم المرونة لإنهاء حرب الإبادة، خاصة في ضوء استئناف الاحتلال حرب الإبادة وسط عقوبات جماعية وإغلاق تام للمعابر، الأمر الذي حملت فيه حركة حماس نتنياهو المسؤولية عن عودة الحرب وعدم الالتزام بالاتفاق الموقع .

 ولكن هناك عدد كبير من  الناس وأطراف فلسطينية رأت أن حماس كان عليها الموافقة على مقترح "وتيكوف" لتمديد وقف إطلاق النار  ومع ظهور أخبار مقابلة حماس المباشرة مع مبعوث الولايات المتحدة ارتفعت حملات التحريض والرفض من فتح لهذا المقابلات ليظهر من جديد صراع التمثيل، بين فتح وحماس، فالانقسام وعدم عقد الإطار القيادي والعجز عن تشكيل حكومة كفاءات وتعطل المنظمة وعملها وعدم الاستجابة للنداءات الوطنية ما أعاد لغة التخوين ولغة التحريض والتبرير والمناكفات.

 ورغم أن غزة تحت الإبادة التهجير  والضفة تحت التطهير العرقي والضم ، الا ان غزة شهدت زيادة في  لغة النقد لأسباب تتعلق بالواقع الإنساني والألم غير العادي الذي لم تراعه الحركة في خطاب الناطقين باسمها او في قرارها في رفض مقاربة الوسيط الأمريكي ليس حبا فيه وإنما تقديرا للواقع و للمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية وغياب جبهات إسناد وعجز عربي ودولي عن إدخال زجاجة مياه وحبة دواء او لقمة طعام لأكثر من ثلاث أسابيع حيث عاد شبح المجاعة والتهجير القسري عدا عن المجازر، وسط حالة صبر عجز عنها الصبر، ما جعل المسيرات العفوية تخرج للمطالبة بوقف حرب الإبادة اولا مضافا اليها طلب تنحي حركة حماس عن السيطرة على غزة .
كما في كل تحرك هناك آراء ومصالح   وهناك المؤيد والمستفيد والمتضرر وهناك الناقم والمعترض عليه وان كان من الصعوبة تحديد نسبة المعترضين والمؤيدين للحرك بين التضخيم والتبسيط وفقا لمنظور متعدد لكل جهة.
 وترافق مع التحركات الشعبية  عدد من التعليقات والتصريحات الإسرائيلية وآخري للسلطة وحركة فتح في ركوب لموجه الحرك وظهرت جهات متعددة وكأنها تقود الحرك سواء في داخل او خارج غزة ، وفتح الحرك جدلا كبيرا بين  المستفيدين والداعمين  والمتضررين من داخل غزة وخارجها وترواحت الاراء بين التفهم والتأييد و بين التحريض والتخوين والشيطنة ، وبين راغب بالحراك لسماع صوت الشعب لوقف الحرب دون انحراف الحراك للمطالبة بنفي حركة حماس وبين داعم للحراك كرها وضد حركة حماس وبين مؤيدين يرون أن الحراك فرصة لإنزال الجميع عن الشجرة للعمل لوقف الحرب وقيام كل طرف بدوره في ذلك وجعل الحراك ضغطا من أجل التوافق الوطني وجعل الملف في عهدة الوسطاء ومصر على وجه التحديد.

وأي ما كانت وجهات النظر ومن القائمين على الحراك عفوية أو مسيسة، فمن غير المقبول تخوين الناس أو توجيه لهم الاتهامات أو الاعتراض على حقهم في التجمع السلمي والتعبير عن الرأي او الانزلاق لمربع الاقتتال والقمع.

وفي الوقت ذاته من غير المقبول فلسطينيًا استمرار البعض في خطاب لوم الضحايا الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية الجرائم الإسرائيلية الأمر الذي يحرف الأنظار عن المجرم الحقيقي، ولعل استغلال السلطة وبعض الناطقين باسم حركة فتح للحراك لتسجيل نقاط على حركة حماس وتبرير موقفهم السلبي تجاه غزة ما دفعهم مرارا لإدانة حماس وأدائها وبل وادانه المقاومة،  بدلا من تطبيق قرارات الإجماع الوطني بسحب الاعتراف بدولة الاحتلال وتدويل الصراع وتفعيل الدبلوماسية والحراك الشعبي ، إلا أن أحد المسيرات التي سمح لها في رام الله يوم أمس وعلى عكس معظم المسيرات الشعبية الداعمة لغزة ، وقيام البعض باتهام حركة حماس بالإرهاب والإساءة لها ما يعطي  مبرر لجرائم الاحتلال الإسرائيلي ويتماشي مع الرواية الإسرائيلية. 
ومنعا لهذا اللغط الذي يرقي لمستوي الخطيئة السياسية ،  يجب ان يصب الجهد وتوجيه اللوم للمجرم الحقيقي هو الاحتلال وشركائه في جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فالاحتلال جذر المشكلة والسبب الرئيس في معاناة الفلسطينيين وإهدار حقوقهم ، وعلى من يبرر للاحتلال ويلوم الضحايا أن يقوم بمراجعة نفسه وعقله بحيث لا يصبح على  النقيض من الوطنية والإنسانية فالاستعمار عبر التاريخ كان هدفة فرق تسد عدا عن سرقة العقول .

وكعادة الاحتلال في استغلال الانقسام ظهرت تصريحات لنتنياهو ووزير حربه كاتس والناطق باسم جيش الاحتلال وكتاب إسرائيليين بركوب الموجة عبر التصريحات المتعددة التي تركز على   رفض الناس لحماس وفي محاولة لتجاوز المطلب الرئيس للناس إنهاء الحرب والعيش الكريم ، الأمر الذي أدى وسيؤدي لاختلاط الأمور وإساءة التفسير وأداء البعض أن أي حراك سوف يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي .

وأصبح الجدل واللوم حول الحراك والقائمين عليه واستهدافهم بالنقد أمر أسهل،  وإن كان بعض القائمين على الحراك هم ضحايا الابادة الجماعية مواطنين صبروا وصمدوا وضحوا،  واخرين في غزة وخارجها معروفين بانتقادهم الدائم لحركة حماس قبل حرب الإبادة الجماعية، فيما اخرين هم خصوم للحركة  ركبوا هذه الموجة مركزين على إقصاء حركة حماس وطردها من المشهد ،حتي لو غاب مطالب اخري مثل وقف الحرب .

الامر الذي ادخل الحرك كعامل جديد في تعميق الأزمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني جراء الإبادة الجماعية واستمرار الانقسام ، وإن كان سوف يؤثر على موقف حماس وإدارتها للمفاوضات والمقاومة في غزة والأوضاع الداخلية.

ورغم  إشارة قيادات حماس لتفهم الغضب والنقمة والاحتجاج ومطالبة الناس بوقف الحرب ومبدية الاعتراض على إدانة المقاومة و تحميلها مسؤوليه عودة الحرب وأنها قدمت كل المرونة لإتمام الاتفاق ولكن نتنياهو هو من خرق الاتفاق وعاد للحرب وأنه في الوقت الذي تواصل الجهود مع الوسطاء لوقف الحرب لا تملك إلا الدفاع عن شعبها، من جهة أخرى وجهت عناصر وإعلام محسوب على حماس الانتقادات الحادة للحراك والقائمين  عليه جراء مطالبة البعض بإقصاء حماس تماما وضد شعار حماس بره برة .. وخاصة في ظل حرب الإبادة مشيرة إلى  أن أجهزة وذباب إلكتروني تابع للأجهزة الأمنية في رام الله وبعض الشخصيات القيادية في السلطة.

 حيث بدت حرب البيانات المحرف بعضها، ودخلت الناس في مختلف التجمعات على خط الجدل والانقسام وصلت بعض التعليقات والتصريحات حد التخوين، ومن الجدير بالذكر  رغم حرب الإبادة والفوضى لم تتعرض حماس للناس بل أعطت إيعاز لعناصرها بضمان عدم التعرض لأحد مبدية تفهم لغضب وألم وحق الناس في التعبير بل وبذلت قيادتهم دور في المتابعة والحوار عبر المنتديات وساهمت في ضبط الكثير من عناصرها ، ومن المهم أن تصغي حماس للناس وأن تقوم بتشكيل وفد مشترك للمفاوضات وتفتح حوار جاد مع كل القطاعات الشعبية في غزة ما أمكن وأن تحرص علي استمرار جهودها ومقاربتها والمرونة لإنهاء الحرب والتراجع عن أي صيغ تظهر تمسكها بالحكم بما ينزع الذرائع  من الاحتلال الإسرائيلي وشركائه ويضمن وقف للحرب وتطبيق الخطة العربية لإعادة الاعمار والحوكمة .

وفي الوقت الذي نؤكد فيه حق شعبنا بمقاومة الاحتلال بكل الطرق المشروعة ، الا ان المقاومة تبقي  وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية، ولكننا وفي الوقت ذاته نؤكد حق الناس في مناقشة طرق  النضال والمقاومة المختلفة والوسائل الأنسب لكل مرحلة بل وإبداء الرأي والتقييم لتجارب النضال والمقاومة الفلسطينية ، بل وتقييم النقد، والاعتراض على الأداء السياسي والدبلوماسي والحكومي والنضالي في إطار تصويب المسار  الذي تراكمت فيه الأخطاء والخطايا على كل المستويات ، وللأسف سيبقى الجدل قائم فلسطينيًا حول طرق المقاومة وإدارة الصراع والحكم  إلى أن يتفق الفلسطينيون على أسس الشراكة وفقا لبرنامج وطني واستراتيجية نضالية شاملة قيادة جماعية موحدة، وإجراء الانتخابات الشاملة الدورية لمؤسسات المنظمة والسلطة،  وهذا أمر طال انتظاره حيث فشلت وأفشلت الجهود المطالبة به عبر تاريخ الانقسام  سواء  فشل تطبيق اتفاقيات المصالحة في السعودية والقاهرة الجزائر وموسكو وبكين وقطر وغيرها من جهود وطنية وإلغاء الانتخابات. 

ليأتي الطوفان وتتبعه حرب الإبادة الجماعية وسط الانقسام السياسي الأمر الذي شكل ضغط هائلا على حياة ومصير سكان غزة الذين عاشوا أهوال جهنمية  وكارثية ، على رأسها ألم الفقد والدمار وضياع الحياة والمعاناة الكارثية حيث صمد الناس وصبروا علي الأحوال ولكن الأهوال لم تتوقف ما دفع كثيرون منهم كرها وطوعا لإعادة التفكير في كل الحال الوطني والانقسام وحكم حركة حماس وأدائها وأداء المقاومة وأداء السلطة والفصائل والمجتمع المدني والنخب والمبادرين والأداء الوطني برمته ومراجعة نظرة الفلسطيني  للعالم  عدا عن الانشغال بتأمين المياه والغداء والإيواء  وغيرها  من تفاصيل مؤلمة ومعقدة وسط الفقد و الفقر وقلة الحيلة والدمار وضياع الممتلكات ،وفي لحظات كثيرة ضاقت الدنيا وغاب الأمل لديهم وسط قراءة للواقع والمتغيرات وميزان القوى، وبين الأمل واليأس وبين المقاومة و الصمود الأسطوري والإسناد من أحرار العالم دولا وشعوب ومنظمات دولية وقوى، إلا أن واقع  الكارثة الإنسانية والدمار والخسائر  غير المسبوقة صدمت الناس في ظل رهانات لم تتحقق و خدلان رسمي  وشعبي من ذو القربى في التجمعات الفلسطينية الأخرى  وفي ظل عجز من العالم عن وقف الابادة .. رغم كل حركات التضامن معهم،  إلا أنّ العجز العربي والدولي الفاضح بقي سيد الموقف، لتبدأ رحلة التفكير في الخلاص وسؤال ما العمل ؟!

وقد أدى الفشل في وقف الابادة الجماعية، وغياب التوافق الوطني علي اليوم التالي واستمرار حالة الانقسام بل وتعميقه خلال حرب الإبادة الي زيادة حالة الاحتقان والخلافات والصراعات الداخلية وخاصة بين حركتي فتح وحماس حيث تم إفشال تشكيل حكومة كفاءات ولجنة الإسناد واتفاق بكين واتفاقيات القاهرة من قبل الرئيس ونخبة بدون مؤسسات متحكمة في السلطة، وفي المقابل استمرار تثبت الحركة بالسلطة، وما أبقي الانقسام ورفع من منسوب الكراهية، ورغبة كل طرف في هزيمة الآخر وتخطئة سياساته في معادلة صفرية تضعف قدرة الفلسطينيين علي المواجهة لمجمل المخاطر والتي على رأسها جرائم الاحتلال في غزة و الضفة الغربية والقدس ورغم إدراك القيادات السياسية ومعظم الشعب بأن الاحتلال يهدف إلي تصفية القضية الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وحركة حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية وكل الفصائل عبر  مواصلة ارتكاب جرائم الإبادة والتطهير العرقي والتهجير  والحصار والضم والتوسع الاستيطاني والتهويد لمدينة القدس. 

ولكن هناك من خدع نفسة او خدع في خطاب الاحتلال وأمريكا بأن الضغط على حركة حماس ،وأن المشكلة في وجود حركة حماس،  ولكن الواقع يقول إنها حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني بأسره، تهدف إلى كي وابادة الوعي و كسر إرادة المقاومة التي وجدت قبل حماس وفتح وباقي الفصائل، وفرض واقع جديد يحقق أهداف الاحتلال في حسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية وتهجير السكان،  وهل إذ خرجت حماس من المشهد أو أصبحت مثل السلطة في الضفة هل سوف ستوقف مخططات الاحتلال ويعطي قطاع غزة حقه في الحياة ورفع الحصار وتتوقف الإبادة ومخططات التهجير القديمة الجديدة. 

لعل نظرة للتاريخ و للضفة وان كانت الصورة أقل سوف يعطي الدليل علي ان الاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في جرائمه بحق الفلسطينيين، فيما يقول آخرون أن حماس جربت بالطوفان ولم تستشر أحد وهذه كانت تداعياته، فلما لا نجرب طرق أخرى بدون كفاح مسلح تكون الغلبة في استخدامه للاحتلال دوما. 

 وبين متردد وبين واثق وبين صامت وبين عاجز يعيش الفلسطينيون حالة تيه وضياع فاقم منها الانقسام الذي سبب غياب التعاون والتكامل والتوافق والوحدة الوطنية وغياب القدرة علي إعادة بناء المؤسسات الوطنية للسلطة والمنظمة شبه الغائب دورهم وغابت الشراكة حتى في إدارة المقاومة والمفاوضات بشكل جماعي وحلت بدلا منها الفردية والتفرد وتدني النقاش الوطني إلى مستوى المناكفات الفئؤية،  بل وارتفعت الانتهاكات الداخلية من قتل واعتقالات تعسفية في الضفة الغربية لمن يساند قطاع غزة،  وانتشرت الفوضى والفلتان  جراء الفشل في حماية الجبهة الداخلية في ظل الحرب واستهداف الشرطة ومؤمني المساعدات وسوء توزيع المساعدات وعدم القدرة علي ضبط  مظاهر ارتفاع الاسعار والاحتكارات والسرقة والنهب للبيوت وغيرها من مظاهر  عدا عن ضعف وغياب دور الحكومة في غزة كما غياب دور السلطة تماما إضافة لعجز، المنظمات الدولية الإنسانية  ما غيب عوامل الصمود في مكان محاصر ومدمر ما جعل البحث عن الخلاص الفردي قاعدة ، وجعل الناس تضج في ازمات وكوراث لا تنتهي كانت ولا زالت أحد أهداف الاحتلال من حرب الإبادة الشاملة بما في ذلك دفع غزة للصمولة والحرب الأهلية.

وجاءت الهدنة لتعطي أملا في وقف الحرب التي جعلها نتنياهو هدفا لبقائه والحفاظ علي ائتلافه الحكومي وتنفيذ مخططاته وبرنامج القائم علي حسم الصراع وتصفية الحقوق الفلسطينية،  فالكل كان يعرف اشتراطات سموتريتش وبن غفير  للعودة للحرب وظهر خلال المرحلة الأولي رفض إرسال وفد التفاوض علي المرحلة الثانية وعرقلة تنفيذ البروتوكول  الإنساني وفي تجاوز للاتفاق طرحت مقترحات تتجاوز الاتفاق بدت فيها حماس عنيدة رغم تغيير ميزان القوى و رغم موافقتها على الخطة المصرية والعربية التي تعني خروجها من الحكم إلا أن ظهورها المسيطر  ورسالتها خلال وقف اطلاق النار أشارت الي رغبتها وإصرارها علي البقاء في الحكم بل ورشحت أخبار تؤكد تفاوضها علي البقاء في الحكم وساهمت بعض التصريحات من قيادتها والمقربين منها وخاصة ما تعلق بالقتال حتي آخر طفل وغيرها في تحريك الغضب المتراكم لدي الناس الذين يروا النكبة التي يعيشونها وخليتهم علي حياتهم وفقدانهم تقريبا كل شيء وخوفهم من التهجير في ظل عودة الحرب وفي غياب اي أفق للاستثمار التضحيات الجسمية في تحقيق اي أهداف وطنية سوى العودة في أفضل الأحوال إلى ما قبل ٧ من اكتوبر، رغم رؤيتهم ما قدمت حركة حماس من تضحيات جسيمة، لتخرج الناس تطالب بوقف الحرب والإبادة مطالبة بتقديم كل المرونة لإنهاء الحرب حفاظا على من تبقى ومنعا لما هو أخطر، في معادلة الاختيار الاضطرارية بين بقاء الشعب أم بقاء الحزب وبين بقاء الشعب أم بقاء المقاومة رغم أن الأمور تتدخل ومعقدة ولكن الأولوية واضحة بقاء الشعب والحفاظ علي وجودة وصموده أهم من الحزب وأهم من المقاومة فكلاهما وسائل يملك الشعب او اعضاءها تغييرها وتجديدها او حلها أو إيجاد أحزاب ومكونات جديدة  كما يملك الشعب متي أراد تغيير النظام السياسي .. وإن منع الشعب  من ذلك ديمقراطيا طول سنوات الانقسام.

من جهة أخري يجادل آخرين حول سؤال  التوقيت لهذه التحركات ومدي قدرتها علي إحداث التغيير المأمول لصالح القضية ام انه تغيير لصالح حزب اخر او السلطة التي لها ما لها وعليها ما عليها ، وهل التغيير ينشد اجبار حماس وحدها علي الانسحاب من المشهد ام الضغط على حماس وفتح من اجل التوافق الوطني، أم إجبار الفصائل في حال تعذر التوافق وهو متعذر لتشكيل وفد موحد للمفاوضات وبدعم عربي وقبول صيغ الحكم المستقلة بعيدة عن الفصائل والسلطة ، أم أن هدف الحرك يتسع أكثر لإجبار حماس وفتح والرئيس على التوافق علي خطة وطنية للمواجهة وتحمل المسؤوليات تجاه الناس والقضية بما في ذلك إصلاح وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وضم حماس والجهاد لها، أم يقتصر الحرك علي وقف الحرب، أو يتحول  لفشة الخلق ولوم حماس علي ما يسميه البعض مغامرة الطوفان أو معركة الطوفان التي كانت أشبه بمن قفز من الطائرة بدون مظلة و عدم مراعاة ضغط الجوع والحرب والقصف والنزوح،  وخاصة وأن غزة تركت وحيدة تقريبا في مذبحة ومحرقة استغلالها البعض للمتاجرة ونهش غزة وأهلها والمزاودات تارة ونقص المساعدات وغياب عوامل تعزيز الصمود تارة أخرى.

كما ورأى الناس كيف تصرف لبنان وحزب الله بمرونة لوقف الحرب ورغم  عدم وجود ضمانات لوقفها ، وكيف فشلت المقاومة في حماية المدنيين أو تأمين المستلزمات الإنسانية لهم وهذا لا ينفي عجز العالم عن القيام بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية لوقف الابادة وضمان فتح ممرات لتدفق المساعدات الانسانية والمستلزمات الطبية والوقود وغيرها من احتياجات القطاع. 

وإذا كان خروج الناس للتظاهر حق مشروع ومطالبتهم بوقف الحرب وقف المعاناة الكارثية والتغيير السياسي حق مشروع لهم ويجب احترامه والاستماع علي مطالبه وللعلم الجماهير لا تخرج إلا من ضيق الحال وهي في تعبيرها عفوية وتخرج بعد أن ضاق بها الحال، وهذا لا ينفي أن كل حراك شعبي له من يتضامن معه، ومن هو ضدة وخاصة في وسط مجتمع منقسم وهناك الكارهون والمستفيدون، وهناك من يركب عليه لتبين صحة وجهة نظرة علي قاعدة ألم أقل لكم، وهناك من يوظفه لصالح اجندته السياسية وهناك من يرغب بحرفه عن مسارة، وهناك من يرغب بتوظيفه لإشعال الفتنة، وهناك من يستغله ويعمل علي استمراره ، وهناك من يرغب في إحباطه او إجهاضه، وكل هذا ظهر ويطهر كل يوم حيث ترى صحف وفضائيات وإعلاميين وكتاب وساسة وذباب إلكتروني وسائل التواصل الاجتماعي تضج بالأخبار والآراء والسب والشتم والتخوين والايضاح والدعم والنفي وان كانت التعددية مهمة وتبادل الآراء والتعبير ولكن دون الانزلاق الي التحريض والكره والحث علي الصدام والقمع وبما لا يسمح لتحولها الي انقسامات جديدة و خلافات شخصية بالضرورة سوف تؤثر علي المشهد وصورة الفلسطيني وقضيته. 

ختاما: أي ما كانت مآلات الحراك الشعبي الذي يجب الإصغاء وحسن التعامل معه ومع مطالبه، فكل أبناء غزة يستحقون التقدير والاحترام علي صبرهم وصمودهم وعطاءهم ويجب دوما بحث كل الخيارات للاستجابة للمطالب ما أمكن  واحترام كل الآراء. 

من جهة أخرى لابد من إدراك حقيقة فشل أي طرف فلسطيني في إنهاء الطرف الآخر سابقا أو طرد طرف لآخر، فهذا الوطن للجميع،  ورغم كل الملاحظات والكوارث التي تسبب بها الانقسام والتفرد من الرئيس في إدارة الشأن العام وإقصاء الخصوم ولاحقا الحلفاء وصولا لحماس وتفردها في السيطرة الانفرادية علي قطاع غزة طول سنوات الانقسام.

ولعل من الجدير بالذكر بأنه إن لم ندرك أهمية الشراكة والتوافق ويرتقي الكل لمستوي المسؤولية الوطنية والإنسانية لن نستطيع مواجهة المخاطر والتحديات الوطنية والإنسانية الكبرى التي توجه شعبنا وقضيتنا، والمسؤولية تطال الرئيس والفصائل والمجتمع المدني والنخب والجماهير ،  وخاصة في ظل الابادة الجماعية والمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية التي لا تحتمل صرعات داخلية او مناكفات قد تؤدي مزيد من تهتك النسيج الاجتماعي وتدمر ما تبقي من أسس السلم الاهلي وتدفع لحرب أهلية لن تكون إلا كارثة جديدة ولن تخدم إلا أعداء الشعب الفلسطيني،  وتؤدي الي تركيز العالم والشعب علي الحرك الشعبي والانقسام الفلسطيني  واقتصار الازمة و المعركة ضد حركة حماس وهذا غير دقيق ، و بدلا من التركيز علي مواجهة مخططات وجرائم الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي الذي يستهدف كل الفلسطينيين وفي كافة التجمعات الفلسطينية وترتيب البيت الداخلي والتوافق والوحدة الوطنية لوقف الحرب واتفاق انتقالي للحكم مؤقت لحين اجراء الانتخابات الشاملة .

ولعل من الواجب أن أرسل السلام و التحية لغزة وأهلها الذين كانوا ولا زالوا نبع الوطنية والنهوض الوطني.