صانع سلام زائف.. الهند تكذّب رواية ترامب لوقف الحرب مع باكستان

35ae5f00-30d6-11f0-b3d9-1d2abfa683e0-file-1747235703016-7313482.webp
حجم الخط

وكالة خبر

بينما تواصل روسيا حربها المستنزفة في أوكرانيا، ويشتد العدوان العسكري الإسرائيلي في غزة، برز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي كصانع سلام، معلنًا وقف إطلاق النار في أعقاب أعنف مواجهة عسكرية منذ عقود بين الهند وباكستان، وهما دولتان نوويتان لطالما ساد بينهما التوتر.

لكن طريقة ترامب في الترويج لدور الولايات المتحدة في الوساطة، وتصريحاته المتكررة بشأن كيفية إقناعه الطرفين بوقف القتال، أثارت حفيظة نيودلهي وأحرجت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، التي سعت لسنوات لبناء شراكة استراتيجية عميقة مع واشنطن تقوم على الثقة المتبادلة، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية. 

رواية كاذبة

في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء، سارع المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، راندهير جايزوال، إلى نفي تصريحات الرئيس الأمريكي، الذي زعم من الرياض وواشنطن أن الولايات المتحدة عرضت على الهند وباكستان تعزيز التبادل التجاري في حال أوقفتا الأعمال القتالية، وهددت بوقفه إن لم تفعلا.

وقال ترامب: "بعد تلك العروض والتهديدات، قالوا فجأة: أعتقد أننا سنتوقف". لكن المتحدث الهندي أكد: "لم يتم التطرق إلى ملف التجارة في أي من المحادثات بين القادة الهنود والأمريكيين بشأن التصعيد العسكري".

ويقول محللون تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن نفي الهند العلني لرواية ترامب يعكس خشية حكومة مودي من أن يُنظر إليها داخليًا على أنها رضخت للضغوط الخارجية، وأوقفت العمليات العسكرية ضد خصم تعتبره أضعف، قبل تحقيق "نصر كامل".

وساطة غير مرضية

لطالما لعبت واشنطن دورًا في تهدئة النزاعات في جنوب آسيا، لكن نيودلهي كانت تتوقع أن يتم أي تدخل أمريكي بصمت، وعلى نحو يراعي مكانة الهند كقوة صاعدة وشريك موثوق، بحسب "نيويورك تايمز". غير أن ترامب، بطبيعته المتعطشة للأضواء، لم ينتظر موافقة الطرفين وأعلن وقف إطلاق النار بنفسه، مسلطًا الضوء على دوره ومُلمحًا إلى استحقاقه لجائزة نوبل للسلام.

وقد استاء المسؤولون الهنود من تصريحاته التي ساوت بين الهند وباكستان، كما تحدث عن وساطة مستقبلية بشأن إقليم كشمير، وهو ملف تعتبره الهند "غير قابل للتفاوض" مع أي طرف ثالث.

وقال مسؤول هندي رفيع للصحيفة الأمريكية، إن الهند كانت على تواصل مع إدارة ترامب قبل تنفيذ غاراتها الجوية داخل الأراضي الباكستانية، وأبلغت واشنطن بنيتها مسبقًا، ثم أطلعتها على التفاصيل بعد الضربات. وعندما تصاعدت الاشتباكات، اتصل نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس برئيس الوزراء مودي، محذرًا من "احتمال تصعيد كبير في العنف". ورغم استماع مودي، إلا أن قرار وقف القتال اتخذته الهند وحدها، بحسب المسؤول، بعد ليلة من القصف استهدفت فيها عدة قواعد عسكرية باكستانية.

تباين أمريكي

ولعل تباين تصريحات المسؤولين الأميركيين زاد من تعقيد المشهد. فبعد الهجوم الإرهابي في كشمير في أبريل الماضي، الذي أودى بحياة 26 مدنيًا، كان فانس – الذي كان يزور الهند آنذاك – قد قال لقناة "فوكس نيوز" إن "التصعيد ليس من شأننا"، ما فُهم في نيودلهي كضوء أخضر لاستمرار العمليات العسكرية. لكن بعد أيام، برز فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو كقادة لمبادرة دبلوماسية مكثفة لوقف القتال.

وفي غضون ذلك، امتنعت الحكومة الهندية عن الاعتراف علنًا بالدور الأمريكي في وقف إطلاق النار، مؤكدة أن الاتفاق تم مباشرة مع باكستان. لكن إحباط نيودلهي لم يكن فقط من تصريحات ترامب، بل من الرسائل الأمريكية التي وضعت الهند وباكستان في كفة واحدة، وتغاضت عن حقيقة أن الصراع بدأ بهجوم إرهابي تتهم الهند إسلام آباد بالوقوف خلفه.

شعور بالخيانة

أثارت تصريحات ترامب موجة من الانتقادات في الأوساط اليمينية الهندية المقربة من مودي، واعتبرها البعض "خيانة"، وشككوا في جدوى التقارب مع واشنطن، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ترى في باكستان لاعبًا مهمًا، رغم علاقاتها القوية المتزايدة مع الهند، بحسب "نيويورك تايمز".

وقالت نيروباما راو، السفيرة الهندية السابقة في واشنطن: "عندما يقول ترامب إنه تحدث مع الطرفين، فإنه يضعهما على قدم المساواة. والهند أمضت عقودًا تحاول التحرر من هذه المساواة الزائفة".

وأضافت: "الهند اعتقدت أنها كسرت هذه المعادلة، وأن باكستان لم تعد تحظى بالأهمية نفسها لدى واشنطن. لكن ما حدث أعاد الأمور إلى الوراء".

وفي تعليق على منصة "إكس"، كتبت المحللة السياسية إندراني باغشي من نيودلهي: "الأيام الماضية كانت صعبة على الهند. معاركها ضد الإرهاب المدعوم من باكستان كانت دائمًا معارك وحيدة. الولايات المتحدة والصين خصمان استراتيجيان في كل مكان، لكنهما يتحدان حين يتعلق الأمر بباكستان. هذه الحقيقة لم تتغير".