مؤتمر طوارئ في إسرائيل: لإنقاذ السياسة الخارجية من نتنياهو

حلمي موسى
حجم الخط

بلغ التوتّر الداخلي في الحلبة السياسيّة الإسرائيلية أوجّه أمس الأول، بعد إقدام رئيسا حزبَي «هناك مستقبل» يائير لبيد، و «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، على عقد مؤتمر صحافي يدعو لعمل طارئ لإنقاذ السياسة الخارجيّة الإسرائيليّة التي تتدهور في ظلّ حكم بنيامين نتنياهو.


هذه الخطوة شكّلت، ولو من الناحية الدعائية، أشدّ تحدٍّ لنتنياهو الذي لم يجد سبيلاً للردّ على هذه الحملة سوى بتسفيه القائمين عليها، والتأكيد أنَّ إسرائيل هي القوّة العظمى الثامنة في العالم.


وتفاخر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بنتائج استطلاع «الدولة الأفضل في العالم» الذي صدر عن كلية فيرتون في جامعة بنسلفانيا الشهر الماضي، والذي وضع إسرائيل في المكانة الثامنة من حيث القوّة في العالم، مستنداً على عوامل القوّة العسكريّة، والتحالفات الدوليّة، والتأثير الاقتصادي، والنفوذ السياسي.


وقال نتنياهو إنَّ «إسرائيل صُنّفت القوة العظمى الثامنة في العالم على أساس ثلاثة أمور: القوة العسكرية، والنفوذ الدولي وانتبهوا – هم يقولون، التحالفات الدوليّة. وأنا لم أختر قول هذا. إنّهم يصنّفوننا بسبب قوّتنا الدوليّة وتحالفاتنا الدوليّة».
ولكن منتقدي نتنياهو أشاروا إلى أنّه أخذ من مقياس كلية فيرتون فقط عامل القوّة وتجاهل باقي العوامل، بينها جودة الحياة والتعليم والانفتاح التجاري والمبادرة وما شابه.


وفي التصنيف الشامل، تحتلّ إسرائيل المكانة 25 بعد روسيا (24)، والبرتغال (23)، والهند (22)، وتايلندا (21)، والبرازيل (20)، وكوريا الجنوبية (20)، وإيرلندا (19). وفقط في ميزان القوّة، صنّفت إسرائيل بعد أميركا وروسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان.


وأشارت صحف إسرائيليّة إلى أنَّ مقياس كلية فيرتون يأخذ بخمسة عوامل وليس ثلاثة، وبينها التأثير الاقتصادي ودور الزعيم. الصورة التي اختار نتنياهو عرض جزء منها ليست كاملة، بل وفي بعضها غير دقيقة. ومع أنَّ اسرائيل تأتي في المرتبة الثامنة في العالم من حيث القوّة، فمقابل العلامة العالية لإسرائيل في المقاييس التي أشار إليها رئيس الوزراء، مثل علامة 9.7 التي حصل عليها الجيش الإسرائيلي، فإنَّ المعيارين الآخرين بالذات حصلا على علامة منخفضة ـ فالعلامة للزعيم تصل إلى 2.7.


كما اختار رئيس الوزراء ألّا يذكر حقيقة أنَّ تصنيف القوّة هو مجرّد عنصر واحد في الاستطلاع، حيث جاءت إسرائيل في المرتبة الـ 25 من أصل 60 دولة، كما لم يشر إلى أنه إضافة إلى ترتيب القوّة، كانت هناك ترتيبات لم تمتدح إسرائيل كثيراً، مثل المرتبة 34 في العالم في جودة المعيشة أو 52 في الانفتاح للأعمال التجارية.


وقال نتنياهو «إنّني، منذ زمن طويل، أقول لكم إنّنا شهود على ميلين ـ ميل نزع الشرعيّة عن دولة إسرائيل ونحن نحاربه. والميل الآخر هو تعزيز تحالفات دولة إسرائيل». وتباهى بأنّه في ذلك النهار اجتمع إلى سفراء كل من مصر ودول أفريقيّة «لتعزيز التحالف بين دول أفريقيا وإسرائيل». وأضاف أنَّ نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مفترض أن يصل قريبا و «إنّنا نعزّز العلاقات مع قوى كثيرة في آسيا ودول أميركا اللاتينية، وهذا ما نفعله طوال الوقت وبشكل يومي».
وحمل نتنياهو بشدّة على المؤتمر الذي نظّمه زعيما «البيت اليهودي» و«هناك مستقبل» في الكنيست ضمن حملة لمكافحة حركة المقاطعة BDS تحت عنوان «نكافح من أجل مكانة إسرائيل الدولية».


وقال نتنياهو إنَّ «أحزاب اليسار عقدت اليوم مؤتمر طوارئ سياسيا. وهناك من اختار أن يهذي ويعقد مؤتمرات سياسية وهناك من يعّزز التحالفات الدوليّة من أجل ضمان مستقبلنا هنا. في النهاية قوّتنا، هذه القوة هي التي تضمن مستقبلنا وهي التي ستقود إلى مصالحة أعدائنا لنا ونحن سنواصل العمل في هذا الاتجاه».
ويشهد اتّهام نتنياهو لخصميه من الوسط، لبيد، ومن اليمين ليبرمان، باليسارية ـ وهي أشد الاتهامات خطورة في إسرائيل - على إثر ما فعله الرجلان في حملتهما ضدّه. وكانت استطلاعات الرأي الأخيرة التي نشرت في إسرائيل، قد أوضحت أنَّ الخطر على استقرار حكم نتنياهو يأتي من الميل المتزايد للجمهور الإسرائيلي باتجاه حزبي لبيد وليبرمان. وخلافاً لتوقّعات الكثيرين، فإنَّ الجمهور الإسرائيلي لا يجد في «حزب العمل» مراده وهو يزداد انفضاضاً عنه، برغم كل التغييرات والتحركات التي تجري بداخله.


ويبدو أنَّ الاتهامات المتبادلة صارت تخرج عن نطاق المعقول. إذ رد ليبرمان على كلام نتنياهو بالقول إنَّ «الجميع يعلم أنَّ من جلس في ديوانه مع أيمن عودة وجمال زحالقة، وتمازح معهم ونقل لهم الأموال كان نتنياهو». ومن المؤكّد أنَّ ليبرمان سيشدّد حملته ضدّ نتنياهو والتي تقوم على أساس فكرة أنَّ «أصوات اليمين تنتخبه، وهو ينفذ سياسة اليسار».
وكان ليبرمان ولبيد قد حملا بشدة في مؤتمرهما على نتنياهو. وأشار ليبرمان الذي سبق وخدم وزيراً للخارجية في الحكومة السابقة، إلى إغلاق الحكومة الإسرائيلية للعديد من الممثليات في العالم، معتبراً أنَّ هذا «جنون». وأضاف أنّه «ليست للحكومة سياسة خارجية وهذا تخلٍ تام. نتنياهو لا يجمع السفراء للقاءات مع رؤساء دول. كيف يمكنهم أن يشعروا؟». وأشار كذلك إلى مواقف الوزراء بشأن الصراع مع الفلسطينيين. وقال «هذا الصباح خرج الوزير ألكين بشدة ضدّ السلطة الفلسطينية، أما يؤاف غالانت في المقابل، فإنّه مع السلطة. يستحيل أن تكون في الحكومة ثلاثة أو أربعة مواقف متناقضة».
أمّا لبيد فقال إنَّ «التدهور دراماتيكي. وحركة BDS تراكم قوة والمؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة تقود خطاً مناهضاً لإسرائيل. هناك أزمة مع الإدارة الأميركيّة، وأزمة مع الاتحاد الأوروبي، ووسائل الإعلام العالميّة تقود أيضاً خطاً معاديا لإسرائيل وبشدة، وهي تشوّه صورتنا بمساعدة منظمات معادية لإسرائيل».


ولأنّ مؤتمر ليبرمان ولبيد أعد لتحدّي نتنياهو من ناحية، ولإظهار أنَّ الرجلين وكتلتيهما في الكنيست لا تعتدّ بزعامة إسحق هرتسوغ للمعارضة، يتوقّع كثيرون أن يحتدم الصراع في الكنيست قريباً. وتقريباً استخفّ قادة من «الليكود» و «حزب العمل» بالمؤتمر الذي عقده زعيما «البيت اليهودي» و «هناك مستقبل»، واعتبرا أنَّ التحالف بين هذين الحزبين لن يطول.
واعتبرت نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوتبولي، أنَّ المؤتمر الذي عقد كان مجرّد خطوة شعبوية: «فوزارة الخارجية الإسرائيلية لا تعني ليبرمان ولا لبيد، لأنَّ ما يعنيهما هو مناكفة وزارة الخارجية عبر استغلال مستخدمي هذه الوزارة».