مرّة أخرى، لا تغيب الأهداف والدوافع الشخصية والسياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن دوران بوصلة الحرب نحو إيران، بالرغم من أنه يواصل الإعلان عن أهداف أخرى.
يزعم نتنياهو أنه يبادر إلى حرب دفاعية، تستهدف وجود كيانه ولأجل ذلك، لا رجعة عن تدمير البرنامج النووي الإيراني، والقضاء على قدراتها الصاروخية، وإثارة كل العوامل الاجتماعية والاقتصادية، لتحقيق هدف إسقاط النظام الإيراني.
يعتقد نتنياهو أن بإمكانه أن يعلن الانتصار مسبقاً، حين يكرّر ما جرى خلال حرب حزيران 1967، حيث استهدفت الطائرات العدوانية الإسرائيلية مروحة واسعة من الأهداف، من قتل القادة العسكريين والأمنيين إلى قصف المواقع النووية، واغتيال عدد كبير من العلماء النوويين الإيرانيين وتعطيل منصّات الدفاع الجوّي، وعدد كبير من المنصّات الصاروخية والمطارات.
إيران وقعت في غفلة أمنية تكرّر ما أصاب «حزب الله» اللبناني، وابتلعت الطعم الأميركي، الذي قام بعملية تضليل واسعة، حين أوحى بأنه ملتزم بالمسار الدبلوماسي، ويمارس الضغط على نتنياهو لمنعه من القيام بعمل عسكري طالما أن المفاوضات جارية.
من حيث المبدأ، فإن من يبادر إلى الضربة الأولى، يستطيع تحديد مسار الحرب لاحقاً، ولكن لا يمكن أن نتوقّع من الضحيّة أكثر من الحذر، والتصرّف على أساس أسوأ الاحتمالات.
في حالة إيران والدولة العبرية لا يمكن أن يكون وارداً بأيّ حالٍ، أن تكون الأولى هي المبادرة للحرب ولكنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة، استعداداً للأسوأ.
ومرّة أخرى، كان تباطؤ «حزب الله»، لأسباب عديدة، عن الانخراط المبكّر، بكل قوّة في الحرب مع دولة الاحتلال، كان ذلك قد تسبّب في خسارة الحزب، عدداً كبيراً من قياداته السياسية والعسكرية، وكمية كبيرة من قدراته العسكرية.
الدرس ذاته بالنسبة لإيران فقد دفعت ثمناً باهظاً خلال الضربة الإسرائيلية الاستهلالية، وكان يمكن ألا يكون هذا الثمن، دون جدوى.
لا ضرورة أبداً، للحديث مرّة بعد آلاف المرّات، عن أنّ الولايات المتحدة الأميركية شريك كامل لدولة الاحتلال، التي تحظى بكل أشكال وأنواع الدعم الاستخباراتي، والدفاعي، والتسليحي، فضلاً عن السياسي والدبلوماسي.
لقد أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذلك، حين قال إنه أعطى إيران فرصة، لكن الإيرانيين، لم يستغلوا تلك الفرصة، وقد انقضت الـ 60 يوماً، التي قال إن المفاوضات ينبغي أن تكون وصلت إلى نتيجة خلالها.
إيران استوعبت الضربة الاستهلالية بسرعة قصوى، وقامت بعد تأخير ساعات، بالرد من خلال الأسلحة الصاروخية والمسيّرات، التي غطّت أجواء المنطقة، بما في ذلك تل أبيب.
حتى الآن يبدو أن الطيران الحربي الإسرائيلي يتحرّك بحرّية، وينتهك الأجواء السيادية للعراق، وسورية التي أظهر قائدها أحمد الشرع، على نحوٍ واضح أنه يصطفّ إلى جانب الدولة العبرية، وبذلك يكون قد كشف هويته التي أثارت العديد من الأسئلة والشكوك.
وفيما تحدثت دولة الاحتلال في البداية عن حرب تستمرّ لأسبوعين، بأمل، أن تكون حققت الانتصار الذي يجعل إيران ترفع الرايات البيضاء، عادت لتتحدث عن حرب قاسية، تنطوي على أثمان باهظة مستحقة طالما أن هدفها الدفاع عن وجودها.
إيران هي الأخرى، مدركة أنها تواجه مخاطر وجودية بسبب طبيعة تركيبتها الإثنية والديموغرافية، لا يمكنها بأيّ حال أن تفكر في رفع الرايات البيضاء، بل إن ذلك يشكّل دافعاً قوياً للصمود وإثبات الذات.
وكما أن دولة الاحتلال تحظى بدعم كبير ومتواصل من قبل حلفائها «الغربيين»، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، فإن إيران هي الأخرى لديها حلفاء، إن امتنعوا عن التدخّل الآن، فإن استمرار الحرب لفترة أطول، سيحفّز هؤلاء لتقديم الدعم اللازم.
بعد الباكستان النووية، التي أعلنت تضامنها القويّ والكامل مع إيران، أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أن سلوك الدولة العبرية غير مقبول، وأن بلاده مستعدّة للدفاع عن إيران، هذا دون الحديث عن كوريا الشمالية وروسيا.
هكذا تبدو إلى أين تمضي الأوضاع في هذه المنطقة في حال استمرار الحرب لفترة أطول، وإذا كانت دولة الاحتلال تحظى بمساعدات أميركية و»غربية»، وربما عملياً من أطراف عربية متواطئة في أحسن الأحوال، فإنّ إيران تحظى بخيارات لم تلجأ إليها بعد، ولكنها قد تلجأ إليها في حال استمرّت الحرب.
إيران تهدّد بإغلاق المضائق في الخليج والبحر الأحمر، وبحر العرب، والمحيط الهندي، ما يهدّد التجارة الدولية، ويعرّض مصالح الكثير من الدول للخطر.
أما إن انخرطت أميركا في الحرب دفاعاً عن دولة الاحتلال ولتحقيق أهدافها بالقوّة، فإن قواعدها العسكرية في البرّ والبحر، ستتعرّض لخطر، لا يمكن الاستهانة به، وسيؤدّي إلى توسيع دائرة الحرب بما في ذلك خارج منطقة الشرق الأوسط، وبصرف النظر عمّا يدّعيه الطرفان الإسرائيلي والإيراني، كل بشأن حربه الوجودية، فإن هذه الحرب من غير المتوقّع أن تكون صفرية إلى هذا الحدّ.
إيران لا تملك الإرادة، للقضاء على دولة لاحتلال، كما يدّعي الكثير من مسؤوليها، والأخيرة لا تملك القدرة على إزالة التهديد الإيراني في ضوء التوازنات القائمة والمحتملة، فضلاً عن أنها ليست صاحبة القرار الذي يعود لأميركا.
إدارة ترامب تحاول تغيير وجه الشرق الأوسط، والإطاحة بالجدار الإيراني الصامد، لحماية مصالح الصين، ودول وسط وشرق آسيا، ولكنه غير مستعد لأن يذهب إلى حرب عالمية، فيما لديه خيار استخدام القاعدة الإسرائيلية، لتحقيق أغراضه، فإن نجح جيد وإن فشل فإن دولة الاحتلال هي التي فشلت.
يبدو لي أن سقف هذه الحرب، قد حدّده الجانب الإيراني الذي أعلن عبر وزير الخارجية عباس عراقجي، أن بلاده ستتوقف حين يتوقف العدوان عليها، وأن الإيرانيين لا يسعون لتوسيع الحرب.
هذا يعني أن الباب مشرع أمام الوساطات، والتدخُّلات الإقليمية، أو الدولية، والمرشّح لذلك أكثر من غيره هو روسيا، التي أدانت العدوان الإسرائيلي لكنها لسبب ظروفها لا تسعى خلف إفساد علاقتها مع أميركا.
في الخلاصة فإن إيران لن تتخلّى عن برنامجها النووي، وقد تسرّع عملية التخصيب بعد ترميم ما تمّ تدميره، ونتنياهو لن يتخلّى عن نهج استيلاد الحروب في المنطقة.
رام الله ليست سايغون وغزة ليست هانوي
31 مايو 2025