نتنياهو على حقيقته

تنزيل (9).jpeg
حجم الخط

الكاتب: طلال عوكل

 


بعد أخذٍ وردّ، ونقاشات حادّة لـ»الكابينت» الإسرائيلي، وإصرار من قبل رئيس  حكومة الائتلاف بنيامين نتنياهو، تمّ اتخاذ قرار، بتكليف الجيش الفاشي تحت مسمّى ألطف قليلاً من الهدف الحقيقي وهو احتلال قطاع غزّة بالكامل.
الخلافات بين المستوى العسكري والسياسي، خرجت إلى الشارع، لتحدث المزيد من البلبلة وردود الفعل الداخلية والخارجية، وبالرغم من أن البعض يتحدث عن مسرحية وتوزيع أدوار، إلّا أن ما يصدر عن مسؤولين عسكريين وأمنيين، يشكل اعترافاً صريحاً، بأن جيش الاحتلال يعاني من نقص الموارد البشرية، ويعاني من إرهاق بدني ونفسي، فضلاً عن المخاوف من أن قيامه باحتلال أو السيطرة على كل القطاع، قد يعرّضه لخسائر باهظة فضلاً عن التضحية بالأسرى.
بتسلئيل سموتريتش فضح هذه المداولات والقرار، حين أعلن عن أنه يستهدف الضغط على حركة حماس حتى تعود إلى طاولة المفاوضات، وليعلن ربّما لأوّل مرّة وصراحة أنه يفقد الثقة بنتنياهو، وربّما يفكر بالانسحاب من الائتلاف الحكومي.
ما يعزّز فرضية البعد التكتيكي التفاوضي، الذي يقف خلف قرار السيطرة على القطاع، هو أن القرار غير مقترن بجدول زمني للتنفيذ، ويحتاج التنفيذ إلى وقتٍ لإعادة تحضير 5 إلى 6 فرق عسكرية لإتمام المهمّة، التي يقولون إن إنجاز أهدافها تتطلّب أشهراً.
في الواقع فإن فكرة السيطرة، تدعو إلى السخرية، فإن لم يكن جيش الاحتلال قد حقق السيطرة، خلال ما يقرب من عامين، فما الذي يمكن أن يفعله خلال أشهر قليلة.
ثمّ إن جيش الاحتلال أعلن مراراً، سيطرته الميدانية الكاملة على عديد المناطق في بيت حانون، وبيت لاهيا، وجباليا، وشرق خان يونس، ليتضح بعد ذلك أنه يسيطر بالنيران، والقصف، والتهجير، ولكن الميدان لا يزال يشهد اشتباكات.
غير أن قرار «الكابينت» بتكليف الجيش بالاستعداد للسيطرة على القطاع، وحشر الناس مرّة أخرى، في مناطق محدودة المساحة جنوبه، لاستكمال عملية التهجير، أثار ردود فعل دولية واسعة جداً، بالإضافة إلى ردود فعل واسعة، أيضاً، على الصعيد الداخلي.
تتزايد أصوات المسؤولين السياسيين والأمنيين السابقين، والجنرالات التي تتحدث عن أن الدولة العبرية أصبحت دولة منبوذة، وأن الإنجازات العسكرية التكتيكية التي حققها الجيش الفاشي لا يمكن أن تعوّض الخسائر الهائلة التي تتعرّض لها دولة الاحتلال دولياً، وعلى مستويات مختلفة مادية وبشرية واقتصادية داخلية.
وسواء كان اعتراف سموتريتش بشأن خلفية قرار الحكومة صحيحاً، أم أنه قرار جدّي، فإن على من يتهمّون نتنياهو، بأنه محكوم في قراراته لأبعاد شخصية وسياسية، أقول: على هؤلاء أن يعيدوا النظر في مثل هذه القراءة.
كان بإمكان نتنياهو، أن يعلن النصر، بعد جولة الـ 12 يوماً على إيران، وبعد أن نجح في تفكيك جبهات المقاومة، وأن يذهب إلى وقف الحرب، وتنفيس الحالة الداخلية من خلال صفقة تؤدي إلى الإفراج عن الرهائن.
نتنياهو لم يخضع لا للضغوط الدولية المتزايدة، خصوصاً من الدول الغربية الحليفة لكيانه، ولا للضغوط الداخلية، إذ لم يمرّ على كيانه منذ قيامه 1948، أيام من الغضب الشعبي، الذي لا يغادر الشوارع احتجاجاً على سياسة تجاهل حياة الأسرى. حقيقة الأمر أن نتنياهو، لم يبدِ الحدّ الأدنى من الاهتمام بالإفراج عن الرهائن، وقد أدّى القصف إلى قتل العديد منهم، بالإضافة إلى أن الجيش خسر بين قتلى وجرحى، أعداداً أكبر بكثير من عدد الأسرى الأحياء.
نتنياهو تلاعب بالجميع، تلاعب بالجيش، وتلاعب بالأجهزة الأمنية وبـالائتلاف الحكومي، و»المعارضة»، والمجتمع، وتلاعب ببعض أنظمة العرب، والمجتمع الدولي، مؤسّسات ودولاً، وحتى أنّه تلاعب بالإدارتين الأميركيتين «الديمقراطية» السابقة، و»الجمهورية» الحالية، ولا يزال قادراً على التلاعب.
نتنياهو بصراحة، يملك كل مميزات القائد والزعيم الذي يجيد اللعب بالأوراق المتاحة، لتحقيق أهداف استراتيجية يدرك أنها لن تكون بثمن زهيد.
يسعى، أيضاً، لأن يسجّل له التاريخ صفحات كثيرة، باعتباره القائد الذي نقل المشروع الصهيوني إلى مستوى تحقيق الحلم الأكبر، وهو توسيع الدولة، وتحقيق السيطرة والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وبالقوة.
لذلك هو لا يتوقّف عن التبجُّح بأنه ينجح في إعادة هيكلة الشرق الأوسط، على الرغم من أن ثمّة عوائق كثيرة لا تزال ماثلة أمام تحقيق هذا الحلم.
علينا جميعاً أن نتذكّر، الخارطة التي رفعها نتنياهو من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل «طوفان الأقصى ــ 2023»، وتظهر سيطرة دولة الاحتلال على كامل الأرض الفلسطينية بما في ذلك قطاع غزّة، وليس فقط الضفة الغربية والقدس.
هذا التفسير، لا علاقة له، بالجدل الدائر حول «الطوفان»، إن كان ذلك يستدعي التأييد أو النقد والتعريض.
ما يجري في الضفة والقدس، يشهد على ذلك حيث لا تقدم السلطة الوطنية الفلسطينية، أيّ ذريعة تستخدمها إسرائيل، لمصادرة المسجد الإبراهيمي، والآن المسجد الأقصى، أو هدم البيوت ومصادرة الأراضي، وإطلاق يد المستوطنين الفاشيين، وتسريع وتائر الاستيطان.
دولة الاحتلال لم تعد تقبل دوراً للسلطة الوطنية، وهي لا تترك وسيلة إلّا واستخدمتها، وتستخدمها لإضعافها، وتقويض دورها.
ودولة الاحتلال ترفض علناً أي وجود أو دور للسلطة الوطنية في القطاع وتستمرّ في تكرار مقولة «لا حماسستان ولا فتحستان» في غزّة، وطالما أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تقف إلى جانب حكومة نتنياهو، فإنه سيواصل حروبه في المنطقة، دون اهتمام للتطوّرات على صعيد القارة الأوروبية والعالم.