هدنة سورية

1
حجم الخط

منذ خمس سنوات، منذ انفجار الصراع الدموي على أرض سورية وعليها وعلى مستقبلها، انقسم العالم إلى معسكرين متصارعين، كل منهما له مبرراته ومصالحه ودوافعه، المعسكر المؤيد للنظام تقوده روسيا والصين دولياً، وإيران إقليمياً، وأحزاب ولاية الفقيه حزبياً وجماهيرياً، في مواجهة المعسكر الآخر المؤيد للمعارضة المسلحة والداعم لها وتقوده الولايات المتحدة وأوروبا دولياً، وكل من تركيا والسعودية إقليمياً، والقاعدة وداعش وحركة الإخوان المسلمين حزبياً وجماهيرياً، وبينهما وقف المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي محايداً، لا يتدخل إلا حينما يجد أن هناك ما يهدد مصالحه الأمنية وتفوقه الميداني، عبر الطيران والمدفعية، وإن كانت لديه تدخلات استخبارية تخدم غرضين أولهما المتابعة والاستطلاع والمعرفة، وثانيهما استمرارية الصراع الدموي وتغذيته.
وبعد خمس سنوات، وصل الصراع إلى طريق مسدودة يستنزف الأطراف المشاركة فيه والتي لم يحصل أي منها على كامل مبتغاه، وبقي المستفيد الوحيد من هذا الصراع هو المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي حقق هدفه وهو تدمير سورية وخرابها وإضعافها، سواء بقي النظام السوري قائماً برموزه فلن يعود مع حلفائه بقدراته كما كانت، وتل أبيب لن تبكيه إذا تغير، ولكنها ستضمن الأمن والحماية من قبل أي جديد قادم، وهذا ما فهمته المعارضة السورية ولذلك لم يكن عبثاً زيارات أحد قياداتهم كمال اللبواني إلى تل أبيب بهدف الحصول على خدمات لوجستية، ولطمأنة الإسرائيليين على مستقبلهم إذا حصل التغيير، والذي يبدو أنه لم يحصل ولن يحصل.
لا المعارضة أفلحت في إسقاط النظام، ولا النظام أنهى المعارضة وهزمها بعد سنوات خمس من الدمار والخراب، وإن كانت موازين القوى مالت إلى حد ما لصالح المعارضة في بعض الأحيان والمواقع، ما دفع روسيا للتدخل مباشرة، ولكن تدخلها لم يكن استفزازياً للمعسكر الدولي، بل تم عبر التفاهم المسبق مع الأميركيين لسببين: أولهما العمليات الإرهابية التي مست أوروبا وطالتها، وثانيهما عنصر اللاجئين الذي تدفق على البلدان الأوروبية فأربكها، وخلق لديها مشكلة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، فجاء التدخل الروسي برضى وقبول أميركي وأوروبي، ليقلب المعادلة على الأرض ويُعدل موازين القوى لصالح دمشق بشكل واضح وجلي، الأمر الذي أدى إلى التوصل إلى تفاهمات ومن ثم إلى اتفاقات روسية أميركية قاعدتها زيارة جون كيري إلى موسكو يوم 14/12/2015، وصدور قرار مجلس الأمن 2254 يوم 18/12/2015، وسلسلة الاتفاقات التي تمت وفي طليعتها اجتماع "المجموعة الدولية لدعم سورية" يومي 11 و 12 شباط 2016 وهي: الجامعة العربية، الصين، مصر، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، إيران، العراق، إيطاليا، الأردن، لبنان، منظمة التعاون الإسلامي، عمان، قطر، روسيا، السعودية، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الأمم المتحدة، والولايات المتحدة.
وأعلنوا العمل بالإجماع على "التسهيل الفوري للتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تم إقراره بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول 2015، وأعادوا التأكيد على استعدادهم لتنفيذ كل الالتزامات الواردة في القرار بما فيها: ضمان عملية انتقال سياسي بقيادة سورية استناداً إلى بيان جنيف بكلّيته، والضغط باتجاه وضع حد لأي استخدام عشوائي للأسلحة، ودعم وتسريع الاتفاق وتطبيق وقف شامل لإطلاق النار، وتسهيل الدخول الفوري للمساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة والمناطق التي يصعب الوصول إليها، وإطلاق سراح الأشخاص المعتقلين اعتباطياً، ومكافحة الإرهاب".
وفي 28 شباط 2016، اتفق كل من روسيا والولايات المتحدة، بصفتهما رئيسين مشاركين للمجموعة الدولية لدعم سورية، وتأمين تطبيق تام لبيان ميونيخ الصادر عن المجموعة الدولية لدعم سورية، ولقرار مجلس الأمن 2254، وإعلان فيينا للعام 2015، وبيان جنيف للعام 2012، وقررتا أن وقف الأعمال القتالية لا ينطبق على تنظيمي داعش وجبهة النصرة وغيرهما من المجموعات الإرهابية المحددة من قبل مجلس الأمن.
كما اتفقتا على وضع الآليات الضرورية للحيلولة دون تعرض الأطراف المشاركة في وقف الأعمال القتالية لهجمات القوات المسلحة الروسية والتحالف بقيادة الولايات المتحدة والقوات الحكومية السورية المسلحة وغيرها من القوى الداعمة لها، وأن جميع الأعمال القتالية بما في ذلك الضربات الجوية التي تنفذها القوات المسلحة السورية والقوات الروسية وقوات التحالف ضد داعش الذي تترأسه الولايات المتحدة، ستستمر ضد "تنظيم داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من المنظمات التي حددها مجلس الأمن الدولي على أنها منظمات إرهابية، إضافة إلى ذلك فإن روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية ستعملان معا ومع الأعضاء الآخرين لمجموعة العمل على وقف الأعمال القتالية لكي تقوم حسب الضرورة، ووفقا لقرار المجموعة الدولية لدعم سورية الصادر يوم 11 شباط 2016 على تعيين حدود الأراضي التي يسيطر عليها "تنظيم داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من المنظمات المحددة من قبل مجلس الأمن الدولي على أنها إرهابية والمستثناة من وقف الأعمال القتالية.
قرار وقف العمليات القتالية على أرض سورية، باستثناء القاعدة وداعش، أملاه التفوق الرسمي للقوات النظامية المسلحة، ولذلك فهو يصب لمصلحة النظام ويشكل خطوة جوهرية ونقلة نوعية ذات طابع سياسي هجومي، لصالح النظام وحلفائه، وهذا لم يتحقق إلا بفعل عاملين أساسيين، أولهما وقوف روسيا كدولة عظمى إلى جانب النظام والقتال معه، وثانيهما تراجع الولايات المتحدة وقبولها بالنتائج الميدانية والسياسية التي آلت إليها الوقائع وتطور الأحداث.
ملاحظة: الأردن الذي رفع شعار الحل السياسي للأزمة السورية ولمأزق الصراع المسلح، كسب، وموقفه الرسمي كان صائباً، وإن تخللته ضغوط فرضت تقديم بعض التسهيلات غير العسكرية، ولكنها لم تكن مؤثرة على سير العمليات التي أدت إلى الوضع الذي تعيش فيه سورية الآن.