يعتبر التضامن الأممي بين الشعوب في كروبها ومصائبها وابتلاءاتها خصلة اشتراكية عمدت اليها روسيا عندما كانت "اتحادا سوفياتيا" ووقفت بالتالي مع معظم شعوب الأرض في مقارعة ومحاربة مستعمريها من الأنظمة العاتية التي بسطت سيطرتها وهيمنتها بقوة السلاح والعسكر على غالبية دول العالم في قاراته الخمس.
خصلة "التضامن الأممي" لم تبدأ من عند الاتحاد السوفيتي، ولم يكن هو من اخترعها اواكتشفها، لكنه بكل تأكيد عززها ورسخها حتى أصبحت جزءا أساسيا من شخصيته وفلسفته ومبادئه ومكوناته، حتى نجح وكتلته الشرقية في اجتراح يوم خاص لهذا التضامن مع الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة قبل نحو خمسين سنة، والذي تصادف قبل يومين. قد يقول قائل إن هذا من مصالحه، وفي هذا ما لا يضيره، أقله انك تقف مع المظلوم ضد الظالم، ومع الضوء ضد الظلام.
لهذا التضامن الأممي أشكال عديدة، اقتصادية وسياسية وعسكرية، ومن كل حسب قدرته وطاقته، على قاعدة "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وفي الحالة الفلسطينية فلقد رأينا "تضامنا" شعبيا واسعا وعارما، من قبل شعوب وأمم ليست شقيقة وليست صديقة، وعلى مدار سنتي الإبادة قاموا بما كلفتهم به ضمائرهم وأكثر، كانوا بالنسبة للشعب الذي يتعرض للإبادة والتدمير والتجويع، بارقة الأمل والرجاء والأخوة الحقة، دون أن يكون بين الطرفين أي رابطة اوعلاقة سوى العلاقة الإنسانية والانتماء للإنسان الذي يمشي على نفس الأرض ويتنفس نفس الهواء، ولقد خُذل الفلسطيني بالعلاقة القومية الواحدة والدين الواحد واللغة الواحدة وسقطت تحت قدميه العاريتين سقوطا مدويا.
لقد بدأ التضامن بالمظاهرات الاحتجاجية من شعوب أوروبا الغربية، اسبانيا، ايطاليا، النرويج، السويد...الخ، يكفي الشعب الفلسطيني، لكنه بالتأكيد لن يكفي من الشعب الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني، لأن أنظمة هذه الشعوب منذ فجرها كان لها الدور المؤثر في إقامة دولة الإبادة ودعمها وتسليحها لكي تنغص حياة الشعب الفلسطيني ومن ثم الاشتراك معها في حرب إبادته.
أما من شعوب الأمة الواحدة والدين الواحد، فإن "التضامن" بالمظاهرات، لا يكفي ولا ينفع ولا يشفع، إنه أقرب الى سلوك العاجزين الصارخين في الهواء، أقرب الى أدعية العجائز في تكايا التعبد، أقرب الى موعظة بابا فاتيكان عشية الفصح والميلاد في ساحة القديس بطرس، وليس أدل على ذلك من ان الشعب الفلسطيني ما زال يرزح تحت نير هذا الاحتلال منذ نكبته ونكسته والآن إبادته، ما زال مئات آلاف أطفال غزة حفاة عراة جياعا وعطاشا بدون مدارس وبدون مستشفيات وبدون سكن وبدون خيام تقيهم برد الشتاء القاتل، بل بدون طفولة على الإطلاق.
