قانون إقصاء أعضاء الكنيست.. خطر وباطل

3
حجم الخط

لا أنتمي إلى أولئك الذين يعتبرون كل مبادرة تشريعية لليمين "خطراً على الديموقراطية" ويحذرون من تدهور إلى ما يسمى "أنظمة ظلامية"، لكن الكنيست سيرتكب خطأ سياسياً وأخلاقياً خطيراً إذا أقر قانون الإقصاء. هذا القانون باطل من أساسه، وإذا أُقر فإنه سيقرن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي بادر إلى اقتراحه بمسار لا ينسجم مع مبادئ النظام الديموقراطي. وحتى من لا يوافق على خطوات نتنياهو السياسية لا يرغب في أن يرى رئيس حكومة إسرائيل مقروناً مع خطوة باطلة كهذه. وليس مصادفة أن شخصيات من صلب حركة جابوتنسكي- الرئيس رؤوفين ريفلين، وموشيه آرنس، وعضو الكنيست بني بيغن- أعربوا بطرق مختلفة عن تحفظهم العميق من تلك المبادرة. إن الذي يميز اقتراح القانون ويجعله باطلاً من أساسه هو افتراض أن أعضاء كنيست يحق لهم إقصاء أعضاء كنيست آخرين إذا كانت آراؤهم أو أعمالهم لا تعجبهم، فهذا يشكل مساساً جوهرياً ليس بأعضاء الكنيست المطلوب إقصاؤهم فحسب، بل بصورة أساسية بناخبيهم: لا يحق لأي عضو كنيست أن يقول لعشرات الآلاف من ناخبي عضو كنيست آخر، إن اختيارهم باطل ومرفوض. هذه خطوة غير مقبولة. لقد كان ريفلين محقاً حين قال إن هذا يشكل مساساً خطيراً بمبدأ السيادة، لأن الكنيست ليس هو السيد، بل السيد هو الشعب وجمهور الناخبين، ولا يحق للكنيست إبطال قرار الشعب، حتى لو لم يعجب جزءا منه، بل وحتى لو لم يعجب أغلبية أعضائه. في معرض دفاعه عن اقتراح القانون أشار نتنياهو إلى أنه حتى في بريطانيا والولايات المتحدة هناك إمكانية لإقصاء أعضاء في البرلمان أو في الكونغرس. لكن ما لم يقله نتنياهو إن هذا يتعلق بأشخاص خرقوا القانون بطريقة أو بأخرى. وهذا جوهر الموضوع، لأن هذا هو الوضع القائم في إسرائيل. هناك قانون أساس: الكنيست وقانون الحصانة التي يتمتع بها أعضاؤه ينصان صراحة على إمكانية إحالة عضو كنيست على المحاكمة وإسقاط الحصانة عنه في حالات يحددها القانون وتشمل من بين أمور أخرى، دعم الكفاح المسلح ضد دولة إسرائيل وتأييد أعمال "إرهابية:. وإذا أُدين هذا العضو بهذه التهم فإنه يقصى. الزيارة التي قام بها ثلاثة أعضاء من كتلة بلد [التجمع الوطني الديموقراطي] لعائلات "الإرهابيين" الفلسطينيين عمل مرفوض واستفزاز مقصود (وليس مصادفة أن أعضاء الأحزاب الأخرى في القائمة المشتركة الذين دُعوا أيضاً إلى المناسبة اختاروا عدم المشاركة). ويمكن بالتأكيد اعتبار هذا العمل تأييداً لـ "الإرهاب"، وهناك وسائل قانونية لمحاكمة هؤلاء من أعضاء الكنيست بعد رفع الحصانة عنهم. في مثل هذه الحال لا يختلف وضع عضو الكنيست عن وضع أي مواطن. لا حاجة البتة إلى تشريع جديد واقتراح القانون هذا لا يوجد إمكانيات أخرى غير تلك الموجودة اليوم. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تخيّل أن الحصول على أغلبية 90 عضو كنيست [للإقصاء] سيكون صعباً، ومجرد النقاش في الكنيست سيزيد من التوتر بين اليهود والعرب وسيساهم في نشوء جو من نزع الشرعية عن أعضاء الكنيست العرب - وهذا تحديداً ما يريده مؤيدو القانون من اليمين المتطرف. بالإضافة إلى ذلك: هل الذين طرحوا القانون - بمن فيهم نتنياهو - يعتقدون حقاً بأن عضو الكنيست الذي سيقصى عن اللائحة المشتركة سيحل محله عضو كنيست آخر من اللائحة عينها؟ لقد سبق لرئيس اللائحة عضو الكنيست، أيمن عودة، أن قال إنه في مثل هذه الحال، فإن جميع أعضاء اللائحة المشتركة سيغادرون الكنيست. من المحتمل أن يكون هذا هو ما يتطلع إليه قسم من اليمين المتطرف في الحكومة، كنيست من دون عرب، لكن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى مقاطعة الانتخابات من قبل أجزاء كبيرة من الجمهور العربي. ولا أتخيل أن هذا ما يريده رئيس الحكومة، فكيف سيشرح للعالم أنه في دولة يهودية ديموقراطية نشأ وضع فيه: كنيست نقيٌّ من العرب؟ مستقبلاً، ربما يوجد مجال تشديد البنود في القانون والتي تسمح بإبطال قوائم مرشحين للكنيست، وبذلك جعل إلغاء قرارات لجنة الانتخابات المركزية صعباً على محكمة العدل العليا. ما الفارق بين تشريع من هذا النوع واقتراح القانون الذي يطالب بإقصاء عضو كنيست منتخب؟ الفارق واضح: يحق للمشرّع وضع قيود على قوائم مرشحين، ويستطيع المواطن الذي أبطِلت القائمة التي كان ينوي التصويت لها، التصويت لقائمة أخرى. بينما قانون الإقصاء المقترح يبطل التصويت وقرار عشرات آلاف الناخبين، وهذا ما لا يحق لأي عضو كنيست أن يقوم به. هناك أيضاً طريقة أخرى لأعضاء الكنيست الذين يريدون التعبير عن استيائهم من أعمال أعضاء "بلد" [التجمع الوطني الديموقراطي]: بدلاً من الدخول في سجال علني معهم  وإعطائهم فرصة للتعبير عن مواقفهم، يمكن ببساطة الخروج من القاعة عندما يصعد أحدهم إلى منصة الخطابات. هذا ما فعلته أغلبية أعضاء الكنيست عندما انتخب مئير كهانا [زعيم حركة كاخ العنصرية المعادية للعرب] عضواً في الكنيست، وعبّر ذلك بصورة حادة وواضحة عن استياء أغلبية الجمهور اليهودي في البلد من مواقف كهانا العنصرية. إن العلاقات بين الأغلبية والأقلية في دولة قومية يهودية تعيش وضع توتر أمني، إن لم يكن حرباً، مع أجزاء من العالم العربي ومع الشعب الفلسطيني، هي من دون شك علاقات معقدة وصعبة للطرفين. ويتعين على الأغلبية اليهودية أن تتصرف بحكمة وحذر مع هذه الموضوعات ليس فقط بسبب ضرورة المحافظة على حقوق الأقلية، ولكن أيضاً كي لا نعمق التوتر والعداء بين يهود وعرب في دولة اليهود. إن قانون الإقصاء يقود تماماً إلى العكس. آمل أن يجد رئيس الحكومة طريقاً للنزول عن هذه الشجرة العالية والخطرة.