يجب ألا نسمح بنسيان اللاجئين الفلسطينيين في سورية في ضباب الحرب

chris-speaks-at-event
حجم الخط

 


أصبحت الذكرى الخامسة للحرب السورية تلوح في الأفق. ويتطلع الشعب المنهك - بأمل أكثر مما هو يتوقع - إلى أن يؤدي الاتفاق الأخير على وقف القتال إلى إنهاء العنف وأن يكون بشرى البداية لنهاية أحد أقسى الصراعات في عصرنا. إنها أفضل فرصة تتاح لسورية في السنوات الخمس الماضية للحصول على فترة من الهدوء والاستقرار، وربما حتى السلام.
إن هذه اللحظة، التي قد تكون مفصلية، تشغل عدداً كبيراً من عناوين الأخبار. ولكن في وسط هذا التيار الذي لا ينتهي من الأعمدة الصحافية، هناك قصة واحدة لم تحظ بالاهتمام الكافي وطالما تعرضت للنسيان، وهي قصة الفلسطينيين؛ وبشكل أكثر تحديداً، قصة حوالي 560,000 لاجئ فلسطيني كانوا وقت بداية الصراع مسجلين لدى الأونروا – وكالة الأمم المتحدة المكلفة مساعدتهم. وعلينا ألا نسمح لقصتهم أن يطمسها ضباب الحرب.
حمزة، الطالب في إحدى مدارسنا في وسط سورية، هو أحد أفراد هذا المجتمع المنسيّ. وهو في الأصل من اليرموك، مخيم اللاجئين الفلسطينيين في دمشق، المدمر والمحاصر، والذي يقع الآن في قبضة داعش إلى حد كبير. عانى حمزة من التهجير داخل سورية مرات عديدة، وهو يعيش حالياً مع والدته وشقيقته في حمص في وسط سورية. إنه رسام موهوب في مجال التصميم ولديه رؤية واضحة إلى أين يمكن لطموحاته أن تقوده، وهو يأمل في أن يصبح مهندساً معمارياً في يوم ما. إن مستقبله جدير بأن يلقى الرعاية والاحترام. ولا ينبغي أن يترك للنسيان – على نحو ما تعهد قادة العالم بضمانه في المؤتمر الخاص بسورية الذي عقد مؤخراً في لندن.
إن التهجير والتهميش والاستلاب والحرمان، كل هذه الأخطار تتهدد تجربة الفلسطينيين، وتتهدد الهوية الفلسطينية بحد ذاتها.
حمزة واحد من 450,000 فلسطيني ظلوا في سورية، فيما غادر الباقون البلد. ونصف الذين بقوا اضطروا إلى النزوح داخل سورية مرة واحدة أو أكثر. وقد أصبحت حياتهم اليومية كئيبة، وغدت بمثابة كفاح مستمر، حيث أن أكثر من 95% منهم يعتمدون على مساعدات الأونروا في تلبية احتياجاتهم الأساسية. إذ أدت البطالة وفقدان الأصول وضياع فرص كسب العيش إلى تغلغل الفقر بعمق. هذا الوضع، مقترناً بالتعرض للعنف والصدمات النفسية، أصبح يؤثر بشدة على السكان المدنيين الذين نخدمهم. فمنذ سنة 2011، انخفض معدل العمر المتوقع في سورية من 79 سنة إلى 56 سنة، وذلك وفقاً لبيانات المركز السوري لبحوث السياسات – وهذا مجرد مؤشر من بين العديد من المؤشرات الدالة على الأثر الإنساني المروع للصراع المسلح.
مع ذلك، وفي مواجهة هذه التحديات، وعلى الرغم من أن 16 شخصاً من زملاء العمل فقدوا حياتهم منذ بدء الصراع وأن 30 آخرين لا يزالون في عداد المفقودين، تظل الأونروا ملتزمة بقوة بخدمة اللاجئين الفلسطينيين في هذه الأوقات العصيبة. وبالفعل، إن محادثات السلام قد شحذت رؤيتنا بخصوص المهمة الملحة التي تنتظرنا. فالأولوية الملحة، من وجهة النظر الإنسانية، تتمثل في تعزيز الوصول إلى الناس الذين نحن مكلفون خدمتهم.

الوصول الإنساني
لقد نجحنا للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر في إقامة جسر بري يتيح الوصول إلى المدنيين المحاصرين والذين يصعب الوصول إليهم في المناطق المحيطة بدمشق، وذلك لإيصال الأغذية والبطانيات وغيرها من الإمدادات الضرورية إلى حوالي 6,000 أسرة.أمكننا الوصول إلى هؤلاء المدنيين المحتاجين لمدة تقارب الشهر، ونحن نعمل بنشاط لتوسيع نطاق هذا التدخل باتجاه ضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية بشكل مطول.
يأتي هذا العمل جزءاً من جهد أشمل للأمم المتحدة لإيصال المعونات الإنسانية اللازمة لإنقاذ الأرواح إلى ما يقارب 1.7 مليون شخص في المناطق التي يصعب الوصول إليها في الربع الأول من سنة 2016 من خلال قوافل مشتركة بين وكالات الأمم المتحدة. ولكننا كثيراً ما رأينا كيف أن التحسن في إمكانية الوصول يكون سريع الزوال وكيف يمكن أن ينقطع فجأة، تاركاً الناس محرومين من المساعدات من جديد.
من منظور الأونروا، يعد مستوى خدماتنا الحالي لافتاً للانتباه بالنظر إلى تأثير الصراع على منشآتنا. فقد تضررت 46 منشأة من بين 219 مرفقاً للأونروا أو أصبحت بحاجة إلى إصلاحات كبيرة الحجم، كما تعرضت للسرقة أو التدمير 22 مركبة من أسطول الأونروا الذي يتكون من 162 مركبة. مع ذلك، ينتظم في مدارسنا 43,000 طالب وطالبة، وقد قمنا بتعزيز برنامج مبتكر «للتعليم في أوضاع الطوارئ»، مثل تنظيم دروس تقوية تفاعلية عبر الإنترنت. وفي سنة 2015، أجريت عدة مئات الآلاف من الاستشارات الطبية في 15 مركزاً صحياً للوكالة، إلى جانب 11 نقطة صحية، وهي عيادات مؤقتة مقامة في المناطق المتضررة من الصراع.
نحن نؤيد النداءات العامة التي توجهها الأمم المتحدة إلى جميع الأطراف لضمان الوصول غير المشروط وغير المقيد والثابت إلى 4.6 مليون شخص، بمن فيهم أولئك الذين يوجدون في مناطق يصعب الوصول إليها أو مناطق محاصرة في مختلف أنحاء سورية، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة. ونحن نضم صوتنا إلى المطالب التي تدعو إلى رفع فوري لجميع الحصارات التي يفرضها أي طرف من أطراف الصراع. فلا يجب السماح بأن يقبع المدنيون بعيداً عن نطاق وصول الأمم المتحدة.
أعود من جديد إلى حمزة، الطالب الفلسطيني من اليرموك. إن معاناته ومعاناة مجتمعه تتكرر في أشكال مختلفة حول المنطقة ويختبرها الفلسطينيون في مختلف المجتمعات المحصورة، مثل غزة التي يفرض عليها حصار غير شرعي، ومخيمات اللاجئين المقيدة في لبنان، والمناطق المعزولة في الضفة الغربية المحاطة بالجدار الذي تقيمه إسرائيل أو المقيدة والمجزأة بطرق أخرى. إن التهجير والتهميش والاستلاب والحرمان، كل هذه الأخطار تتهدد تجربة الفلسطينيين، وتتهدد الهوية الفلسطينية بحد ذاتها.
وعلى غرار الفلسطينيين في سورية، لا ينبغي ترك الفلسطينيين في المنطقة ككل بعيداً عن الاهتمام، ولا يمكن غض البصر عن قصتهم. فلن يكون السلام ممكناً دون التوصل إلى حل لمحنتهم. ولكن السبيل الوحيد للتوصل إلى حل كهذا يمر عبر العمل السياسي الفعال. وفي الأثناء، سنظل شاهدين على محنتهم، وسنظل نبرز أوضاعهم ونناصر من أجل حمايتهم، ومن أجل حل عادل ودائم لصالحهم، يستند إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.
سيكون تحقيق مثل هذا الحل للفلسطينيين محطة بارزة على الدرب الطويل نحو السلام في الشرق الأوسط. وسيجلب لملايين الأشخاص المستلبين والمحرومين وعداً بالكرامة والاستقرار والازدهار والسلم لهم ولأجيالهم المستقبلية، بعد أن طال أمد حرمانهم من ذلك. أما الإخفاق في العمل بهذا الاتجاه فعلى الأرجح أن يهدد بجلب المزيد من الاضطراب والشقاء.

* المتحدث الرسمي باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا