بينهم عماد مغنية ونائبه

عندما رفض أيهود باراك تصفية القيادة العسكرية لـ"حزب الله"!

باراك أوباما
حجم الخط

بقلم: يوسي ملمان
في أيار 2000 وصلت معلومات وصور جوية للاستخبارات العسكرية تثبت أن قادة «حزب الله» جاؤوا من بيروت الى جنوب لبنان في جولة. كان هدف الجولة هو فحص استعداد الجيش الاسرائيلي للانسحاب من الشريط الأمني.


اعتقد «حزب الله» أن الجيش الاسرائيلي سينسحب في تموز من ذلك العام. وكان هدف الجولة بلورة خطة عمل من اجل تشويش الانسحاب والإضرار به. نجحت الاستخبارات العسكرية و»الموساد» في الحصول على معلومات مؤكدة حول نوايا المنظمة الشيعية. «لقد أرادوا أن يكون الانسحاب تحت اطلاق النار»، قال عاموس غلبوع، مؤلف كتاب جديد حول هذا الامر بعنوان «القصة الحقيقية لخروج الجيش الاسرائيلي من لبنان». الخطة التي وضعها قادة «حزب الله» شملت اطلاق الصواريخ نحو قوات الجيش الاسرائيلي وتفعيل العبوات الناسفة والسيارات المفخخة و»مخربين انتحاريين».


بدأ الجيش الاسرائيلي النقاش حول جولة قادة «حزب الله» في الجنوب. وفي 21 أيار كان نقاش لدى رئيس الاستخبارات العسكرية، الجنرال عاموس مالكا. وشارك فيه ايضا «موفاز الصغير» (شلومو، شقيق رئيس الاركان في حينه شاؤول موفاز)، الذي كان رئيس ملف «الارهاب» في الاستخبارات العسكرية. ويقتبس الكتاب اقوال مالكا: «قدم موفاز معلومات تقول إن زعماء (حزب الله) البارزين سيذهبون الى جنوب لبنان. الامر مؤكد. وتم القيام بالتحضيرات العملياتية والاستخبارية لدى جهات مختلفة عندنا. هذه فرصة لمرة واحدة من اجل القضاء عليهم أو على الاقل القضاء على الأبرز من بينهم. سنقدم ذلك لرئيس الاركان». وقد قصد مالكا شاؤول موفاز، شقيق شلومو. وكُتب في السياق أن «شلومو تردد كثيرا واقترح نقل المسؤولية والقرار من شقيقه رئيس الاركان الى رئيس الحكومة ووزير الدفاع»، ايهود باراك في حينه.


غادي آيزنكوت، الذي كان في حينه السكرتير العسكري لباراك، كان يعرف بالامر. وقد قال إن باراك كان يفترض أن يكون في اليوم التالي في الشمال في مراسيم افتتاح حديقة. وتقرر أن يصل الى قيادة الجيش في موشاف شومرا. هدف التشاور كان اتخاذ قرار استغلال أو عدم استغلال الفرصة من اجل القضاء على رموز «حزب الله».


الامر الذي لا يذكره غلبوع في كتابه ونشر في السابق من قبل كاتب هذه السطور، هو أن القادة الذين تم الحديث عنهم هم الخمسة الأوائل في الذراع العسكرية لـ»حزب الله»، بمن فيهم رئيس الذراع عماد مغنية الذي قيل إن اسرائيل فشلت في محاولات اغتياله أكثر من مرة. وفي النهاية نجحت بذلك في دمشق في 2008؛ نائبه طلال حمية؛ مصطفى بدر الدين (ابن عم مغنية) وهو اليوم القائد العسكري للتنظيم الشيعي في لبنان واثنان آخران.


في المساء أبلغ آيزنكوت باراك وتم الاتفاق على أنه في صباح اليوم التالي حينما يتم اللقاء في مهبط الطائرات في الكنيست في القدس، سيبلغه بالتفاصيل. في ذلك اللقاء «دخل غادي الى سيارة رئيس الحكومة ووزير الدفاع وأبلغه عن خطة اغتيال قادة «حزب الله» التي قدمها مالكا. استمع باراك وخياله متقد وهو يسمع اسم مغنية»، كتب غلبوع.


بعد هذا الحديث سافر آيزنكوت وباراك الى الشمال. وشارك باراك في مراسيم افتتاح الحديقة، وبعد ذلك توجه الى مقر القيادة في شومرا. وانتظره هناك عدد من الضباط رفيعي المستوى في الجيش الاسرائيلي ومنهم مالكا وشلومو موفاز وقائد اللواء موشيه كابلنسكي والعقيد بني غانتس الذي كان قائد وحدة الارتباط للبنان وغيرهم.


تحدث مالكا عن الاغتيال، لكن الجميع لاحظوا أن باراك لا يهتم. فقد كان قلقا من مشكلة تخطيط انسحاب الجيش الاسرائيلي. وبعد بضع دقائق أوقف باراك مالكا عن الحديث. «استمروا في الصراع الاستخباري حول موضوع الاغتيال»، قال لمالكا. وكان واضحا للجميع ما معنى كلامه. باراك لم يوافق على الامر. أو كما قال غلبوع «الاغتيال الذي تم النقاش من اجله ألقي في القمامة». لقد خاب أمل الضباط الذين شاركوا في اللقاء. فكل شيء كان جاهزا للعملية، المعلومات كانت دقيقة، الجاهزية عالية، الطائرات القتالية والطائرات بدون طيار كانت تحلق في السماء. ولو وافق باراك لكانت القيادة العسكرية لـ»حزب الله» قد صُفيت. وكان الحزب سيصاب بالصدمة ويحتاج الى وقت من اجل الخروج منها. لقد تم تفويت هذه الفرصة.

واضطرت اسرائيل الى الانتظار ثماني سنوات وحرب اخرى الى أن توفرت المعلومات الاستخبارية التي مكّنت من اغتيال مغنية، الذي كان في حينه «الارهابي» رقم واحد، ليس بالنسبة لاسرائيل فقط بل للولايات المتحدة ايضا.


حسب مصادر اجنبية، حادثة مغنية، التي كانت في شباط 2008 في دمشق، تم تنفيذها من قبل «الموساد» وبمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وكانت مساهمة الوكالة من خلال تهريب المتفجرات التي تم وضعها في سيارة مفخخة انفجرت قرب سيارة مغنية. وقد كان مغنية مسؤولا عن تخطيط وتنفيذ العملية في السفارة الاسرائيلية في بوينس آيريس قبل 24 سنة حيث قتل فيها 29 شخصا منهم اربعة دبلوماسيين اسرائيليين أحدهم هو مبعوث «الموساد».


بدل القتل في جنوب لبنان في صيف 2000، اضطر الجيش الاسرائيلي للقيام بما يسمى «تمرينا استخباريا». وهو تمرين بدون اطلاق نار حقيقي. ورفض باراك الموافقة على العملية خشية أن تؤثر نتائجها على خطته. في لقاء شومرا، ومنذ انتخابه لرئاسة الحكومة في 1999، كان باراك معنيا بتنفيذ وعوده للناخبين وهي اعادة الجيش بعد 18 سنة الى البيت واخراجه من وحل لبنان. في البداية أمل باراك أن يتم الانسحاب في اعقاب اتفاق أو تفاهمات بين اسرائيل وسورية بوساطة الرئيس الأميركي بيل كلينتون. ولكن في سنة 2000 فهم أن فرص التوصل الى اتفاق ضعيفة. وأمر رئيس الاركان موفاز البدء في الاستعداد للانسحاب بدون اتفاق.


القرار حول موعد الانسحاب احتفظ به باراك لنفسه. وقد تحدد في اعقاب الانهيار السريع لجيش لبنان الجنوبي، الذي تسلم من الجيش الاسرائيلي السيطرة على عدد من المواقع التي تم اخلاؤها. وحينما فهم باراك أن جيش لبنان الجنوبي لن يستطيع حماية هذه المواقع عقد اجتماعا عشية 22 أيار لقادة الجيش، حيث كان قبل ذلك بيوم قد رفض خطة اغتيال قادة «حزب الله».


اثناء الاجتماع قال باراك إنه طلب من رئيس الاركان موفاز ومن قائد المنطقة الشمالية غابي اشكنازي استكمال «التحضيرات لخروج الجيش الاسرائيلي واعادة الانتشار من هذه الليلة».


«موفاز أصيب بالصدمة»، كتب غلبوع. كانت هذه ذروة الدراما التي كان مخرجها وممثلها الرئيس هو باراك. وفي نهاية المطاف، بسبب اعتبارات لوجستية، نجح اشكنازي في تأجيل موعد الانسحاب 24 ساعة.


انسحب الجيش الاسرائيلي بدون أي خسائر في الارواح. وكقرار استراتيجي يمكن القول إن الانسحاب هو انجاز لرئيس الحكومة ووزير الدفاع، ايهود باراك. أما المواضيع الاخرى، الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فان التاريخ سيقرر فيها.


صحيح أن ثمن الانسحاب كان باهظا. فمن جهة كان هذا انجازاً على المستوى التكتيكي، حيث لم ينجح «حزب الله» في ضرب الذيل. لكن الانسحاب كشف خيانة اسرائيل لـ 2500 مقاتل من جيش لبنان الجنوبي ممن عملوا لسنوات طويلة في التنسيق والتعاون. وفجأة وجدوا أنفسهم يهربون هم وعائلاتهم الى اسرائيل.


في ظل هذه الاحداث بقي السؤال الذي لا اجابة له: هل اخطأ باراك عندما لم يأمر باغتيال مغنية وقادة «حزب الله»، حيث كان سينشئ واقعا مختلفا في العلاقة بين اسرائيل وبين المنظمة الشيعية في لبنان؟.

عن «معاريف»