الأوروبيون ومغازلة الابن الضال

1049872886
حجم الخط

 

  
منذ منتصف فبراير الماضي والمؤشرات تتوالى على توجه كل من (إسرائيل) والاتحاد الأوروبي، إلى تنفيس ما شاب علاقتهما من احتقان وتأزم، بسبب تباين المواقف ازاء الاستيطان الإسرائيلي في الأرض المحتلة عام 1967.
 
الشائع أن هذا الاحتقان بدأ في أعقاب القرار الأوروبي في نوفمبر 2015 بإلزام الإسرائيليين بوضع ملصقات على صادراتهم المصنعة في المستوطنات .. بحيث يكون المستهلك الأوروبي على دراية بمصدر السلع التي يتعامل معها، ومقاطعتها ان أراد.
 
الشائع أيضا، أن هذا القرار أغضب الإسرائيليين إلى أبعد الحدود، وأن رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو قد ضخ، ضمن ردود أفعاله، مجموعة من المقولات؛ التي لا تخلو من الانفعال العاطفي السطحي وتفتقر إلى الحدس السياسي العميق ..كالقول بأن ".. القرار يعبر عن التلون وازدواجية الأخلاق .
 
وهو معاد لإسرائيل واليهود، ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يخجل من وسم الطرف الذي يتعرض للإرهاب، ويبدو أن أوروبا التي ذبح فيها ستة ملايين يهودي لم تتعلم شيئا من التاريخ..".
 
تقديرنا أن هذه الأصداء الملتاثة، ومنها الوصف السخيف للقرار الأوروبي بأنه "..خطوة أحادية الجانب .."، هي التي أدت في سياقها إلى اتخاذ نتنيهو لقرار لم يكن بدوره عقلانيا .. يقضي بتعليق المشاركة الأوروبية في عملية التسوية الفلسطينية، واجراء تقييم لهذه المشاركة.
 
فلو كان الرجل قد تروى قبل اصداره لهذا الفرمان، لتذكر أنه لم يسبق لدولته أن أفسحت مجالا للأوروبيين أو سواهم للاضطلاع بدور حقيقي في هذه العملية، وأنه لا حاجة لبذل جهد في التقييم الذي يريده.
 
الظاهر في كل حال أن مرور ثلاثة أشهر على المكابرة الإسرائيلية، كانت كافية كي يأخذ نتنياهو نفساً عميقاً، ويعيد النظر في مناطحة الكتلة التي وقفت تاريخيا وراء قيام دولته أصلا، وتستحوذ راهنا على زهاء 60% من تعاملاتها الاقتصادية الخارجية.
 
ومن هنا كانت مكالمته الهادئة في 12 فبراير الماضي مع فيدريكا موغريني، مسؤولة الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي ؛ التي دارت حول "..انهاء أزمة وسم بضائع المستوطنات واستئناف الحوار حول الملف الفلسطيني..".
 
في اطار المحادثات العتيدة بين هذين الحليفين التاريخيين، لا نستبعد أن يحاول الطرف الأوروبي تهدئة خواطر الإسرائيليين وطمأنتهم إلى حسن نواياه، وتذكيرهم بأن مسألة فرض عقوبات صارمة عليهم ليست مطروحة على جدول أعماله بشكل جدي. هذا، وإلا ما معنى أن تمر قرابة ثلاثة أعوام بكاملها بين القرار الأوروبي عام 2013 بحظر تمويل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، وبين القرار التالي بشأن وسم بضائع هذه المستوطنات ؟.
 
نود القول بأن الأوروبيين يحاولون التوفيق بين قراراتهم وقناعاتهم، بعدم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على كل الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وبين عواطفهم وسياساتهم الحانية على إسرائيل ؛ التي يرونها ابنا متمردا. وهم يعتقدون أن بوسعهم انجاز هذه المعادلة الصعبة، عبر اتخاذ خطوات عقابية محدودة على مدار زمني ممتد.
 
يمكن استكناه هذا القصد عند قياس هذه الاجراءات الأوروبية الرقيقة الخجولة، بالعقوبات الصارمة التي اتخذت ضد النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا ؛ وانتهت باستئصاله قبل عقدين.
 
يعلم الإسرائيليون أنه لا طاقة لهم بمقارعة الاتحاد الأوروبي، اذا ما حزم الأخير أمره وقرر معاقبتهم عاجلاً.. وهم يدركون أن الالتفاف على قرار وسم السلع، بتزوير ملصقات المصدر مثلا، مسألة في غاية البساطة. لكن غضبتهم تجاه هذا القرار تعود إلى عشمهم الشديد في كرم الظهير الغربي، ورغبتهم في أن لا يضع الأوروبيون أي عصي في دواليب سياساتهم التوسعية.
 
ولأن جديدا لم يطرأ على سياسة إسرائيل الاستيطانية، فإن السؤال هنا هو ما الذي حمل الأوروبيين على ترطيب الأجواء مع هذا الولد العاق؟..
 
تري هل يتعلق الأمر باستدراج تل أبيب إلى التجاوب مع المبادرة الفرنسية، الجاري اعدادها وتسويقها، بدعم أميركي من وراء حجاب ؟!.