ذات صباحٍ كُنتُ أسيرُ في شارعٍ باتجاهٍ واحدٍ لا أذكرُ اسمه، لأنّه طويل وغريب، ورحتُ اتّجه صوب منطقةِ عين منجد في رام الله، وبينما كُنتُ أخطو بخطواتِي الثّقيلة صادفتني امرأة عجوز تتكئ على عُكّازتها، وسألتني كيفَ حالُ البلد يا بُني؟ فابتسمتُ ابتسامةً بلهاء وقلتُ لها: الحالُ يا سيدتي يسوءُ، فردّتْ المرأةُ العجوز وكانت حينها تحاولُ الجلوس على الرّصيفِ المُشجّر، وتنهدتْ وقالتْ لي: يا بُني هو الحال منْ زمان سيئ، والآن جئتَ تقولُ لي بأنّها تسوء.. حاولتُ التّجاوز عنها، إلا أنّها قالتْ: لا تنتظرُ يا بُني بأنْ ترى الأحوالَ هنا جيّدة، فالاحتلالُ ما زالَ ينغّص علينا عيشتنا.. فهلْ يُعقل أنْ أُردَّ عنْ المعبر، لأنّني لا أملكُ تصريحاً لدُخول القدس، فاقتربتُ منها وقلتُ لها: ما العمل؟ فلا أحدٌ في الدُّنيا واقف معنا، فابتسمتْ المرأة العجوز، ولكنْ بنصفِ وجهها، وقالتْ أولاً علينا أنْ نقفَ مع بعضنا، فهززتُ رأسي وتركتُها، وسرتُ في طريقِي، وقبل أنْ أصلَ إلى وجهتي شاهدتُ رجلاً عجوزاً يجلسُ على بوابة حاكورته ويدّخن سيجارته وحينما اقتربت منه شاهدت حزنا في عينيه، فاستوقفني وقالَ ما حالُ البلد؟ هلْ توقّف إضراب المعلمين؟ فرددتُ عليه بأن الحالَ سيء، وقلتُ له: بلى توقّف الإضراب، والطّلابُ ذهبوا إلى مدارسِهم، فابتسمَ بنصفِ وجهِه وهزَّ رأسَه وقالَ: الله يجيب الخير، وسألني بعدما بدأتُ أخطو خطواتي، ما هي آخر أخبار المُصالحة؟ فرددتُ عليه كالعادة أيّها الرّجُل الطّيّب، فهزَّ رأسَه وكانَ على مُحيّاه علاماتِ الحسرة، وقالَ على أي شيءٍ همْ مختلفون، فكُلُّ شيءٍ ضاع، وابتسمَ مرة أُخرى بنصفِ ابتسامة، وأنا كذلك ابتسمتُ مثله وتركته ورحتُ في اتجاهي..