يوم الثقافة الوطنية وفوز الحروب والحاجة إلى الإبداع!

أبو قرع 2
حجم الخط

يصادف الثالث عشر من آذار "يوم الثقافة الوطنية"، حيث يتم الاحتفال به في ذكرى ميلاد الشاعر الكبير محمود درويش، الذي حقق الإبداع والريادة في مجال الشعر والأدب، وفي هذا اليوم فإننا أحوج إلى ترسيخ مبدأ ثقافة الإبداع والابتكار والريادة والتجديد والاختراع، ليس فقط في الشعر والأدب والكتابة، وإنما في مجالات تؤثر على جوهر حياتنا ومستقبلنا، سواء أكان ذلك في مجال العلم والتعليم والأبحاث، أو في الاقتصاد والتكنولوجيا والطب والزراعة والطاقة والبيئة وما إلى ذلك. 

وقد شكل فوز المعلمة الفلسطينية حنان الحروب، أفضل معلم في العالم ضمن مسابقة دولية واسعة،  إنجازا فلسطينيا رائدا، من المفترض أن لا يكون حالة فردية، يتم تناسيها أو المرور عليها سريعا، وبالطبع هذه ليست الحالة الفلسطينية الأولى، سواء من الداخل أو من الخارج، التي تفوز أو تحتل مكانا مرموقا، من ناحية الإبداع والريادة والابتكار، وهذه الحالات الفردية هنا أو هناك، تحتاج إلى حاضنة، وإلى رعاية، وإلى توفر مصادر، وإلى متابعة، أي تحتاج إلى خطة استراتيجية شاملة متكاملة ومستدامة، وعلى المستوى الوطني، من أجل دعم ثقافة الإبداع والريادة، التي أصبحت من أهم مقومات نمو العديد من المجتمعات والدول، وبالأخص أن الإبداع، أي الإبداع البشري الفلسطيني، الذي يعتبر من أهم مقومات التنمية والتقدم، يتم في ظل غياب المصادر الطبيعية والمادية، التي في العادة تزخر بها دول عديدة، وبالتالي يبقى الإنسان الفلسطيني هو الذخر البشري الإنساني للتقدم في بلادنا.

ولكي لا يبادر المبدعون إلى المغادرة والهجرة، في أقرب فرصة تتاح لهم، فالمطلوب ترجمة الاهتمام بالإبداع والرياديين والمبتكرين إلى خطوات عملية، أي إلى توفير الحد الأدنى من المقومات التي تتيح للمبدعين البقاء والعمل وتحقيق المزيد من الإبداع، وهذا ما تقوم به دول عديدة، وإلا خسرت هذه الدول مبدعيها ومبتكريها، إلى دول أخرى تتسابق وتقدم الكثير من أجل جذبهم والاحتفاظ بهم، وبالتالي تحقيق التقدم والتنمية والمنافسة من خلالهم. ومن المعروف أن من أهم العوامل التي تحدد درجة التنافسية، هي جودة البنية التحتية ومقدرتها على جذب وتشجيع ودعم الإبداع والابتكار والريادة، وبات مستوى التقدم في الريادة هو المعيار لتحديد مستوى التقدم عند الدول، أي من خلال تصنيفها "غنية أو فقيرة بالابتكار والريادة"، وأصبح التنافس على مستوى الدول أو الشركات وبالتالي النجاح والتقدم وحتى البقاء يقاس بمدى القدرة على تقديم الجديد، بالجودة والفائدة والأهم الجديد الذي يلبي حاجات الناس ويخدم مصالحهم، وأكبر مثال على ذلك هو التنافس الحاد والمتواصل في الإبداع والابتكار بين شركات الهواتف الذكية، أو في مجال تطوير وإنتاج أدوية جديدة. 

  وفي أوضاع مثل أوضاعنا، باتت ثقافة الإبداع والريادة والابتكار، وفي ظل التنافس الحاد، هي المفتاح الأساسي من أجل نمو الاقتصاد، ومن أجل تقدم المجتمع، وصحيح أنه لا يوجد عندنا بنية تحتية تمتاز بالجودة لجذب الإبداع، ولكن وبالإضافة إلى البنية التحتية، من المفترض توفر الكفاءات والعقول البشرية وهذا عندنا، ومن المفترض توفر الخطط والاستراتيجيات وتوفر القوانين والتشريعات، وهذا من المفترض أن يكون عندنا، ونحن وفي ظل ضحالة المصادر الطبيعية، نحن الأحوج إلى الاعتماد على الريادة والإبداع والاختراع والتجديد لكي نبقى وننافس، وهذا يأتي من خلال الاستثمار في التعليم والتعلم والأبحاث والابتكار.

والتركيز على ثقافة الإبداع والريادة، يعني الاستثمار في التعليم من الأساس، أي في البنية التحتية للتعليم، بدءا من الأسلوب والمنهاج وتحفيز التفكير والابتعاد عن التلقين، والاعتماد أكثر على البحث العلمي، وهذا يعني توفر الطاقم للتعليم والظروف التي تؤهل هذا الطاقم للعطاء، من المباني والحوافز والرواتب، وهذا يعني توفر السياسات التي تصب في هذا الاتجاه، وهذا يعني تكامل النمو في الاقتصاد مع فلسفة التعليم، وهو يعني بالأساس وجود الاهتمام بالتعليم والتعلم والإبداع كأولوية على المستوى الرسمي أو من خلال الحكومة، ويعني كذلك أن يتم تخصيص جزء رئيس وإن لم يكن الجزء الأكبر في الميزانية للتعليم!  

وفي يوم الثقافة الوطنية، يجب التذكر أن الإبداع أو الابتكار في دول عديدة، شكل وما زال يشكل المحفز الأساسي للنمو، والجاذب الأهم للاستثمارات الأجنبية، وللشركات الكبيرة الباحثة عن الجديد وعن التطوير وبالتالي المنافسة، في عالم شديد المنافسة، ولذا فإن تبوؤ معلمة فلسطينية المركز الأول على مستوى العالم، من المفترض أن لا يكون خطوة منفردة فقط، ولكن ليكن خطوة في ظل خطوات مدروسة، تؤسس وبقوة لثقافة ولممارسة الإبداع في بلادنا، أو بمعنى آخر الاستثمار في العنصر البشري المبدع، من أجل سد حاجات المجتمع، ومن أجل المساهمة في النمو، ومن أجل جذب الاستثمارات، وكل ذلك من المفترض أن يتم بتشجيع وبتوفير المقومات الأساسية من القطاع العام أي من الحكومة، وبشراكة مع القطاع الخاص، وبدعم منسق من الكثير من المؤسسات المحلية والدولية التي تهدف إلى دعم ثقافة الإبداع والريادة.