في ظل التجاذبات والمناكفات السياسية والإعلامية التي تشهدها الساحة الفلسطينية وعلى وجه الخصوص بين طرفي الانقسام حركتي فتح وحماس ، أصبح موضوع المصالحة من اخر اهتمامات المواطن الفلسطيني بسبب الفشل الذي واكب جميع لقاءات المصالحة السابقة ، فهل يكون الدور القطري مختلف عن سابقاتها من الادوار العربية والفلسطينية السابقة .
من أولويات الشعوب والأمم المحافظة على وحدة أبنائها ومكوناتها لتلافي ما قد ينجم عن التفسخ والانقسام من أضرار، ولتكتسب بوحدتها قوة تمكنها من مواجهة التحديات عظمت أو صغرت , وتؤكد التجارب التاريخية أن الشعوب المفتتة تدفع الثمن غاليا ، ويطغى على أبنائها الحقد والكراهية والبغضاء ، أما الشعوب الموحدة فتشق طريقها نحو الإنجازات والإنتاج والتقدم والرخاء , الشعوب المنقسمة تعيش حالة جزر تتدهور بالمزيد ، أما الشعوب الموحدة فتحيا حالة مدّ ترتقي بالمزيد.
هكذا هو شأن الفلسطينيين قوتهم في وحدتهم ، وضعفهم بانقسامهم ، ومن المنطق والعقلانية ألا يهدأ لهم بال وهم غير موحدين ، وإذا كان لهم أن يواجهوا التحديات المتراكمة فلا مفر أمامهم إلا أن يعودوا إلى سابق عهدهم,أن تحقيق أي مصالحة حقيقية فلسطينية يجب أن يرتكز على عوامل أصيلة لا يجوز التفريط بها مهما اختلفت الظروف والمبادرات المطروحة , وهي الاتفاق على قواعد عامة والبحث عن أرضية مشتركة يمكن من خلاها الانطلاق نحو مباحثات مفصلة في كافة القضايا العالقة.
وأن العودة للشعب الفلسطيني يجب أن يكون خيارا متاحا على اعتبار أن الشعب هو المرجعية الأساسية والتي من خلالها يتم الاحتكام واعطاء الثقة لمن يستحقها , وأن تجاوز الشعب لن يكون في صالح احقاق مصالحة فلسطينية مستقرة,لا يمكن استبعاد قرار انتخابات حرة ونزيهة بمواثيق وطنية تضمن التسليم بنتائج الانتخابات واعطاء الفرصة أمام الجموع الفلسطينية لاختيار قياداتها لإدارة المشهد الفلسطيني الحالي بكل تعقيداته , وأن الاستقواء بالجهات الخارجية بهدف تحقيق مكاسب على الساحة الوطنية يعتبر خطأ فادحا ، وسببا في عدم انجاز مصالحة وطنية ثابتة وراسخة , حيث يعزز هذا التوجه من فرص الفشل.
وأن البعد عن المصالح الفئوية الضيقة وتغليب مصلحة المجتمع الفلسطيني حجر أساس لتحقيق المصالحة في هذا الوقت , حيث أن هذا سيكون ضامنا لتحقيق الأهداف المرجوة منها بعد كل هذا الوقت. وإلى التأكيد على أهمية وضع الاليات وسبل التنفيذ المرتبطة بعامل الزمن وإلا فستبقى المصالحة تراوح مكانها.
كانت الجهود عبر السنوات السابقة من اجل المصالحة ، ولم تتم الإجابة عن السؤال ؟ ماذا سيحصل لو تصالح الفصيلان ثم اختلفا ؟ هل ستعود الساحة الفلسطينية تدفع الثمن من جديد ؟ ومن سيتحمل المسؤولية ؟ هنا مشكلة المصالحة وهي ربط وحدة الشعب الفلسطيني بالفصيلين اللذين يمكن أن يختلفا في أية لحظة , كان الأجدى أن يتم التركيز على الوحدة الوطنية لأنها تجمع كل أبناء الشعب الفلسطيني وليس فقط فتح وحماس. تحتاج الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى ميثاق وطني أو دستور فلسطيني يُجمع عليه الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم من فصائل وأحزاب ونقابات واتحادات وشخصيات اعتبارية.
الحاجة إلى الدعوة لعقد لقاء وطني فلسطيني شامل يبحث في كامل ملفات المصالحة وعلى ضرورة التوافق على برنامج سياسي فلسطيني مشترك يكون أساسه برنامج منظمة التحرير على ارضية التوافق الفلسطيني وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن الوطن والمواطن , وآلية تضبط قرار الحرب والسلم مع العدو الصهيوني , ويجب العمل على صياغة ميثاق جديد ، وإعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية وفق الميثاق الجديد بحيث يشارك فيها الجميع ، ومن ثم إنشاء محكمة دستورية لمحاكمة الفصائل والأشخاص والأحزاب التي يمكن أن تنتهك الميثاق , الشعب الفلسطيني في مأزق كبير، بل يواجه مآزق عديدة ، ومن المفروض أن تكون هذه المآزق هي الدافع الحقيقي لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.