لم يكن التدخل الروسي في سوريا مفاجئاً، كما جاء الانسحاب منها مفاجئاً، فقد أثار القرار الروسي بالانسحاب آمالاً كبيرة في دفع الحل السياسي في سوريا للأمام، خاصة بالتزامن مع جنيف الثالث والحديث حول وقف اطلاق النار وتفاهمات حول انتخابات قادمة.
ستة اشهر تقريباً مكثت القوات الروسية في سوريا منذ سبتمبر الماضي، بعد أن طلب الرئيس السوري بشار الأسد دعماً من موسكو، و أعلمت روسيا السلطات الإسرائيلية مسبقًا بنيتها القيام بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية.
وعُقدت اجتماعات بين رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية "ياري غولان" ونظيره الروسي "نيكولاي باغدانوفسكي" لإيجاد آلية تنسيق أمني في المنطقة بين الجيش الروسي والإسرائيلي.
الانسحاب الروسي فاجئ جميع الأطراف
في إطار الانسحاب الروسي ، رأى استاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر "عاهد فروانة "، أن الانسحاب الروسي قد جاء مفاجئاً لكافة الاطراف، معتقداً أنه جاء بعدما حققت روسيا أهدافها في هذه المرحلة، ورغبة في اتاحة الفرصة للحل السياسي.
فيما رأى د. علاء أبو طه الباحث في العلاقات الدولية أن الانسحاب الروسي جاء نتيجة لاستنفاد العملية الروسية، و لم يعد هناك مبرر لاستمرارها، مشيراً إلى أنه وبحسب التقارير الروسية فإن تدخلها غيّر من المعادلة، واستطاعت أن تضعف قدرة تنظيم الدولة.
وأضاف " أبو طه" ، أن بعض الوكالات الغربية شككت بهذا القرار واعتبرته لم يكن مكتملاً بعد، وأنه مجرد مناورة روسية جديدة ولكن في الحقيقة لا يمكن أبداً قراءة مشهد الانسحاب الروسي إلا من خلال الحديث عن المرحلة القادمة في سوريا."
لماذا تدخلت روسيا من الأساس ؟
وعن الأهداف التي سعت روسيا لتحقيقها من خلال التدخل ، رأى "فروانة" أن أهمها يكمن في تثبيت أركان النظام السوري، موضحاً، أن الأسد قبل التدخل الروسي ،كان يعاني بشدة لكن الطائرات الروسية مكّنته من استعادة السيطرة على عدة مناطق.
واعتقد "أبو طه" أن حضور روسيا أعطى رسائل كثيرة مفادها أنها مستعدة أن تتدخل في أي وقت، ولكنهم أيقنوا أنهم في مستنقع جديد لا تريد أن تستنزف قوتها فيه، ورأى أن انسحابها هو محاولة لتجنب خسائر أكثر في المستقبل في ظل المعارضة السورية للموقف الروسي، والتي أربكت حسابات روسيا، لأنها كانت تتحدث أنها تؤيد موضوع المعارضة السياسية السلمية ولا تتدخل في الشأن السوري، وهذا أثر كثيراً على مصداقية الموقف الروسي.
وأضاف "فروانة" : ولا نغفل من الترتيبات بين روسيا والسعودية وخاصة بعد اللقاء مع عدة دول نفطية للتفاهم حول اسعار النفط المتهاوية والتي اثرت على الاقتصاد الروسي، إضافة إلى العقوبات التي فُرضت على روسيا، ،بالتالي سعت إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية
وأشار "فروانة" إلى أنها ترغب في تعزيز تواجدها في المنطقة وضمان قواعدها في سوريا، وفرض التسوية على الأطراف الاخرى وهذا ما تحقق من خلال التفاهمات الروسية الأمريكية والتفاهمات مع دول الخليج خصوصاً السعودية.
واعتقد" أبو طه" أنها استطاعت أن تحقق هدفها من خلال حماية نظام الأسد من الانهيار وهي الآن على مشارف المرحلة الانتقالية، لهذا فقط اصبحت غير مستعدة لاستمرار الحرب في ظل العملية الانتقالية.
لماذا انسحبت ؟
أما عن أهداف روسيا من الانسحاب، فيرى" فروانة"، أن الانسحاب جاء وفق تفاهمات كبيرة في المنطقة، ولكن ربما تكون لا تريد أن تتورط في هذا المجال، خاصة وأن لها تجربة مريرة في افغانستان، حيث عارضتها كتير من القوى وجعلتها تخرج مهزومة ، الى جانب يمكن أن يكون هناك بادرة روسية من أجل فتح مسار جديد في هذه الأزمة المتفاقمة التي أدت لتشريد الملايين.
ويرى " أبو طه " أن الانسحاب الروسي، لا يعني انسحاب روسيا من المعادلة في المنطقة، بل إن نتائج الانسحاب ستظهر على المدى القادم، موضحاً أنه اذا ما استطاع "تنظيم الدولة" استعادة قواه من جديد فهذا يعني أن تدخلها لم يأتِ بفائدة، كما سيتم تحديده من خلال مراقبة قدرات الدولة هل ستستطيع العودة لتكن جزءً من المعركة في سوريا ؟ .
وأشار" فروانة" إلى أن روسيا كانت تستخدم سلاح الجو بعيداً عن القوات البرية ولم تكن تريد ان تغوص في هذا الوحل، على حد وصفه، وانشأت قواعد عسكرية في سوريا حتى اليوم، وبهذا فإنه من الممكن استعادة الطائرات خلال ساعات لأن الأمور اللوجستية مهيئة لاستيعاب القوات الروسية مرة اخرى من خلال رحلات جوية سريعة.
وأضاف : لا يمكن اغفال اسقاط المعارضة السورية طائرة روسية، ولربما خشيت روسيا ان تدخل مرحلة استنزاف في هذا الجانب لأن الصواريخ الجديدة التي تستطيع اسقاط طائرات يشكل خطراً عليها وهي تريد الخروج بمكاسب وليس خسائر.
هل تخلت روسيا عن الأسد ؟
فيما رأى محللون عرب كثيرون، أن هذا الانسحاب ربما يكون تعبيراً عن تخلي روسيا عن الأسد، في هذا الاطار استبعد فروانة هذا الاحتمال، موضحاً أن التدخل الروسي هو الذي قدم الحماية للأسد، ومنع سقوطه، إضافة إلى أن روسيا وفرت له مجال للتحرك بشكل كبير من خلال استعادة السيطرة له في الشمال والجنوب والتقدم في حمص واستعادة تدمر من "داعش".
وعن التخلي عن الأسد، اعتقد " أبو طه، أن ذلك وارد خاصة وأن مرحلة استقواء الأسد في روسا لم تعد قائمة الآن ،وهناك قلق على مستقبل الاسد وهل يمكن أن يصمد أو لا، مشيراً إلى أن الانسحاب الروسي لا يعني أنها لم تعد حليفة للأسد.
ويرى "أبو طه" أن الأسد سبباً في تعسر مسار جنيف لأن النظام يريد أن يدس الأسد في المرحلة الانتقالية، وفي المقابل فإن شروط المعارضة استثناءه من المرحلة القادمة، وبهذا فهم أمام هذه المعضلة ولهذا لن تتقدم اتفاقيات جنيف كثيرة وتتحول لوقف اطلاق نار حقيقي.
وأضاف " فراونة"، روسيا لم تتركه وحيداً بل جعلته متمكنا،ً لأنها لا تريد أن تعود للخطأ حينما تخلت عن صدام حسين ومعمر القذافي، مما جعلها هذا الخطأ بدون حلفاء في المنطقة ولم يبق لها سوى الأسد في سوريا، الأمر الذي يجعلها لن تتخلى عنه وتؤمن له فرص البقاء وحتى أنها جعلته في موقف تفاوضي أقوى من المرات السابقة .
روسيا احد اسباب العنف في سوري
وحول هل يمكن اعتبار روسيا أحد أهم سباب تفاقم العنف في سوريا، اعتقد " فروانة" أن كافة الأطراف مشاركة في تأزيم ومضاعفة العنف، مشدداً على ليس هناك أحداً بريئاً، بدءاً من النظام والمعارضة، وحتى الادارة الأمريكية التي أججت الفوضى في المنطقة ، ودول الخليج التي دعمت الجماعات المعارضة بالسلاح وأطالت الأزمة، وروسيا التي دعمت النظام، وفي المقابل اسرائيل التي أعجبها هذا الوضع العربي الصعب، حتى أنها تقول أن سوريا لن تعود كما كانت بل ستُقسم.
ويرى " أبو طه "أن روسيا كان لها دور كبير في تأزم الملف السوري من خلال الحرب والقصف الجوي، وان الحرب لا يمكن أن تحل أزمة بهذا الشكل ، مضيفاً أنها بالرغم من أنها قوت شوكة النظام إلا أنها أدت لدمار كثيف في سوريا مليون معاق ونصف مليون لاجئ حرب جعلت من سوريا أسوء مكان في العالم.
