قراءة في المشهد السياسي الإسرائيلي: الرابحون والخاسرون

147852369
حجم الخط

بقلم: أريك بندر

الرابح: بنيامين نتنياهو

يقولون إنه ساحر، وإنه السياسي الاكثر حنكة في السياسة الاسرائيلية. وقد قال عن نفسه «كل ما أريده أحققه». بعد مرور سنة على الانتخابات التي هزم فيها خصومه اضطر الى تشكيل ائتلاف يميني حريدي ضيق وغير ممكن تقريبا، يعتمد على 61 عضو من اعضاء الكنيست فقط. يستطيع نتنياهو النظر الى الوراء برضى والقول لنفسه: حتى هنا كل شيء جيد. لقد صمد في السنة الاولى بسلام، واذا لم تحدث امور غير متوقعة فانه سيستمر في رئاسة الحكومة حتى نهاية ولايتها. 
اذا كانت كلمة السر هي «البقاء» فيستطيع نتنياهو، الذي يسيطر ايضا على وزارة الاتصالات ووزارة التعاون الاقليمي ووزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد، أن يكون راضياً. بعد عام على الانتخابات لا يوجد أي تهديد حقيقي لحكمه، والاحاديث عن اقامة حزب يمين – وسط جديد ينهي سلطته الطويلة ما زالت حتى الآن مجرد احاديث. 
على الصعيد السياس، نتنياهو الذي وضع ثقله في الحرب ضد السلاح النووي الايراني، لم ينجح في منع الاتفاق بين ايران والقوى العظمى التي قامت برفع العقوبات عن ايران، بل أبقى براك اوباما في البيت الابيض في نهاية ولايته كرئيس مصاب، إن لم نقل معادٍ، بعد أن ألقى نتنياهو خطابا في الكونغرس خلافا لرغبته. 
في الساحة الامنية يتفاخر نتنياهو بأن اسرائيل هي جزيرة من الهدوء مقارنة بالشرق الاوسط المتفجر، حيث ينشئ «داعش» امبراطورية الشر في العراق وعلى انقاض سورية. والاسلام المتطرف يفرض الارهاب والعنف، لكن نتنياهو اضطر مع ذلك الى مواجهة انتفاضة الافراد وموجة العنف التي قتلت عشرات الاسرائيليين، بدون نجاح حقيقي. 
المفارقة هي أن الوضع الامني وتراجع الشعور بالامن عند الاسرائيليين لا يضران بمكانة نتنياهو، بل يمكن أن يكون الأمر عكس ذلك. مع ضجيج القذائف وسكاكين «المخربين»، اغلبية الجمهور تتجه يمينا، وهكذا يستطيع نتنياهو أن ينظر الى خصومه، لبيد وهرتسوغ، ويرى كيف يتجهان الى الوسط، بل الى اليمين ايضا. والاستطلاعات حتى الآن لا تشير الى وجود أي خطوة تهدد سلطته. لذلك يستطيع نتنياهو ايضا، رغم الفجوات الاقتصادية الكبيرة في الدولة، أن يقدم قسيمة أجره بتفاخر، وأن يشتكي من الدين المسجل عليه بسبب سيارته.
الخطر الوحيد الذي يهدد سلامة الائتلاف في نهاية السنة الاولى لوجوده ليس العمليات والوضع الامني أو تجميد البناء في «المناطق»، بل موضوع الدين والدولة. فهناك يحاول نتنياهو السير على حبل دقيق ويناور بين الحاجة الى الحفاظ على علاقة قوية مع يهود الولايات المتحدة وبين الحاجة الى ارضاء الحريديين بسبب أمور مثل «المبكى الاصلاحي» وقانون المغاطس. 
في المجال السياسي سحب نتنياهو البساط من تحت اقدام خصومه في «الليكود»، هذا اذا كان له خصوم، حيث قام بتقديم موعد الانتخابات التمهيدية وانتصر كمنافس وحيد. خصمه المحتمل، جدعون ساعر، الذي أخذ استراحة من الحياة السياسية، يستمر في تربية ابنه دافيد وهو يكتفي في هذه المرحلة بالنشر في تويتر ولدغ نتنياهو بين الفينة والاخرى. وخصوم محتملون مثل غابي اشكنازي وبني غانتس يعيشون حالة جمود عميقة. 
          يستطيع نتنياهو بهذا الشكل الحديث عن ولاية اخرى، اذا صادقت الكنيست في نهاية 2016 على الميزانية للسنتين القادمتين بعد تراجع وزير المالية، موشيه كحلون، الذي أعلن في هذا الاسبوع أنه سيوقع على الميزانية لسنتين، رغم معارضته. وهكذا يستطيع نتنياهو كما يبدو السكن في المنزل الرسمي في شارع بلفور حتى منتصف 2019 واستكمال عشر سنوات متواصلة في الحكم واحتمال تحطيم الرقم القياسي لبن غوريون في سدة الحكم.

الخاسر: المعارضة
اذا كانت القائمة التي شكلتها «بلد» و»حداش» و»راعم» و»تاعل» تسمى «القائمة المشتركة» فانه يمكن تسمية المعارضة باسم «القائمة المنقسمة». وبالتحديد حينما يتحول الوضع الامني في اسرائيل الى أمر غير قابل للاحتمال، وكثير من مواطني الدولة يسألون أنفسهم «الى متى» على ضوء موجة العمليات المتواصلة، فان المعارضة لا تنجح في اظهار الوحدة والتفوق في الاستطلاعات وتهديد حكم نتنياهو أو تشكيل بديل له. 
على صعيد البرلمان، يستطيع نتنياهو البقاء هادئا طالما أن المعارضة منقسمة ومتنازعة داخلها. ورغم أن الائتلاف يستند الى عرف الدجاجة، 61 مقابل 59، فان المرات التي نجحت فيها المعارضة في احراج الحكومة خلال التصويت في الكنيست يمكن عدها على اصابع اليد.
سبب ذلك هو الكثير من «الأنا» والخلافات الشخصية وبنك الاهداف المختلفة. فالمعارضة تتصرف وكأن حملة الانتخابات لم تنته. رئيس «يوجد مستقبل»، يائير لبيد، وضع لنفسه هدفا هو الصراع على رئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة، وهو يفعل كل شيء وبنجاح من اجل الوصول الى جمهور جديد والتمركز والتوجه يمينا في محاولة للتوسع حتى باتجاه الحريديين. وهو يبذل الجهد للتمييز الواضح بين «يوجد مستقبل» كحزب وسط وبين المعسكر الصهيوني كحزب يسار. 
وهذا ما يحدث ايضا في النقاشات الصاخبة في الكنيست، خصوصا عندما يكون رئيس الحكومة موجودا، حيث يبذل كل من لبيد وهرتسوغ الكثير من الطاقة في الهجوم على بعضهما. هرتسوغ يهاجم لبيد، لكنه يبذل وقته ايضا في مهاجمة «ميرتس». و»ميرتس» ايضا لا تفوت فرصة الهجوم على المعسكر الصهيوني و»يوجد مستقبل»، والتشديد على ضرورة وجود «ميرتس» قوية في اليسار. 
المعارضة منقسمة. ومن اسباب ذلك وجود عامل مهم فيها هو «اسرائيل بيتنا» برئاسة افيغدور ليبرمان، الذي اختار مهاجمة «الليكود» و»البيت اليهودي» من اليمين، وهو يضع لنفسه خطا قوميا انفعاليا، موجه بالاساس نحو اعضاء الكنيست العرب. 
مع ليبرمان من اليمين ولبيد من الوسط والمعسكر الصهيوني بينهما و»ميرتس» و»القائمة المشتركة» من اليسار، تجد المعارضة صعوبة في توحيد قوتها واستغلال الفوضى في الائتلاف – تمرد اورين حزان (الليكود) وبتسلئيل سموتريتش (البيت اليهودي) ودودي أمسالم (الليكود) وابراهام نغوسا ( الليكود) – في صالحها. 
شيء آخر هو أنه في الوقت الذي مدد فيه لبيد وجوده على رأس الحزب بدون متنافسين حتى انتخابات الكنيست الـ 22، وهو يستطيع التفرغ للمنافسة على رئاسة الحكومة، فان هرتسوغ يضطر الى مواجهة الصراعات الداخلية: اريئيل مرغليت الذي هاجمه أمام العدسات، ونشطاء غير راضين عن عدم تحديد موعد الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحزب.

الأكثر بروزا: ميري ريغف
لا شك أن الشخصية الاكثر بروزا في السياسة الاسرائيلية خلال السنة الماضية هي وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغف، التي نجحت في الحصول على وزارة صغيرة وهامشية وتحويلها الى وزارة يتحدث الجميع عنها. وهي تثير العواصف الجديدة باستمرار وتطلق تصريحات وتعلن الحرب على القيادات القديمة. 
«ميري تصفيق»، كما سموها استهزاءً اثناء الدعاية الانتخابية، تحولت الى المرأة الاولى في «الليكود» والى حبيبة الميدان الليكودي. إنها لا تتردد في الخروج الى الحرب الثقافية وهي تلوح بشرقيتها وتهدد بتحطيم السيطرة العليا الثقافية الاشكنازية. 
ريغف أدارت ظهرها لاستطلاع أجري بعد مرور سنة على التمهيدية في «البيت اليهودي» والذي أظهر أن مستوى التأييد الاكبر من مصوتي «البيت اليهودي» هو لاييلت شكيد. نسبة 64.8 في المئة وضعتها في المكان الاول. أما رئيس «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، فقد حل في المكان الثاني بعدها مع 51.6 في المئة من الاصوات. 
تم اختيار شكيد العلمانية كـ «امرأة السنة» من قبل مجلة «ليدي غلوبوس». وهي تحظى بالتقدير الكبير في الجهاز القضائي وخارجه. صحيح أن شكيد تعمل على تغيير طريقة اختيار القضاة وتركيبة محكمة العدل العليا لاحداث التوازن الذي لم يعد قائما اليوم، حسب رأيها، وتقليص الفعالية القضائية. لكنها خلافا لميري ريغف، هي تفعل ذلك بمرونة من خلال الحوار ودون تصريحات نارية أو ضجة كما تفعل ريغف. 
شكيد، التي وافقت على تعيين افيحاي مندلبليت في منصب المستشار القانوني للحكومة، تقوم بعدة اصلاحات منها تقسيم صلاحيات المستشار القانوني للحكومة. وقد نجحت شكيد حتى الآن في انشاء علاقات عمل قوية مع رئيسة محكمة العدل العليا، القاضية مريام ناؤور، لكن في المقابل، علاقتها مع رئيس الحكومة نتنياهو، ولا سيما مع زوجته سارة، ضعيفة. في مقابلة مع صحيفة «معاريف» في نهاية الاسبوع تحدثت شكيد عن علاقتها مع نتنياهو وقالت: «هذا ينجح بشكل جيد لأننا أنا ورئيس الحكومة لسنا اصدقاء. وحينما احتاج للحديث معه في الشؤون المهنية فاننا نتحدث حولها».

المُخيب الآمال
عضو الكنيست أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، هو الشخصية المخيبة للآمال في السياسة الاسرائيلية في السنة الماضية. فازت «القائمة المشتركة» في الانتخابات بانجاز كبير، 13 مقعدا. وكثير من الاسرائيليين اعتقدوا أن عودة صاحب المظهر الجيد والحديث المعتدل سيأخذ الجمهور العربي في مسار جديد والاندماج في دولة اسرائيل. لكن عددا من الاحداث أظهرت أن «القائمة المشتركة» برئاسته ما هي إلا عائق تقني أقيم في اعقاب رفع نسبة الحسم في الانتخابات للكنيست، وليست بشرى حقيقية. 
وحسب الجمهور الاسرائيلي، عودة يدفع الثمن عن اعمال «بلد» خصوصا بعد الالتقاء مع عائلات «المخربين» الذين قتلوا على أيدي «قوات الامن» خلال موجة العمليات الاخيرة. والانطباع الذي نشأ هو أن عودة انجر وراء نهج «بلد» المتطرف. هذا الانطباع تعزز أكثر في اعقاب التنديد الذي نشره المكتب السياسي لـ «حداش»، الحزب الذي ينتمي له عودة، حول قرار دول الخليج وبعده قرار الجامعة العربية الاعلان عن «حزب الله «كمنظمة ارهابية. 
هذا القرار أثار ضجة. واكتفى عودة في البداية بالتوضيح من خلال الكتابة، وبعد اسبوع فقط ظهر في التلفاز وتحدث عن اسباب غير مقنعة للخطوة التي أعقبها كثير من التنديدات من قبل جميع الاطياف السياسية. وقد تسببت هذه الخطوات الاخيرة بنشوء ازمة داخلية في «حداش» وجدل حول مستقبل الحزب.
يسير رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بثقة باتجاه السنة الثانية لولاية حكومته، وهو مليء بالثقة بالنفس، ويستطيع النظر بدون خوف نحو الأفق السياسي الذي ينتظره. ليس لديه اعداء حقيقيون في «الليكود». ومحاولة اقامة جسم جديد لاستبداله في قيادة «الليكود» أو في قيادة الدولة، لا تنجح في هذه الاثناء. وقد استطاع تمرير صيغة الغاز. والمعارضة لا تزعجه باستثناء تفوق «يوجد مستقبل» في الاستطلاعات. وقد تراجع وزير المالية عن معارضته لميزانية السنتين، وفي وقت قريب سيغادر براك اوباما، الذي يكرهه نتنياهو، البيت الابيض في صالح رئيس أكثر تأييدا. الذي قد يكون دونالد ترامب.

الأمن
السنة الاولى لحكومة نتنياهو الرابعة تُذكرنا بكل ما يتعلق بسلوكه في شؤون الخارجية والأمن لحكومات اسرائيل الـ 23 و 24 لاسحق شامير. رغم الفرق في العمر، كان اسحق شامير يبلغ 73 سنة في 1988، أما نتنياهو فيبلغ 67. وقد تميزا بأربع صفات متشابهة: الحذر المبالغ فيه والخوف من الانجرار وراء المغامرات. وتقديس الوضع الراهن. والتحفظ من العالم العربي. والشك في العالم. 
لقد حول نتنياهو هذه الصفات الى نظرية سياسية وأمنية. فحذره وجد تعبيره في حرب غزة الثالثة التي فيها – مع وزير الدفاع موشيه يعلون ومظلة من هيئة الاركان العامة – لم يسع الى الحسم والى احتلال القطاع لأنه عرف أن هذا البديل هو الاسوأ، واكتفى بتوجيه ضربة مؤلمة لـ «حماس» على أمل ردعها لسنوات. وقد أثبتت هذه النظرية نفسها حتى الآن. 
في الحدود الشمالية ايضا تتميز سياسة حكومة نتنياهو بالحذر الكبير، حيث إن الاهداف الرئيسة هي الحفاظ على الهدوء في هضبة الجولان والاستمرار في ردع «حزب الله» في الحدود اللبنانية. وكل ذلك مع استغلال الفرصة لضرب «حزب الله» ونظام الاسد والحرس الثوري الايراني عندما يحاولون توفير السلاح المتطور، ولا سيما الصواريخ، وانشاء خلايا ارهابية في هضبة الجولان. هذه الافعال التي تتم بواسطة سلاح الجو والتي تُنسب لاسرائيل حسب المصادر الاجنبية، تتم بمسؤولية وحكمة ولا تترك أي بصمات ولا يتم تبني المسؤولية عنها. 
في السياسة الخارجية ايضا تُذكرنا حكومة نتنياهو بحكومة شامير. فهي تبذل الجهد الكبير لكبح الضغط الدولي الذي يريد استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. شامير خضع في نهاية المطاف واضطر الى الذهاب الى مؤتمر السلام الاقليمي الذي فرض عليه. 
لقد نجحت مناورات الحكومة حتى الآن. فهي لا تقوم باستئناف المفاوضات السياسية ولا تقترح أي مبادرة خاصة بها. لكنها في المقابل، لم تحطم الأدوات مع حكومات صديقة في اوروبا. ومع ذلك فان سلوك نتنياهو الذي دفع به الى صدام شخصي مع رئيس الولايات المتحدة، براك اوباما، على خلفية الاتفاق النووي مع ايران، كان خاطئا. وحتى لو لم ينته بحادث تصادمي، فان حجم الضرر بحاجة الى تقييم مخمن تمويل. 
المشكلة المركزية لحكومة نتنياهو ودولة اسرائيل هي العلاقات المتضعضعة مع الفلسطينيين، على خلفية موجة «الارهاب» الشعبية التي قد تخرج عن السيطرة. طريقة نتنياهو ويعلون في ادارة الصراع تنجح حتى الآن، لكنها لن تصمد الى الأبد. وفي هذه المسألة يمكن القول إن اسرائيل تضيع فرصة لن تتكرر.  وأمام انهيار دول الشرق الاوسط، سورية، العراق، ليبيا، اليمن والسودان، وتقليص مشروع السلاح النووي الايراني، فان الوضع الجيواستراتيجي لاسرائيل لم يكن أفضل مما هو عليه الآن. ويمكننا أن نضيف الى هذه المعادلة العلاقة الامنية الوثيقة مع مصر والاردن على خلفية الأعداء المشتركين: «حماس» وارهاب «داعش». وعمليا، لا يوجد اليوم أي تهديد حقيقي على وجود اسرائيل. 
لكن نتنياهو بصفته محافظا وشكاكا وخائفا وايضا يتبنى قناعات، لا يقوم باستغلال الفرص التي  تسنح لاسرائيل. صحيح أنه يتحدث عن العلاقة السرية بين اسرائيل والعالم السني – السعودية ودول الخليج في ظل الخوف من تآمر ايران وسعيها الى السيطرة الاقليمية – ولكن بدون اجراءات لحل الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، فان اسرائيل ستستمر في السير في مستنقع الوضع الراهن الذي يهدد وحدتها ويقوم بتمزيق الخيوط التي توحد الاسرائيليين كأمة.

العلاقات الخارجية
في وزارة الخارجية يسمون السنة الاخيرة بـ «تسونامي سياسي». بالتوازي مع الحرب من اجل البقاء مطلوب من الوزارة ادارة معركة على الرأي العام العالمي حول الاتفاق بين ايران والقوى العظمى وذهاب الفلسطينيين الى المحكمة الدولية في لاهاي وتأثير ذلك ومقاومة حركة المقاطعة لاسرائيل الـ بي.دي.اس. هذا على خلفية العلاقة السيئة بين رئيس الحكومة نتنياهو ورئيس الولايات المتحدة اوباما وتقليص الميزانيات التي أدت الى اغلاق سبع ممثليات للوزارة في العالم. 
قبل الانتخابات في آذار 2015 كانت وزارة الخارجية هي الوزارة المرغوبة أكثر. رفيعو المستوى في الائتلاف اعتبروا أنفسهم مرشحين مناسبين لتسلمها، ومنهم نفتالي بينيت، رئيس «البيت اليهودي»، واسرائيل كاتس وجلعاد أردان وسلفان شالوم ويوفال شتاينيتس. لكن في نهاية المطاف بقيت هذه الوزارة المهمة في يد رئيس الحكومة وتم تقسيم صلاحياتها بين الكثيرين: عضوة الكنيست تسيبي حوطوبلي تم تعيينها نائبة لوزير الخارجية، المقرب من رئيس الحكومة دوري غولد تم تعيينه مديرا عاما للوزارة وهو يعمل بشكل مباشر أمام نتنياهو وزعماء العالم. جلعاد أردان وزير الامن الداخلي تم تعيينه وزيرا للدعاية ووزيرا للشؤون الاستراتيجية والمسؤول عن موضوع مقاطعة اسرائيل. اسرائيل كاتس وزير المواصلات تم تعيينه وزيرا للشؤون الاستخبارية ومسؤول عن الاستخبارات: مركز البحث السياسي. يوفال شتاينيتس وزير الطاقة تم تعيينه مسؤولا عن الموضوع النووي الايراني. وكان الوزير سلفان شالوم الى حين استقالته مسؤولا عن المفاوضات مع الفلسطينيين.
أثار تقسيم الصلاحيات التساؤل حول الجهة المسؤولة عن السياسة الخارجية لاسرائيل. وقد قال سفراء اجانب للصحيفة إنه بسبب كثرة الاشخاص فانهم لا يعرفون لمن يتوجهون. تقسيم الصلاحيات انشأ ترتيبات جديدة للعمل، تحاول وزارة الخارجية التأقلم معها في الوقت الحالي. مثلا في مسألة مواجهة حركة مقاطعة اسرائيل، الوزير أردان، المسؤول عن هذا الموضوع، جند ميزانية تبلغ 100 مليون شيقل لمحاربة هذه الظاهرة. وحسب خطته سيتم وضع منظمي الـ بي.دي.اس في السفارات الاسرائيلية المعنية وهناك يتم تركيز الموضوع.
في المقابل، سجلت وزارة الخارجية في السنة الماضية انجازات سياسية منها تحسين العلاقة مع مصر ومع دول عربية في المنطقة على خلفية محاربة «داعش». في كانون الثاني ولاول مرة منذ ثلاث سنوات، عاد سفير مصر في اسرائيل الى وظيفته. ويبدو أن الكثير من الدول الاوروبية بدأت بتبني قوانين ضد مقاطعة اسرائيل. حكومة بريطانيا مثلا صادقت على اقتراح قانون يمنع مؤسسات وجهات رسمية في الدولة من مقاطعة بضائع المستوطنات في اسرائيل. ودول اخرى تخطط لاجراء تشريع كهذا. وقد ندد البرلمان الكندي بشكل رسمي مؤخرا بحركة مقاطعة اسرائيل.

الاقتصاد: نجاح كحلون
مع انتهاء سنة على حكومة نتنياهو الرابعة يمكن القول إن الموضوع الاقتصادي أداره وزير المالية، موشيه كحلون، بأمان . الشخص الذي جاء من غير معرفة مسبقة بمواضيع الماكرو اقتصاد، حصل على تفويض مطلق من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وانتهج سياسة واضحة وموحدة في مركزها تخفيض غلاء المعيشة. وفي مجال الماكرو اقتصاد، قام وزير المالية بكل خطوة ممكنة لخفض غلاء المعيشة بما في ذلك خفض ضريبة القيمة المضافة الى 17 في المئة ورفع تدريجي للحد الأدنى للأجور وخفض سعر المياه والمواصلات العامة وعمولات البنوك ورسوم ادارة التقاعد وأسعار الغذاء من خلال الغاء الجمارك وما أشبه. 
فيما يتعلق خفض الاسعار، حصل على دفعة قوية بسبب خفض اسعار الطاقة والبضائع في العالم. حيث أدى ذلك الى خفض اسعار البنزين الى أدنى مستوى (5.54 شيكل للتر). وفي موضوع مركزي آخر لم ينجح بعد وهو خفض اسعار الشقق، حيث تحول هذا الموضوع الى العملية الاجتماعية الاقتصادية الاساسية في اسرائيل في 2016. فما زالت الاسعار ترتفع (في 2015 ازدادت بـ 8 في المئة). ولا يمكن الحديث هنا عن الاستقرار أو عن تراجع الاسعار. رغم أن اسعار الشقق ليست مسألة من السهل التغلب عليها. 
كحلون استغل السنة الاولى من اجل ادخال اصلاحات سنتمتع منها في المستقبل: البنوك، التأمين، التقاعد التوفير وغلاء المعيشة الذي انخفض في 2015 وفي الاشهر الاولى من 2016. كل تلك مؤشرات على أن الاسعار آخذة في الانخفاض. 
لكن ما الذي يحدث على مستوى الماكرو الاقتصادي؟ هناك ايضا الوضع ليس سيئا رغم أنه بحاجة الى تحسين. حكومة نتنياهو الرابعة نجحت في الحفاظ على نسبة بطالة متدنية (5 في المئة تقريبا من قوة العمل) وهذا هو المعطى الاساسي الذي يهم الأجيرين. ورغم أن التضخم صفر إلا أن الأجيرين حصلوا على اضافة معقولة للأجر. العجز ينخفض، وهذا معطى ايجابي آخر. 
مع ذلك، هناك أمور بحاجة الى التحسين. رغم انتعاش الدولار فان النمو ما زال 2 في المئة وهو أقل من المتوسط المقبول في الدول الغربية. وأحد اسباب ذلك هو الجمود في التصدير الصناعي. وبدون تغيير هذا الوضع فقد تزداد نسبة البطالة. 
المعيار الاساسي، حسب رأيي، لقياس النجاح الاقتصادي لأي حكومة هو وضع الأجيرين في الاقتصاد. يمكن السؤال اذا كانت «ثمار النمو» قد دخلت ايضا الى جيب المواطن. في نهاية السنة الاولى للحكومة يمكن القول بشكل حاسم إن الوضع قد تحسن.

العاصفة الأكثر جرأة
ما الذي حدث على صعيد الثقافة؟ تعرفنا على مسرح «الميدان» وتعلمنا الصراع على البقاء للفرقة الاندلسية. وسمعنا أنه حان الوقت لافساح المجال للشباب في موضوع اتخاذ القرارات. وتعلمنا أن عالم الفن، حسب الوزيرة المسؤولة عن الثقافة، ناكر للجميل. وتعلمنا أن الموسيقى العبرية هي شرق اوسطية. وحصلنا على تعريفات متجددة لـ «حرية التعبير» («الحوار مفتوح، لكن توجد حدود للحوار»). وقانون الولاء، سمعنا عن الغرامات التي سيتم فرضها على مؤسسات ثقافية ووقف تمويلها في حالات معينة. وحصلنا على بشرى الغاء المعركة على قانون الدفاع عن الكتاب والأدب.
يمكن تلخيص هذا العام للثقافة بكلمات أُخذت من صفحة الفيس بوك لوزيرة الثقافة ميري ريغف: «الحوار حول الثقافة في اسرائيل وصل الى ذروة جديدة وأنا أفتخر بأنني أقود حرب الاستقلال الثقافية لكل من لم تكن له حرية تعبير حقيقية حتى الآن». ريغف على قناعة بأنها أحدثت حرب استقلال. وليس هذا فقط، بل هي تتفاخر بقيادة هذه الحرب. 
كانت هذه سنة مشتعلة ثقافيا. ولكن اذا قمنا بفحص ذلك جيدا فانه لم يحدث فيها شيء تقريبا، باستثناء الشرخ المتزايد والقطبية هي مسألة لا يجب اللعب فيها، كما يعرف كل من قرأ أحد كتب التاريخ لشعب اسرائيل. إن الانجاز الرئيس لريغف، اذا كان يمكن تسميته انجاز، هو تصميمها على اخراج كلمة الثقافة عن طورها وعن ضبطها لنفسها من أعلى القلب وأعلى الجبين. وفي السياق تنسى أنها وزيرة اللاشيء وليست فقط وزيرة ما تؤمن به. 
قد يكون هذا هو سبب عدم مدح الكثيرين لها ولو على شيء واحد: دعمها للثقافة العربية التي تم اهمالها على مدى عشرات السنين. وزيرة من اليمين تقوم باصلاح اجحاف لحكومات كثيرة من اليمين ومن اليسار. 
لو كان هناك مستشار لا يخشى من ريغف لكان قال لها عن مبدأ واحد في التسويق: توجد شهرة ايضا عن طريق رسالة ايجابية. ليس بالضرورة أن يكون كل شيء عن طريق رسالة سلبية. الفرقة الاندلسية بحاجة الى معالجة بالحب. وليس بالضرورة أن يكون ذلك على حساب الأوبرا. قانون الكتب بحاجة الى تعديل واعادة نظر. وليس بالضرورة أن يكون ذلك عن طريق القص والحذف. 
من ناحية، ريغف هي الوزيرة التي أحدثت عاصفة الأكثر جرأة. ومن ناحية اخرى حينما ننظر الى نتائج هذه العاصفة فان كل ما تبقى هو الفوضى والغبار. ومصير الغبار هو التلاشي. جدتي المغربية الحكيمة تقول إن الفوضى يمكن التعود عليها. فقد تعودت في المعابر في تلبيوت على ضجيج الفئران. وأنا اسألها ماذا حدث للفوضى وتجيبني: «لن يكون دائما من يقوم بترتيبها».
القضاء: اييلت شكيد تسير بين النقاط !
كانت اييلت شكيد طائر غريب حينما انضمت لـ «البيت اليهودي». وهي طائر غريب في وزارة العدل. في سنة واحدة لها كوزيرة استطاعت نشر الكثير من العناوين التي كان آخرها في نهاية الاسبوع الماضي عندما نشر أنها تؤيد العفو عن الرئيس قصاب، لكنها سارعت الى نفي ذلك.
عندما كانت عضوة في الكنيست ساهمت شكيد في عدد من القوانين للتضييق على محكمة العدل العليا. لذلك كانت وزارة العدل متوترة حينما دخلت الى المنصب. ولكن حتى الآن، كوزيرة، لم تهتم شكيد بـ «النجاعة القضائية» لمحكمة العدل العليا باستثناء التصريحات التي وجدت الكثير من الانتقاد. مثلا عندما نشرت في الفيس بوك أنها ضد الغاء قانون التسلل من قبل محكمة العدل العليا.
«لقد نسيت أنها وزيرة العدل»، قال قضاة المحكمة العليا في نقاشات مغلقة. «موقف سطحي لمفهوم السلطة»، قال المستشار القانوني السابق للحكومة، يهودا فينشتاين، عن موقفها حول علاقات القوة بين الكنيست وبين السلطة القضائية. وقد اعتذر فينشتاين في احتفال مغادرته.
عاصفة اخرى سجلت خلال الفترة القصيرة، حول قانون الشفافية لشكيد والمتعلق بجمعيات اليسار. والذي تلقى الانتقاد ليس في اسرائيل فقط بل في خارجها. أما الحدث الاكثر اهمية خلال ولاية شكيد هو كما يبدو استبدال المستشار القانوني للحكومة. وقد عبرت شكيد عن موقفها أكثر من مرة بأن وزير العدل هو الذي يختار المستشار القانوني وليس لجنة التعيينات. فعليا، قدمت اللجنة مرشحا واحدا فقط هو افيحاي مندلبليت، وهو المرشح المفضل لوزيرة العدل. ولو كان الامر يتعلق بها لكانت طريقة اختيار المستشار القانوني للحكومة ستتغير حتى نهاية ولايتها.
يبدو أن شكيد نجحت في السنة الماضية في السير بين النقط أو في العواصف وقدمت افعالت حقيقية في الوزارة. قائمة من القوانين ضد «الارهاب». وساهمت في تشديد عقوبة راشقي الحجارة وسحب امتيازات مالية وفرض غرامات على أولياء أمور الاولاد الذين تمت ادانتهم برشق الحجارة.
قانون «الارهاب»، الذي سعت اليه شكيد، يقدم الأدوات التي تستطيع سلطات القانون استخدامها عند التحقيق مع المشتبه فيهم بـ «الارهاب» وايضا تشديد العقوبة على المخالفات «الارهابية» التي تتم على خلفية قومية متطرفة.

عن «معاريف»