"بكت" (إسرائيل) قبل يومين على موت أحد جزاريها، مجرم الحرب الدموي مئير دغان، الذي شغل منذ العام 2002 وحتى 2011، منصب رئيس جهاز المخابرات الخارجية "الموساد". وكان تحقيق تلفزيوني إسرائيلي قد قال عنه إن لديه "شراهة القتل". وكذا كانت خطابات الرثاء الإسرائيلية كثيرة، مليئة بعبارات التورية: "جريء"، "شجاع"، "لن نعلن على الملأ كل ما قام به"، في إشارة واضحة لدمويته وجرائمه. ودغان هو نموذج لمن تمجّدهم (إسرائيل) والصهيونية، وأمثاله كثيرون، سابقا وحاليا.
في ذلك التحقيق التلفزيوني، الذي تم عرضه قبل 11 عاما، وحينما كان دغان في منصبه رئيسا للموساد، وردت عدة جرائم ارتكبها، وأخرى تمت الإشارة لها بالتلميح. فمثلا، يقول التحقيق، إنه في اليوم الأول لتوليه هذا المنصب طلب دغان قوائم لأشخاص بالإمكان اغتيالهم "في كل بقعة على وجه الكرة الأرضية". وهذا لا يعني أن الموساد بدأ يغتال فقط حينما بدأ دغان منصبه، ولكن كما يمكن تفسيره، فإنه في سنوات "الانفراج السياسي" في سنوات التسعينيات، قلل الموساد بنسبة كبيرة هذه الجرائم، بمعنى الاغتيالات خارج فلسطين، حتى قيل إنه خلال بضع سنوات توقفت الاغتيالات. وهذا لم يعجب دغان، ولا من عيّنه في هذا المنصب، أرييل شارون، الذي سنأتي عليه.
وألمح التحقيق ذاته إلى أن دغان طلب خلال توليه مناصب عسكرية في جيش الاحتلال في سنوات الثمانينيات والتسعينيات، اغتيال أسرى فلسطينيين، كانوا في أحد معسكراته في جنوب لبنان المحتل في حينه. وهذه شهادة حصل عليها التحقيق التلفزيوني من أحد عملاء ما يسمى "جيش لبنان الجنوبي" العميل الذي روى أنه تلقى تلميحا من دغان بأن يقتل الأسرى الذين كانوا تحت سيطرته، ويدعي أنهم حاولوا الهرب.
نشر التحقيق في حينه أثار سلسلة من التساؤلات، خاصة وأنه تم بثه ودغان في منصبه، و"الديمقراطية" الإسرائيلية لم تصل إلى حد أن تبث قناة تلفزيونية برنامجا يكون توثيقا لجرائم حرب ارتكبها قائد عسكري ما يزال في منصبه، وهي من مستوى الجرائم التي من المفترض أن يعاقب عليها القانون الدولي، ولكن كما يبدو فإن ذلك التحقيق كان فيه نوع من تسويق هذا المجرم في الشارع الإسرائيلي.
ولم يكن دغان أول مجرمي الحرب من طرازه الذي يصل إلى هذه المناصب، بل إن من عيّنه، رئيس الوزراء في حينه أرييل شارون، لم تكن لشراسته حدود، حتى قيل إن قادة (إسرائيل) كانوا يتحفظون من حجم دمويته، فهو من أقام الوحدة العسكرية الإرهابية "101"، التي ارتكبت العديد من المجازر، ومن أبرزها مجزرة قرية قبية، وغيرها. وهو من قاد واحدة من أشرس الحروب التي شنتها (إسرائيل)، في العام 1982، على لبنان، وهو مخطط ومرتكب مجزرة صبرا وشاتيلا. وحينما عاد ليتولى مناصب "حساسة"، وخاصة رئاسة الوزراء، استأنف دمويته في عدوان سنوات الألفين الأولى على الضفة الغربية وقطاع غزة، واغتيال القائد الراحل ياسر عرفات، وغيرها من الجرائم.
ونُعدد من المسؤولين الإسرائيليين السابقين الذين طالما تباهت (إسرائيل) بدمويتهم: اسحق شامير، وإسحق رابين. ومن الذين ما يزالون أحياء، إيهود باراك وموشيه يعلون، وشاؤول موفاز، ونفتالي بنيت، وغيرهم الكثير، ممن كان منسوب الدم الذي سفكوه رافعة لهم في مراتب الحكم الإسرائيلي.
الأسبوع الماضي، أصدر الحاخام الإسرائيلي الأكبر إسحق يوسيف "فتوى دينية" تجيز لليهود قتل كل فلسطيني رفع سكينا. وقال في "عظة دينية"، إن الفلسطيني الذي "يصل مع سكين، هناك فريضة لقتله". وتابع في فتواه الإرهابية قائلا إنه "ليس ثمة ما يخاف المرء منه، لا من رئيس الأركان ولا من المحكمة". وكان يرد بذلك على رئيس أركان الحرب غادي أيزينكوت، الذي قال في محاضرة لطلبة مدرسة ثانوية، على وشك الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، إنه لا يرتاح لرؤية جندي يُفرغ باغة الرصاص في بندقيته على فتاة صغيرة تحمل مقصا، في وصفه لواحدة من جرائم قتل الفلسطينيين في الأشهر الأخيرة.
ليس هذا فقط، بل إن (إسرائيل) الرسمية وجهاز النيابة، يرفضان محاكمة حاخامات نشروا كتابا قبل سنوات، يتضمن "فتاوى دينية" تجيز قتل الأم والطفل الفلسطيني، وغيرها من الجرائم الإرهابية الوحشية، لا لشيء، إلا لأن هذا مجتمع يعكس العقلية الصهيونية على حقيقتها.