قد يكون العالم أفضل. مطلوب امرأة تخلف الأمين العام للأمم المتحدة. هذا ما تراه المشاركات في اجتماع الدورة الستين للجنة وضعية المرأة في الأمم المتحدة.
النساء محقات في مطلب التغيير، فبعد ثمانية رجال تعاقبوا على المنصب وسجلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق الهدف الذي أُنشأت من أجله المنظمة الدولية، يحق للنساء المطالبة بحقهن في الجلوس على المقعد الأزرق.
أؤيد بتحفظ، لِمَ تريد أية امرأة تعرف دهاليز الأمم المتحدة أن تربط نفسها بخيوط مسرح العرائس؟ ما تحتاجه الأمم المتحدة يتمحور حول تغيير النظام المتقادم لكيفية اتخاذ القرار، رفع يد الهيمنة عن إجراءاتها، والإطاحة بنظام "الفيتو" الذي يركز السلطة بيد اللاعبين بمصائر الشعوب.. وفتح اللعبة السياسية أمام الجمعية العامة. بنشاط واهتمام ملحوظين تتنقل المشاركات في اجتماع لجنة المرأة في الأمم المتحدة.
فعاليات جانبية وأخرى موازية. خليط الألوان؛ شقراوات، صهباوات، سمراوات، يجمعهن المكان وتوحدهن الفكرة النسوية، وتربطهن لحظة الثامن من آذار وإثارته للقضايا النسوية المهمة. دون أن أتجرأ على الإفتاء وإضافة نقاط افتراضية لأشكال التقاطع النسوية أو إسقاط رغائبية من وحدة النساء، الشمال والجنوب، الأبعاد الطبقية، أخلاف الثقافات والموروثات والجينات.
في الوقت ذاته، أتأمل في التجارب الكبيرة المرسومة بالتجاعيد والتغضنات، شخصيات كاريزماتية، تجارب متراكمة أهّلت المشاركات للوصول للاجتماع والتقدم بالأفكار الجديدة، من جميع القارات. يا تُرى من وقف خلف تجارب المشاركات المهمة؟ ومن دعم نجاحهن.. الرجال أم النساء؟! سأجد الجواب في اجتماع عربيّ صاخب يبحث عن الوجه الآخر لعملة "خلف كل رجل عظيم امرأة".
البحث عن الرجل- المرأة الذي وقف أو وقفت؛ خلف النساء المتواجدات في مبنى الأمم المتحدة. الجدل تتصاعد منه الأبخرة ومن ثم تقف إحدى العربيات لتقول بلغة واضحة، أسود على أبيض، فصل الكلام المقطر بالملح الزائد، لقد دعمني الرجال، بينما اجتهدت النساء في وضع عصيِّهن الغليظة في الدواليب.
سأقول لها مازحة: الكتاب المقدس وصَفَ كيد النساء بالعظيم، تعالوا إلى كلمة سواء..! تأملات صريحة، ما العلاقة بين المؤتمر الرسمي للجنة وضعية المرأة وبين الاجتماع الموازي للمجتمع المدني النسائي.. ليس من علاقة قادرة على صنع التأثير المأمول، فالسقوف والآليات مختلفة: سقوف المجتمع المدني عالية ومرتفعة المطالب وتنبع من نبض الشوارع النسائية واحتياجاتها، بينما مطالب المجتمع الرسمي مسقوفة بالصفقات السياسية والاجتماعية، ومن جهة أخرى، الآليات المتبعة في اتخاذ القرار في أطر المجتمع المدني أكثر ديمقراطية، كونها تأخذ مداها الجدلي اللازم قبل التصويت.
أحلام النساء المستحيلة، هل يمكن أن تشكل قرارات الدورة الستين للجنة وضعية المرأة حول التنمية المستدامة نقطة بداية العد التنازلي نحو المستقبل؟ هل سنرى في يوم ما عالماً تسوده المساواة الفعلية حتى عام 2030، أم أنها أضغاث أحلام تجوب بحرية في دهاليز الأمم المتحدة؟
الأسئلة الصعبة في المرصاد، المخاطر تتربص بالنساء في عالم يتغير نحو الأسوأ. كيف يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بينما العنف بكل أشكاله المقززة يفتك بالنساء المهاجرات؟ إنها قضية أكبر من كل الوعود، بما فيها وعد الأمين العام للأمم المتحدة الذي يبيع إحدى بضائعه الأخيرة قبل أن يرحل.. عدم ترك أية امرأة في الخلف.. كيف لك هذا بينما العالم يعاني التمييز العنصري في أبشع صوره القاهرة؟
التمييز على أساس العرق والجنس والطائفة والدين والمعتقد. كيف تعد بما لا تملك، بينما النساء اللاجئات يتضورن جوعاً ويبعن أجسادهن ويقعن ضحية الاستغلال في براثن المهربين والجماعات المجرمة؟ ما يشغلني، هل تنجح النساء في طبخ منتوج جيِّد، منتوج سهل الهضم، حقيقي وواقعي، تنتظره النساء كاحتياج، يمكنهم تناوله والأكل منه بغض النظر عن الاختلافات الثقافية.. وفي ضوء أنهن، من الشمال والجنوب، السود والصفر والبيض، الجميع يغمِّس من ذات الصحن التمييزي ومن ذات المصطلحات البديلة، الحقوق والمساواة والمشاركة، ضد العنف ومن اجل التمكين والتقدم؟ إن النساء في العالم في ذات الخانة الدونية إجمالاً، لذلك، سلّة مطالب ومصالح الفقيرات واحدة، أطماح المضطهدات والمظلومات في رفع الظلم والقهر واحدة، والجميع ينشدن ويتطلعن إلى عالم فاضل تتمكن فيه المرأة إلى الوصول إلى حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
هل ستجيب الدورة على التساؤلات الجديدة القديمة، ذات الصلة بطبيعة العراقيل التي تعترض النساء في الوصول إلى مرتبة إنسان، ووعي المعيقات الموضوعية المرتبطة ببنية الأنماط الثقافية المتقاطعة في رؤيتها أن المرأة جسد يسكن في غلاف رقيق يسبح في الفضاء الخاص؟