يبدو أن كمين الصفا الذي أوقع ثمانية عشر شهيداً من الجنود المصريين، على مقربة من العريش في سيناء، قد اظهر نتائج زيارة وفد «حماس» للقاهرة، قبل أيام، ذلك انه من الصعب إن لم يكن من المستحيل على القاهرة ليس أن تفتح معبر رفح وحسب، بل وان تفتح الباب الموارب لـ «حماس» في ظل استمرار العلميات الإرهابية ضد جنودها وأفراد شرطتها وحتى ضد مواطني الدولة المصرية في سيناء، خاصة بالقرب من الحدود مع غزة، أي من رفح المصرية حتى العريش مروراً بالشيخ زويد .
هذا لا يعني بالمطلق وجود أية مسؤولية لحركة «حماس»عن ذلك الكمين، أو أية عملية إرهابية في سيناء، خاصة شمال / شرقي سيناء، ولكن من الصعب على القيادة المصرية أن تفتح معبر رفح بشكل طبيعي، وهي تعتقد بوجود تنسيق أو تسهيل أو أية علاقة لجماعات أو أفراد ذوي ارتباط قاعدي أو داعشي، في غزة مع جماعة بيت المقدس في سيناء، كذلك إن لم تكن لـ «حماس» أية علاقة أو معرفة بمثل ذلك « الإمداد « أو الاتصال، فإنها على الأقل لا تحاربه .
وهذا بالضبط ما قصدناه بأن كمين الصفا قد وضع حدا، أو انه دل على نتائج زيارة «حماس» للقاهرة، فالقاهرة تريد مقابل البحث في مطالب «حماس»، التي قدمتها على الأقل بشكل رسمي في تلك الزيارة، أن ترى تعاونا أمنيا من قبل الحركة التي تحكم قطاع غزة، والتي تسيطر عليها، مع وجود جماعات مسلحة عديدة غير القسام، بل وأفراد ذوي قناعات مختلفة ومتطرفة، تغض «حماس» النظر عنهم، لاستخدامهم وتوظيفهم سياسيا، وبرأينا انه ليست القاهرة وحسب، بل والرياض أيضا تريد أن ترى «حماس» وقد حسمت أمورها وترددها الظاهر منذ وقت بين المحاور الإقليمية المختلفة، وان تنضم فعليا، وليس بشكل موارب لمحور الاعتدال السني العربي، الذي رفع شعار محاربة الإرهاب .
صحيح أن زيارة وفد «حماس» للقاهرة، أبعدت كثيرا احتمال سعي القاهرة أو غيرها لاعتبار الحركة حركة إرهابية، كما سبق وفعلت تجاه حزب الله اللبناني، لكن ما لم تقم الحركة بإعلان الحرب على الإرهاب في غزة، والمقصود بالطبع جماعات وأفراد تتواصل مع «بيت المقدس» وتقدم له يد العون، على أي مستوى، فإن القاهرة ستظل تغلق الأبواب والنوافذ بوجه حماس.
السؤال هنا، هو هل تستطيع حركة «حماس» أن «تحسم» ترددها تجاه المحاور الإقليمية، والجواب بالقطع لا، والأمر ليس له علاقة بالتكتيك السياسي، ولا بسياسة النأي عن استقطابات المحاور، لتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، بل بوجود ليس فقط تباينات أو حسب ما تحب «حماس» أن تصفه، بالاجتهادات داخل الحركة، بل بوجود أقطاب أو حتى تيارات داخل الحركة، فرغم أن «حماس» بقيادتها السياسية قد تحولت لمحور تركيا / قطر / الأخوان قبل نحو أربع سنوات، إلا أن القسام، الجناح العسكري المسيطر _ الآن _ فعليا على قطاع غزة، بقي على اتصال مباشر، وليس عبر مشعل، هذه المرة بإيران، التي ما زالت تمده بالخبرات العسكرية وبغيرها، وهذا ما يفسر استمرار التلاسن بين الناطقين باسم القسام وإسرائيل حول احتمالات الحرب بينهما، واستمرار «سباق التسلح».
وقد فقد مشعل سلطته على القسام، منذ جلس في الدوحة، كما فقد هنية قوته بعد تدمير الأنفاق، من قبل الجيش المصري، بعد سقوط حكم الأخوان في مصر، ولم تستطع تركيا / قطر أن تملأ الفراغ، لا بتعويض مشعل وهنية بالمال، ولا بتعويضهما بالسياسة عبر كسر الحصار.
لذا ما كان بمقدور وفد «حماس» الذي ضم أهم الأعضاء المقربين من القسام، في القيادة السياسية، محمود الزهار، الذي اظهر برد فعله على قرار وزراء الخارجية العرب، اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، انه ما زال صوت القسام السياسي، والقسام ما زال وسيبقى يرى في إيران الداعم الرئيسي، وربما الوحيد في المنطقة «للمقاومة» لذا فان حلا نهائيا أو اتفاقا حاسما بين «حماس» ومصر لن يحدث أبدا، وكما أن وقف النار في سورية، حدث _ فقط _ بعد أن حققت روسيا حالة من التوازن الداخلي، التي تبقي على نظام الأسد وعلى خيار تقسيم البلاد، وبعد أن «أشبعت» أوروبا مهاجرين سوريين، اتفقت أميركا وروسيا على وقف الحرب، فتوقفت .
اتفاق سعودي / إيراني إقليمي أو توافق أو على اقل تقدير، تبريد للحرب الإقليمية بينهما، من شأنه فقط، أن يقنع القسام، ليس فقط بتهدئة الحدود مع مصر، ولكن بإنهاء الانقسام، حيث يمكن لمصر ولغيرها أن توافق حينها ليس على فتح معبر رفح وحسب، بل وعلى ميناء غزة، شريطة أن تديره السلطة الفلسطينية، لا أن يكون تحت سيطرة «حماس» فهل تجيء لحظة، ينحاز فيها قادة «حماس» (مشعل وهنية) لمحور الاعتدال العربي، وتوافق على احتواء القسام / الإيراني، بعد أن صار خارج طوعها، بل وحتى أن تصمت على احتمال اعتبار «الصابرين أو السرايا أو حتى القسام وليس حماس» جماعات إرهابية، كما حدث بين السلطة وكتائب الأقصى (جماعة الزبيدي) في جنين ونابلس قبل أعوام؟ أم تبقى «حماس» مثل لاعب السيرك السياسي، تحاول عبثا التوفيق بين المتناقضات، والإبقاء على كل الأبواب مفتوحة ومواربة في نفس الوقت، في انتظار لحظة أخرى؟!