في الغالب لم يكن يعرف الشاب الفلسطيني علي قراقع، مقدم سلسلة التدوينات المصوّرة "ع بلاطة" عبر صفحته في فيسبوك، أن نقده الساخر للاحتلال الإسرائيلي وجيشه وشخصياته العامة سيؤخذ على محمل الجد، وسيكون مصدر إزعاج وجزءاً من "التحديات اليومية" التي تواجهها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
في محاضرة ألقاها بجامعة حيفا في قسم دراسات الشرق الأوسط، حول "التحديات اليومية" التي يواجهها الجهاز الإعلامي والدعائي لجيش الاحتلال، لم يتجاهل أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، المضامين الساخرة التي ينتجها وينشرها الشباب الفلسطيني عبر شبكة الإنترنت، والتي تعتبر دعاية مضادة تخلق "تحدياً" أمام الاحتلال وتفرض عليه مواجهتها.
وعليه، فإن أخذ مؤسسة الجيش المضامين الساخرة والنكات التي يتداولها الفلسطينيون على محمل الجد، يعتبر دليلاً على تأثيرها وقدرتها على ترسيخ أفكار معينة لدى الناس وتغيير أخرى، ومن ثم تشكيل الرأي العام العربي بما يتناقض مع أهداف الدعاية الإعلامية الإسرائيلية، التي تدار بدقة ووفقاً لخطط ودراسات عميقة لأساليب الحرب النفسية الحديثة؛ بهدف إحداث تغيير ما في صورة إسرائيل في ذهن الشعب العربي.
في هذا السياق، يجب الوقوف عند الأساليب التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي من أجل تحسين صورته في العالم العربي على المدى البعيد، ونشر روايته حول الأحداث الراهنة وحول التاريخ وتغيير مكانته في المنطقة، مستغلاً حالة الفوضى والتغيير الشاملة التي تعم الشرق الأوسط والعالم.
ومن أهم المنابر المستخدمة لنشر الدعاية الإسرائيلية بشكل مباشر صفحة المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للعالم العربي، أفيخاي أدرعي، الذي يقصد في منشوراته تكرار أفكار محددة بهدف ترسيخها: أولاً، أن جيش الاحتلال هو الأقوى ولا يمكن هزيمته، وهذه تعتبر محاولة لاستعادة نشر أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، التي فنّدتها الحروب الأخيرة والانتفاضة الحالية.
ثانياً، أن المقاومة الفلسطينية وحركة حماس تعملان ضد الشعب الفلسطيني، وهذه محاولة لشق إجماع الرأي العام الفلسطيني الداعم للمقاومة. وثالثاً، نشر معلومات مضللة تبيّن جيش الاحتلال وكأنه خليط من المسلمين واليهود الذين "يحاربون الإرهاب". كما يحاول التقرب من المتصفح العربي البسيط بنشر التبريكات بالمناسبات الدينية وأيام الجمعة، ونشر الأحاديث النبوية والآيات القرآنية.
إلى جانب ذلك يعتمد الاحتلال بشكل كبير مؤخراً على المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي باللغة العربية، ومنها ما يحمل صفة رسمية كالصفحات التابعة للسفارات: مثل صفحة "إسرائيل في مصر" التي تديرها السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وصفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" التي تديرها وزارة خارجية الاحتلال، وتحاول من خلالها إظهار دولة الاحتلال وكأنها مثال للتعايش بين الثقافات، كما تعتمد نشر مواد تعريفية خفيفة تهدف لتقريب القارئ من الإسرائيليين، وتدمج في منشوراتها العربية والعبرية (بأحرف عربية) ليتعلم المتصفح بعض الكلمات.
وبعيداً عن الصفحات الرسمية التي تديرها مؤسسات الدولة بشكل مباشر، انتشرت في السنوات الأخيرة المواقع الإسرائيلية الموجهة للعرب؛ سواء كانت مواقع إخبارية سياسة مثل موقع قناة "i24"، أو مواقع متنوعة يديرها إسرائيليون يتقنون العربية ومطلعون على قضايا الشرق الأوسط وثقافاته، فتنشر مواقع مثل "المصدر" و"المغرد" مواضيع تتحدث عن الإسرائيليين بعيداً عن الطابع الإخباري السياسي، كمحاولة بشكل غير مباشر للتأثير في القارئ العربي ولو على المدى البعيد.