طلبت "إسرائيل" رسمياً من الدول الأوروبية عدم احترام القرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإعداد قائمة سوداء بأسماء الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف اتخاذ إجراءات ضدها.
وحمل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على مجلس حقوق الإنسان الذي يتخذ من جنيف مقراً له، واتهمه بأنه تحوّل إلى «سيرك معادٍ لإسرائيل».
وكان المجلس قد اتخذ القرار بإعداد هذه القائمة السوداء برغم كثافة الجهود الأميركية والإسرائيلية المنسقة للحيلولة من دون اتخاذ القرار.
واعتبر نتنياهو قرار مجلس حقوق الإنسان بإعداد «قائمة سوداء» بكل الشركات الإسرائيلية والدولية العاملة في المستوطنات بشكل مباشر أو غير مباشر في الضفة الغربية والقدس وهضبة الجولان السورية المحتلة، عملاً عدائياً ضد إسرائيل. وقال إنّ «هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة غدت سيركاً معادياً لإسرائيل، وتهاجم الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وتتجاهل الانتهاكات الفظة في إيران وسوريا وكوريا الشمالية».
وأضاف أن «السخافة تتمثل في أنهم بدلاً من الانشغال بالعمليات الإرهابية التي ينفذها فلسطينيون وعمليات داعش في أوروبا، يقرر المجلس إدانة إسرائيل. إن إسرائيل تدعو كل الحكومات المسؤولة لأن لا تحترم قرارات المجلس المتحيزة ضد إسرائيل».
وقد تبنى المجلس ليلة أمس الأول مشروع قرار بإعداد القائمة السوداء برغم الضغوط الهائلة التي مارستها الإدارة الأميركية لتلطيف القرار.
وقد أيد القرار 32 عضواً في المجلس وامتنع عن التصويت 15 عضواً آخر من دون أن يعترض أحد عليه. بل إن محاولة الاتحاد الأوروبي عقد صفقة مع الفلسطينيين تقضي بإزالة البند 17 من القرار وهو البند المتعلق بـ «القائمة السوداء» مقابل دعم كل دول الاتحاد لباقي البنود باءت بالفشل.
وفي الاجتماع قال السفير الهولندي باسم كل أعضاء الاتحاد الأوروبي في المجلس إن المستوطنات ليست شرعية بموجب القانون الدولي وتشكل عقبة أمام السلام. وأوضح أن الاتحاد الأوروبي وأعضاءه يعارضون سياسة الاستيطان الإسرائيلية. مع ذلك أعلن اعتراضه على البند المتعلق ببلورة قائمة الشركات العاملة بشكل مباشر أو غير مباشر في المستوطنات وقال: «نشعر بالخيبة لأن اقتراحنا بشأن البند 17 لم يؤخذ بالاعتبار. وفي ضوء قلقنا بشأن هذا البند لا يمكننا أن نؤيد القرار لذلك سوف نمتنع».
أما السفير البريطاني فقال إن القرار بشأن القائمة ضار ولا ينبغي للأمم المتحدة أن تنشغل بهذه المسائل. ولهذا السبب أوضح أن بلاده لم تؤيد القرار. ولكن السفير السويسري الذي أيد القرار وصوّت إلى جانبه أكد تحفظه إزاء القائمة وقال إن «سويسرا تعتقد أن هناك سبلاً أفضل للعمل ضد الشركات التي تعقد صفقات خاصة من أجل التأكد أنها غير متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان».
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية قرار مجلس حقوق الإنسان معتبراً أنه «يشكل برهاناً آخر على الاستحواذ المزمن لدى هذه المنظمة، المنشغلة بانتقاد إسرائيل أساساً وتتجاهل الحلبات الأساسية لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم وعلى رأسها سوريا، ليبيا وكوريا الشمالية». وأضاف أنه «فيما الإرهاب الإسلامي يعربد في العالم وحيث يقتل مئات الألوف في الحرب في سوريا ومن عمليات إرهابية في أرجاء الشرق الأوسط، فإن مجلس حقوق الإنسان يثبت مرة أخرى أنه جهاز منافق وغير مبال ومنقطع عن الواقع وعديم المسؤولية».
وفي كل حال فإن قرار إعداد القائمة السوداء اتُخذ بالإضافة إلى ثلاثة قرارات أخرى ضد إسرائيل. وحمل السفير الإسرائيلي لدى مؤسسات الأمم المتحدة في جنيف بشدة على القرار، معتبراً أن ما جرى في المجلس في الأيام الأخيرة هو «مسرح السخافة». وأعلن رفض إسرائيل لكل القرارات التي اتُخذت ضدها، معتبراً أن السخافة «تحقق أرقاماً قياسية جديدة». وأضاف: «عندما تقوم الأمم المتحدة بوسم مصالح يهودية من أجل مقاطعتها فإن ذلك يذكّرنا بفترات مظلمة من التاريخ البشري». وأكد أن «مجلس حقوق الإنسان تحول إلى أداة خادمة للحركات المناهضة لإسرائيل مثل BDS وتنطلق من فلسفة لاسامية ومعادية لإسرائيل».
وبدا أمس الأول أن الضغوط الأميركية لمنع تبني مشاريع القرارات ضد إسرائيل لم تقتصر على المناشدات للدول الأعضاء وضمن المستويات الديبلوماسية. فقد عملت أميركا على تأجيل التصويت لساعات عدة اتصل خلالها وزير الخارجية جون كيري بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في محاولة لإقناعه بإلغاء القرار أو تلطيفه. وأشار مسؤول فلسطيني إلى أن عباس أبلغ الوزير الأميركي أن لا نية لديه لسحب البند 17 من مشروع القرار. كما أن وزير الخارجية الأردني ناصر جودة حاول في لقائه مع عباس مناقشة المسألة لكن تم التوضيح له أن لا نية لتعديل مشروع القرار.
وما يربك إسرائيل جداً أن مشروع القرار في مجلس حقوق الإنسان كان مبادرة فلسطينية بدعم مصري على وجه الخصوص وبتأييد دول عربية وإسلامية أخرى. ومشروع القرار كان يدين المستوطنات ويقرر أنها غير شرعية ويدعو دول العالم للامتناع عن تقديم أي نوع من العون لها وتحذير الشركات ورجال الأعمال من التورط في صفقات معها. ولكن البند الأشد إثارة هو ذلك الذي يطالب المفوض العام لحقوق الإنسان بإعداد «بنك معلومات لكل الشركات التجارية الضالعة في نشاطات في المستوطنات» على أن يتم تحديثه سنوياً.
وأثار القرار ضجة في إسرائيل بعدما أعلنت وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني أن تأييد الدول للقرار يعني انهيار منطق السياسة الإسرائيلية. وأشارت إلى أن «قبول مجلس حقوق الإنسان قرارات مناهضة لإسرائيل ليس بالأمر المفاجئ. فهذه منظمة لها جدول أعمال في البند السابع يقول «ماذا سنعمل ضد إسرائيل». ومع ذلك اعتبرت أن «المقلق هذه المرة واقع أن الدول الأقرب لإسرائيل لم تعارض القرار بشأن القائمة السوداء للشركات العاملة في المستوطنات، وفي نظر المجلس تعتبر القدس المحتلة مستوطنة وهذا انهيار سياسي مثير».
ولاحظت أن «الحلبة السياسية متروكة للفلسطينيين يلعبون عليها من دون أن نخرج نحن لا للهجوم وإنما نترك مرمانا مكشوفاً. والأسوأ أن أموراً بوسعنا منعها بمبادرتنا تتحول إلى هدف نسجله في مرمانا. وبدلاً من الحفاظ على الكتل الاستيطانية والقدس نحن نخسرها. وإذا واصلنا إغماض عيوننا فإن ما يبدأ بالمستوطنات سوف ينتهي بإسرائيل ولن يغير ذلك أي مؤتمر صحافي عن داعش».