منذ بداية الهبّة، والفلسطينيون يصرخون مطالبين بوقف عمليات إعدام الأطفال والفتية الفلسطينيين بتهمة الطعن... ولكن يبدو أن هذا الصراخ الفلسطيني غير مسموع وغير مكترث به في ظل انهيار منظومة أخلاق قيادات عالمية لا ترى الأوضاع في فلسطين إلاّ بعين واحدة. بعد أيام من اندلاع الهبّة تغيّرت أوامر إطلاق النار الإسرائيلية... وأصبح مسموحاً لجنود الاحتلال القتل حتى لمجرد الاشتباه، وهذا ما حدث مع أكثر من حالة، وخاصة في منطقة الخليل... وما زال مشهد أحد شبان بلدة سعير بمحافظة الخليل الذي أُطلقت عليه النار وهو يبعد عن جنود الاحتلال أكثر من 100 متر في منطقة سهلية ماثلةً للعيان. أكدت معظم الشهادات التي جُمعت من مناطق حصلت فيها عمليات طعن أو اشتبه فيها بعمليات طعن، أن جنود الاحتلال لم يعدّوا للاثنين... وأطلقوا النار باتجاه المشتبه به... على الرغم من أنه في كثير من الحالات كان يمكن أن يعتقل المشتبه به... ومثال على ذلك تلك الطفلة التي ركضت نحو مدخل مستوطنة "عيناتوت" قرب بلدة عناتا، شمال القدس، فأطلق حراس المستوطنة عليها النار من مسافة بعيدة لا تشكل خطراً بالمطلق، ما يعني تصفية متعمّدة، بل أكثر من ذلك، إذ إن الطفلة لا تقوى على الطعن وإن كانت تحمل سكين فواكه! فأين الخطر الداهم على جنود مدججين بالأسلحة؟ لم تلق مطالبات السلطة الفلسطينية والمؤسسات القانونية والحقوقية آذاناً صاغية... وربما كانت كثير من الأنظمة الغربية تميل إلى الرواية الإسرائيلية... وعندما تجرأت وزيرة الشؤون الخارجية السويدية على الحديث عن تصفيات خارج القانون... ثارت زوبعة إسرائيلية تتهمها بالعداء للسامية والانحياز، وكره دولة إسرائيل... ووصلت أيضاً إلى بروز دعوات إلى منعها من دخول إسرائيل في المستقبل. لكن جاء الحادث المأساوي في قلب الخليل، أول من أمس، ليؤكد أن الرواية الفلسطينية هي الصحيحة، وأن المطالبات السابقة مشروعة، وأن سهولة إطلاق النار أدت إلى اغتيال عشرات الفتية الفلسطينيين، الذين كان بالإمكان اعتقالهم... ولكن يبدو أن رسالة الموت والقتل العمد هي ما يتم تأكيده لجنود الاحتلال. أول من أمس، كان المستوطنون يحتفلون مع جنود الاحتلال بعد عملية الإعدام، بل يباركونها، بمن فيهم وزراء إسرائيليون... وهذا ما كشفت عنه الصحافة الإسرائيلية، أمس. وأوضحت أن تغريدات من اليمينيين الإسرائيليين بمن فيهم القادة جاءت لتبارك هذا العمل الإجرامي... وأكثر من ذلك، فإن هذه الرسائل التي خرجت، شبيهة بتلك الرسائل التي صدرت عن مسؤولين وقادة في اليمين الإسرائيلي عقب المجزرة الإرهابية التي نفذها المستوطن غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي والتي تتضمن التهاني بقتل الفلسطينيين. إن توثيق عملية التصفية في الخليل لهو دليل قاطع على اشتراك المستويات الإسرائيلية كلها في هذه الجريمة... قيادة الجيش والحكومة الإسرائيلية بمن فيهم نتنياهو الذين أقرّوا تغيير تعليمات إطلاق النار حتى للاشتباه... ومن ثم القادة الأقل مستوى إلى الضباط الذين كانوا في مسرح الجريمة... والذين صمتوا ولم يكلفوا أنفسهم حتى كتابة تقرير عن الحادث الإرهابي الإجرامي. الملاحظة الثانية، هي أن المسعفين الإسرائيليين، أيضاً، لا يقدمون ما تمليه عليهم الأخلاق والمواثيق الدولية التي تنص على أن المسعف مطلوب منه تقديم العلاج للجرحى بصرف النظر عن هويتهم... ولكن في الحوادث كلها ترك المصاب الفلسطيني ينزف حتى الموت. في حادثة الخليل، أول من أمس، أيضاً، ترك المسعفون والأطباء الإسرائيليون الشهيدين دون تقديم أي إسعاف لهم... الأغرب من ذلك، شهادة سائق سيارة الإسعاف الذي قال إنه شاهد رأس الشهيد الشريف يتحرك... ولذا تم إطلاق النار عليه؟! هي سلسلة فضائح للجيش الأكثر أخلاقية... هي تصفية بدم بارد... هي تعليمات واضحة بالقتل التي ليس للأخلاق فيها مكان؟!