بقلم: ناحوم برنيع
في شيء واحد كان أبناء عائلة الجندي مطلق النار محقين: من المحظور الحكم عليه في محكمة الشبكات الاجتماعية، فهو بريء إلى أن يثبت غير ذلك، وإن ثبت ففي إجراء قانوني مرتب.
ظاهرا، كل ما ينبغي في هذه الحالة هو استيضاح الحقائق، ووضعها في مقابل تعليمات فتح النار، والقول اذا ما وأية مخالفة جرت هنا.
ولكن في هذه الحالة الظاهر في جهة والواقع في جهة اخرى. والجدال حول فعلة الجندي يقسم المجتمع الاسرائيلي الى قسمين.
لقد شهد الجيش الاسرائيلي مخالفات لمعايير القتال منذ يومه الاول، ووجد صعوبة في معالجتها منذ يومه الاول. فالجيش الاكثر اخلاقية في العالم قد يكون اخلاقيا مقارنة بجيوش اخرى، ولكن من المشكوك فيه أن يكون اخلاقيا وفقا لمقاييسه هو نفسه.
ففي الحروب وبين الحروب وقعت ووثقت أعمال ذبح، اعدام لاسرى ومدنيين، وسلب ونهب ممتلكات. ولشدة الحظ، كانت هذه قليلة نسبيا. وبشكل عام لم يعاقب المذنبون.
كان هذا هو الوضع في حرب الانبعاث وفي الخمسينيات، حين ثأر مائير هارتسيون، من خيرة المقاتلين في الجيش الاسرائيلي، لقتل اخته بقتل خمسة بدو في الأراضي الاردنية. ورغم احتجاج رئيس الوزراء في حينه، موشيه شريت، بسط الجيش الاسرائيلي على القاتل رعايته، وتفاقم الوضع في حملة الليطاني وفي حرب لبنان الاولى. فقد استغل رفائيل ايتان القوة التي منحت له كقائد منطقة وكرئيس أركان وعفا عن كل من يلبس البزة العسكرية، وأمسك به متلبساً بجريمة قتل.
من أنقذ شرف الجيش الاسرائيلي في حينه كان بضعة جنود في الوحدات المقاتلة وبضعة ضباط في النيابة العسكرية العامة، ممن رفضوا السماح بالطمس.
ويمكن أن نذكر في ذات السياق قضية الخط 300 التي في اثنائها عفا الرئيس هرتسوغ عن رجال المخابرات الذين أعدموا «مخربين» مقيدين. ولم يكن ممكنا منع العفو، ولكن العاصفة الجماهيرية أخضعت المخابرات لسلطة القانون.
ما يختلف في موجة «الارهاب» الحالية هو طبيعة الرد الجماهيري.
فلم يعد يدور الحديث عن محاولة للدفاع عن مشبوه بجريمة قتل بسبب مساهمته في أمن الدولة او بسبب وضعه النفسي، بل يدور الحديث عن تبرير للفعلة نفسها.
فقد قام هنا جيل جديد من الرعاع الاسرائيليين الذين يطالبون بالثأر، وجيل جديد من السياسيين ممن يمنحونهم ريح اسناد. فالقتل بدم بارد يعتبر في نظرهم عملا بطولياً؛ وتنفيذ قوانين الجيش انهزامية.
من السهل ان نفهم السياسيين: فهم يعيشون داخل بيت من الورق. يبحث ايفات ليبرمان بيأس عن ناخبين في اطراف اليمين؛ ونفتالي بينيت، الذي يخشى من فقدان الناخبين لليبرمان، ينجر وراءه، واوفير اكونيس، الذي يحتاج لكل صوت في مركز «الليكود»، ينجر وراءهما. أجد صعوبة في أن اصدق بأن ايا منهم كان قادرا على أن يتوجه الى «مخرب» جريح مستلق على الارض فيدق في رأسه رصاصة، ولكن من المريح لهم أن يبعثوا آخرين لتنفيذ المهمة.
منذ بداية موجة العنف الحالية تمر المعايير الاخلاقية في المجتمع الاسرائيلي في سياق من الحيونة. فاللقاء بين العربدة في الشبكات الاجتماعية والديماغوجيا المنفلتة في الساحة السياسية هو ورم خبيث يهدد الاجهزة الاكثر حساسية في الجسد. لا مفر من أن نسمي الولد باسمه: هذه فاشية (من المشوق أن نعرف كيف يسميها الفارس بيني بيغن).
يجد نتنياهو صعوبة في مواجهة هذا الميل. فهو يخشى من ان يفقد ناخبي الباصات؛ والمعارضة لا تستطيع ان تواجهه: فهي تخشى من أن تفقد الناخبين من الوسط؛ اما الجهاز القضائي فمفزوع: فهو يخاف العمل ضد الشارع، ويمتنع قدر الامكان عن تقديم لوائح اتهام. ولم يتبقَ سوى الجيش الاسرائيلي. في دولة سليمة النظام يفترض أن تكون الامور معاكسة: فالساحة السياسية هي التي يفترض بها أن تشرف على الجيش وتحرص على الا يخرج قيد أنملة عن المعايير الاخلاقية. اما اسرائيل اليوم فليست دولة سليمة النظام. لم تعد كذلك.
ملاحظة: من المشوق أن نبحث في المبحث ذاته. ايلي بن دهان هو نائب وزير الدفاع من حزب البيت اليهودي. يوم الجمعة نشر بن دهان بيان عزاء لوفاة العميد منير عمار الذي توفي في حادثة طائرة. وكتب هناك «ان عمار كان صديقا حقيقيا لدولة اسرائيل». في منتهى السبت اعتذر وأوضح بانه قصد «شعب اسرائيل».
التعديل لم يغير الجوهر. حان الوقت ليفهم بن دهان ورفاقه في الحزب بأن اناسا مثل منير عمار ليسوا «اصدقاء حقيقيين» للدولة: هم الدولة. فالتمييز بين اليهودي، الحاكم، والضابط الدرزي الذي لا يمكنه ان يكون الا «صديقاً» ينبع من الفكر المشوه ذاته الذي يبيح دم الآخر فقط لأنه آخر.
عن «يديعوت»