ظهر ملقى على الأرض، ينزف دماً وأنيناً، و في المقابل جنود إسرائيليين يقدمون الاسعافات الأولية لزميلهم الجندي ذو الاصابة الطفيفة، ليكتمل المقطع الأكثر قسوة هذا العام، رغم تكرره كل يوم، من جندي يفرغ رصاصته الحاقدة العنصرية برأس عبد الفتاح الشريف والذي ارتقى شهيداً بعد أن سقط جريحاً.
لم تمر هذه الجريمة مرور الكرام، مثلما مرت غيرها من هذه الجرائم، فقد أدى توثيق هذه الجريمة، وانتشار الفيديو الذي صوره ناشط فلسطيني – تعرض للتهديد من قبل المستوطنين- أعطى حظاً للشهيد الشريف أوفر من غيره، من خلال تسليط الضوء على اعدامه بلا محاكمة ولا محكمة، وجعلت المجتمع الدولي ربما لأول مرة يعترض " بصمت " على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
أثار الفيديو المُوثِق لهذه الجريمة النكراء، والذي أثبت تورط جنود حفيظة الجيش الإسرائيليّ، والذي سارع رئيس أركانه غادي آيزنكوت، لتخفيف من حدة الانتقادات، من خلال استعراض إعلامي يُظهر بأنه يعتزم باستحداث تعليمات جديدة لإطلاق النار على الجنود الإسرائيليين.
في إطار توثيق جريمة الاعدام بحق الشهيد الشريف، وردة الفعل الحكومة الإسرائيلية من خلال الادعاء بمحاكمة الجندي مرتكب جريمة الاعدام، اعتبر عضو اللجنة التنفيذية واصل أبو يوسف، بأن اسرائيل تحاول التحايل على القضية، من خلال الإيحاء بأن هناك محكمة داخلية، لمحاولة إجهاض أي حديث عن امكانية تنفيذ محكمة حقيقية على جرائم الجيش الإسرائيلي .
وأضاف أبو يوسف : "حادثة التوثيق لإعدام الشريف بعد ان سقط جريحاً بدون اسعافه ولا اعطاءه أي اهمية ، أظهر بشكل واضح ما يقوم به جيش الاحتلال من استهداف لأبناء شعبنا الفلسطيني، من جرائم حرب ضد الانسانية.
ورأى " أبو يوسف " أنه من المهم جداً أن يتم فتح ملف الاعدامات، لا يجوز اطلاقاً ان يصمت العالم اجمع أمام ما يتعرض له شعبنا من اعدامات بدم بارد بمشاركة المستوطنين بهذه الجرائم، مضيفاً أن تلكأ المجتمع الدولي في اطلاق أحكام جادة لوقف هذه الجرائم تفضي الى محاكمة الجيش على جرائمه، تجعله يستمر وربما يضاعفها.
ودعا " أبو يوسف " أن تفتح هذه الجرائم الباب واسعاً أمام كل المنظمات الدولية والقانونية والانسانية، التي تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الانسان وتتطلع بدورها على جرائم الاحتلال.
الشهيد " ألشريف " أوفر حظاً من غيره
في سياق تداول فيديو الاعدام، والذي بدوره ضاعف من الضغط الدولي على الكيان الإسرائيلي ، رأى المحلل السياسي " فتحي بوزية" أن الاعلام أقوى من الجيوش، وجريمة اعدام الشريف أخذت اهتماماً اعلامياً، ووثق اطلاق النار على رأس الشهيد في الوقت الذي كان جريحاً لا يشكل أي خطراً عليهم، فأخذت حظها من الاعلام أكثر من باقي الجرائم، وبالتزامن مع أصوات اخرى على رأسها خارجية السويد التي قالت بأن هناك اعداماً ضد الفلسطينيين خارج القانون.
فيما اعتقد " الخبير في الشؤون الإسرائيلية "د. فريد قديح " أن من يتغنى باحترام القيم الإنسانية اصبح أكثر من يدوسها، متوقعاً أن تفجر هذه الجريمة الخلافات في الأيام القريبة القديمة بشكل صارخ في المستوى السياسي الإسرائيلي، وبدأت من خلال انتقادات وجهت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو وبدأ آخرون بالحراك دعماً للجندي ومطالبات بعدم محاكمته.
وأضاف " بوزيه " إن اسرائيل ونتنياهو المتطرف جداً والذي لا يفتأ أن ينادي بعالي الصوت الى قتل الفلسطينيين والذين يحاولون قتل الاسرائيليين، وجد نفسه محشوراً بين الطرفين، فأراد أن يعطي اخلاقية للحكومة الاسرائيلية والجيش بأن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تقبل مثل هذه الاعمال وتريد محاكمة الجندي منفذ عملية الاعدام.
وأشار "قديح" إلى أن هناك شخصيات إسرائيلية سياسية تقول أنه مثلما غطت المؤسسة الأمنية عمليات قتل الشاباك التي نفذها في الثمانينات وغيرها ضد الفلسطينيين، فلماذا أيضاً لا تغطي وتحمي الجندي ومباركة عمله ، لافتاً إلى أن هذه المسألة ستحدث تغييراً وتداعياتها ستؤثر على حقبة من الزمان وليس أياماً .
و أشار " بوزية" إلى أن هذه المحاكمة ستكون صورية وحتى إن أُدين، سيدان بشهر أو بأسبوع في الخدمة الاجتماعية، لافتاً إلى أنهم يريدون تخفيف الضغط الدولي والاعلامي الذي صوّب الأعين الى اسرائيل.
وأوضح " بوزيه "بأنه لو كان هناك استثمار من قبل العرب والفلسطينيين، وكان هناك ماكنة اعلامية ونشاط اعلامي كما نشهد ونلحظ على الفيس بوك والنشطاء بلغات الدنيا، لكانت اسرائيل تتعرض للنقد ويمكن ان تحاكم على كل الاعدامات التي تحدث.
ماذا تختلف الجريمة عن غيرها
في إطار هذه التعليمات المستحدثة، اعتبر قديح، بأن هذه القضية ستكون " القشة التي ستقسم ظهر البعير" أي إسرائيل، مشيراً إلى أنه لأول مرة تحدث ضجة حقيقية في المجتمع الدولي و داخل إسرائيل أيضاَ.
وأوضح " قديح" سبب هذه الضجة، بأن عملية إعدام الشريف والتي أظهرت في الفيديو، تواجد حوله ضباط كثر، وهو مصاب و ملقى على الأرض، ولا يشكل عليهم أي خطر لأنه جريح ينزف، ومن ثم يأتي جندي يفرغ سلاحه برأسه.
و أكدت كتابات الجندي عبر "الفيس بوك" حقده وعنصريته، وبأنه قتل الشريف متعمداً، لافتاً إلى أن هذه الجريمة ستحدث ضجة مختلفة هذه المرة.
فيما رأى " بوزيه" ، بأن هناك داخل النخب السياسية الإسرائيلية على رأسهم اليمين الديني والمتطرف نفتلي بينت، واليمين العلماني " ليبرمان" يعارضون بقوة الإجراءات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية ، مضيفاً بأن هذه الخلافات لا تأتي من ناحية أخلاقية ولكن على خلفية انتخابية وكسب ود الناخب الاسرائيلي.
ويعتقد " قديح"، أن ضجيجاً سيحدث داخل الجيش الإسرائيلي الذي يتغنى بطهر سلاحه، وبأنه يحرص على احترام القيم الإنسانية، أصبح أكثر من يدوسها، مضيفاً بأنه سيسأل الجنود عن مصيرهم وسيعترضون أمام قيادتهم بأننا أصبحنا مكشوفين أمام الجميع نمارس انتهاك الحقوق.
وأشار "بوزية" إلى أنهم يهاجمون بشكل قوي نتنياهو و يعلون، بهدف تحطيم زعامة نتنياهو ويعلون داخل المجتمع الإسرائيلي .
يذكر أنه في سياق التخفيف من حدة الضغط الاعلامي على اسرائيل وممارسة الاستعراض، ادعى الاعلام العبري بأن قسم التّربية في الجيش الإسرائيليّ بصدد تحضير خطط تدريسيّة تفصيليّة، في أعقاب جريمة إعدام الشّريف.
فيما تجد قيادة الجيش الإسرائيليّ، صعوبة بالغة في الآونة الأخيرة، في الفصل بين المعالجة العسكريّة للعمليّات، وبين ما يحدث في المجتمع المدنيّ.