سلاح الجيش الإسرائيلي اتسخ منذ العام 1948

20160104212446
حجم الخط

"منذ إقامته قدّس الجيش الاسرائيلي قيما مهمة، منها احترام الانسان وطهارة السلاح. وهذه القيم تستند الى الإرث اليهودي لسنوات طويلة"، كتب غادي آيزنكوت في رسالة للجنود. ليس من طبيعة آيزنكوت الظهور بمظهر الطهارة، أو تجاهل الحقائق المزعجة. لكن في هذه المرة أخطأ خطأ كبيراً بتصويره الشيء المرغوب على أنه موجود. من وراء ميراث الحرب يطل ميراث الحرب المتطهرة عادة من خلال اقتباسات نتان الترمان أو أفعال دافيد بن غوريون. في جهوده من أجل الدفاع عن أوامر اطلاق النار والتمييز بين إعطاء الدعم وبين التغطية، تبنى آيزنكوت الدعاية الرسمية الكاذبة والتي تنظر الى الجندي الاسرائيلي والجهاز الذي يعمل فيه على أنه ميثاق اخلاقي مختلف، أسمى من الجيوش الاخرى، هذا في افضل الحالات، والخداع الذاتي الذي يعتمد على معلومات جزئية، رغم أنها من ضابط رفيع مثل آيزنكوت. فمنذ ربع قرن تقريبا كان من المفترض أن يتم افساح المجال للوصول الى المواد الداخلية الممنوعة عن العامة. آيزنكوت، الذي يتغنى بحرب العام 1948 والشوارع التي تحمل اسماء الكتائب الاولى، ليس من المريح له التنصل من الظلال التي رافقت العمل العسكري على مدى السنين. آيزنكوت ليس وحيدا. فقد سبقه وزير الدفاع، موشيه يعلون، كقائد لواء وكتيبة في المظليين وبعد ذلك كقائد اركان، امتنع عن ذكر العبر والدروس المريرة امام الجنود، دروس آبائهم في الخمسينيات وما بعد ذلك، من بينهم قتلة اسرى خلال حرب 56، وهذا يعني ان مجزرة كفر قاسم ليست فقط تشكل علما اسود، يشدد يعلون ايضا على عدم توجيه انتقاداته لمن هم فوق، حين حثّ نائب رئيس الاركان، شاؤول موفاز، الجنود على انهاء أي مواجهة "بسبع جثث". مثلما هو الحال لدى الفلسطينيين، في اسرائيل ايضا كسرت سلسلة القيادة ضغط حكمة الجموع الغفيرة. عرض السلسلة الاجتماعية انتصر على طول السيطرة، من رئيس الاركان وحتى الجندي حامل البندقية. قريبا، وبدلا من الجيش ستقام "ميليشيا". حتى ذلك الحين، هذا وقت القانونيين، ليلوحوا  بـ"أنكونينا، حيث ادين الجندي دافيد أنكونينا الذي كان يخدم على حاجز في غزة قبل 30 عاماً، في المحكمة العسكرية بسبب إطلاقه النار دون الالتزام باوامر اطلاق النار، لكن تمت تبرئته في محكمة العدل العليا، لأن القضاة برئاسة المدعي العسكري العام سابقا، مائير شمغار، اقتنعوا بان اطلاق النار من قبله كان مبررا، حيث اعتقد ان هناك خطرا على الحياة. اثنان من المدافعين عن أنكونينا في مراحل مختلفة، المدعي العسكري الرئيس أوري شاهم والمحامي حنان ملتسر، يجلسان الآن في محكمة العدل العليا، ويمكن أنهما سيناقشان قضية اطلاق النار في تل الرميدة. ومن واجب محامي الجندي عدم التنازل عن أي مرحلة قضائية. لا جديد في بيت شيمش. ليس كل شيء بسبب الاحتلال وعمل الشرطة، "التحرير" هو الذي أطلق الامر – وحربا 1956 و1967 كانتا استمرارا له – حيث تم تصنيف القتل والاغتصاب والاهانة والاستخفاف بحياة الناس، بما في ذلك حياة الاسرائيليين. دائماً كان في الجيش الاسرائيلي، مثل أي جيش، ضباط ومقاتلون وجنود، أتاحوا المجال لغرائز الانتقام الدموي. لا توجد "اخلاق يهودية" واحدة – من حق العلمانيين التزعزع من الموت "في سبيل الله" – ولا توجد فظاعة لم يكن للاسرائيليين دور فيها حتى لو كان ذلك أقل من الآخرين. كل ديانة وكل أمة تعتقدان أن هدفهما، هدفهما فقط، يبرر الوسيلة. عندما أرسلت منظمة الليحي، كجزء من عمليات ارهابية اخرى، مغلفات مفخخة لوزراء الحكومة في لندن وللرئيس هاري ترومان في واشنطن، لم تتوقع أنه سيأتي اليوم الذي سيقوم فيه "داعش" بتنفيذ العمليات في باريس وبروكسل. الاتهامات التي توجه لاسرائيل في الوقت الحالي كاذبة. فلا توجد سياسة رسمية أو عسكرية تريد الاعدام بدون محاكمة (ولا يوجد فعليا اعدام). لكن الامتحان هو تعامل الاجهزة الامنية والقانون مع من يتجاوز السياسة، وهذا التعامل باسكات جرائم الأمس والتسامح معها لا يختلف مبدئيا عن "البوابة الدائرية" للفلسطينيين الآن، يعتقلون ويسرحون. الفرق في الكلام فقط. في اسرائيل لم يسرحوا لأنهم لم يعتقلوا ولم يحاكموا أصلا. وبدل البوابة الدائرية تم فتح بوابات واسعة – قوانين العفو. عند انتهاء حروب كبيرة (1948 و1967) مع الشعور بالرفاه والانتصار، أصبح الجميع ابطالاً، وتم إسكات جرائم الحرب ايضا. في الجبهة يقاتلون. وفي الجبهة الداخلية يسامحون. اقتله وسامحه. إن الاخفاء في الوقت الحالي أصعب بسبب التغيرات في ثلاثة مجالات – التكنولوجيا المتطورة والرقابة التي اصبحت ضعيفة (بفضل محكمة العدل العليا) والدبلوماسية القضائية التي تركز على تجاوزات قوانين الحرب. لا توجد أي زاوية مخفية للبلاد في "غوغل". كاميرات التصوير الثابتة أو المتحركة، توثق كل شيء. في سنة 2016 لا يستطيع قابيل نفي قتل هابيل، حيث إن احدى المنظمات كانت ستوثق ذلك. الرقابة التي أحاطت جرائم الحرب تسبب ضرراً كبيراً لاسرائيل. ضحايا الجرائم، اقرباؤهم، وأبناء شعبهم لم يتم خداعهم، بل سعوا إلى الانتقام. جنود الجيش الاسرائيلي الذين لم يعرفوا الحقيقة، تعرضوا لخطر أكبر. هذا على الصعيد السلبي، أما على الصعيد العملي فلم يحدث أي ردع للعرب عبر استخدام القوة. بين الزناد والعدل توجد الأدلة الخفية. احيانا في التحقيقات واحيانا اخرى في الابحاث التاريخية ولاسيما في ملفات النيابة العسكرية العامة. وقد قال المدعي العسكري العام السابق، تسفي عنبار، الذي جمع شهادات وأدلة من اجل كتابه "الميزان والسيف"، إن اغلبية المواد الحساسة لم تنشر (الدوايمة، الحولة، دير ياسين). ومع ذلك هي معروفة جيدا. ملفات النيابة العسكرية تهتم بالجبهة والكتائب والالوية. على سبيل المثال في 12 آب 1948، في معسكر الفرقة 23 لكتيبة كرميلي في الطيرة، أطلق ح. ب النار على أسير وأصابه بجروح. وبعد يومين هرب من المعتقل، وعندما تم القاء القبض عليه أهان قائد الكتيبة. وقد حكم عليه بالسجن 18 شهرا، منها 3 اشهر بالسجن الفعلي. وقالت المحكمة إن المتهم حصل على رسالة من أقاربه في المغرب جاء فيها أن والد زوجته قتل هناك، لهذا قرر الانتقام بتأثير عادات بلاده الاصلية، واطلق اربع رصاصات من اجل قتل اربعة أسرى عرب. 15 شهر اعتقال مع وقف التنفيذ كان حكمه بسبب محاولة القتل، وثلاثة اشهر فعلية بسبب اهانة قائد الكتيبة. في حادثة اخرى أكثر خطورة في الكتيبة ذاتها، خففت المحكمة العسكرية العليا عقوبة قائد فرقة قام بقتل 33 لبنانياً. وحسب رأي اغلبية القضاة "لم تعط المحكمة الوزن المطلوب للفترة التي قام المستأنف فيها بأفعاله". تبدو هذه التبريرات راهنة: "دوامة الدم... لحظات ضائقة صعبة... لا يجب الاستغراب من وجود الكراهية الكبيرة تجاه العرب. العدو لا يراعي قوانين الحرب، الامر الذي عمق الكراهية في اوساط الشبان الذين يتحملون عبء المعارك، ويرون بأعينهم الفظاعات التي يتم تنفيذها... في اليوم الذي حدث فيه العمل لم يكن المستأنف محصنا نفسيا ضد مشاعر الانتقام التي أوجدتها الفترة لديه". قاضي الاقلية اقترح عقوبة أخف لأنه "في فترة العملية ومراحل اخرى من الحرب قام الضباط والجنود باعمال قتل مشابهة وأخطر، لكنه الوحيد الذي يحاكم". ألغى الرئيس حاييم وايزمن العقوبة ومنح العفو للضابط. كان من المتعارف عليه الاستخفاف بصلاحية المحكمة: الغاء محاكمة، وقرار من رئيس الاركان (يعقوب دوري) باعطاء الامر لعدم اعادة المحاكمة. في قضية اطلاق النار على اثنين من سكان قرية جاعوني، تمت تبرئة الجنديين ق. وش. في المحكمة المركزية للكتيبة 9 التي وجدت أنه "يمكن الافتراض أنهما تصرفا حسب الاوامر العامة وغير الواضحة من قبل قائدهما المباشر". وعندما تم الغاء التبرئة امتنع رئيس الاركان عن استئناف العملية.

عن "هآرتس"