في إحدى الحروب شاركت كرجل احتياط في سرية دورية لوائية. بعد بضعة أيام من القتال أرسلت مع سيارتي جيب لترسيم رجعي لمحور طريق التموين. وفجأة ظهر نحو دزينة من جنود العدو، كبار في السن، منهكين، مغبرين، وغير مسلحين. فوجئنا، وزعنا عليهم علباً من الطعام المحفوظ الذي يقدم إلينا كوجبات قتالية مقززة، بازيلاء أساساً. بلّغتُ قيادة اللواء. احد ما عرّف نفسه كمسؤول عن الامن قال انه لا وقت له للانشغال بي، وأمرني بان أواصل المهمة. سألت كيف؟ فأجابني: «افعل ما تفهمه». فهمت بان علي ان اقتادهم الى قيادة اللواء. عندما وصلنا تجمع حولنا جنود القيادة، متحمسين ومهددين. سحبتُ اقسام الرشاش واعلنتُ بأني سأطلق النار على من يمس بالأسرى. وفجأة ظهرت طائرتا «ستارتوكروزر» ضخمتان في مهمة انزال التموين بالمظلات. فهتف الجنود «ميغ، ميغ» وفروا. اللحظة التي سحبت فيها اقسام الرشاش امام جنودي لا تنسى، ولاسيما اكثر من أي حدث وقع لي في خدمتي العسكرية والامنية. لا أعرف اذا ما كنتُ سأنفذ تهديداتي حقا، ولكني أتذكر بوضوح اني كنت مستعدا لذلك. جاء ضابط الامن يرافقه جنديان، القى اليَّ بنظرة مقيتة وأمرني بانهاء المهمة. وفي طريق العودة من ترسيم المحور رأيت اكواما من الجثث، كلها مصابة بالرصاص في الظهر. اقتحمتُ مقصورة القيادة، فشحب قائد اللواء، وأقسم بانه لا يعرف، ووعد بأن الأمر سيعالج. صدقته. ضابط الامن قدم الى المحاكمة على أنه وضع تحت تصرف زوجته مركبة احتياط، مجندة، وسائقاً. وقد خفضت رتبته. وبعد بضع سنوات دارت شائعة بانه قتل كقائد كتيبة في هضبة الجولان. واغلقت الدائرة. هذه القضية ترافقني عشرات السنين. بيني وبين نفسي. ترددت وسكت. ما رجح الكفة كان الخوف من أن الكشف قد يتسبب بقتل جنود إسرائيليين. سذاجة على ما يبدو. فقتل الأسرى والعاجزين كان دوما. فهل الجيش والاخلاق ينفران الواحد من الآخر؟ ما الجديد؟ بالفعل اتخذت في الماضي اساليب خطيرة ضد المشوهين، ولكن بالمقابل لم تعط شرعية للافعال الفظيعة. وبالاساس، لم تنكشف الاحداث لحوار جماهيري حماسي. اما اليوم فكل أزعر هو ملك. ان ترف الاعتقاد بان الجيش والاخلاق ينفران الواحد من الآخر ليس من نصيب المجتمع الانساني. هذا فظيع.