عن كشف الفساد وأهمية دور المواطــن والإعــلام

05110183010569508383113123343322
حجم الخط

أثار الكشف عن البدء في التحقيق بقضايا فساد مع مسؤولين إسرائيليين كبار، ومن ضمنهم رئيس المعارضة رئيس حزب العمل، وكذلك مع وزير الداخلية، علامات تساؤل كثيرة حول مدى تفشي ظاهرة الفساد وبأنواعها في المجتمع الإسرائيلي، حيث نعرف أنه وفي الوقت الحاضر، يقبع رئيس دولة سابق وكذلك رئيس وزراء إسرائيلي سابق في السجن، بسبب الإدانة والحكم عليهما في قضايا فساد، ونعرف كذلك ان هناك العديد من المسؤولين الاسرائيليين الكبار سواء من الجانب السياسي أو العسكري هم الآن تحت التحقيق أو الملاحقة في قضايا فساد، وهذه القضايا وبالاضافة إلى تبيان حجم تعمق الفساد بأنواعه في المجتمع الاسرائيلي، فإنها تكشف كذلك ان هناك نظاما صارما ومتابعا وملاحقا لقضايا الفساد بأنواعه المختلفة. والكشف أو الاعلان عن اكتشاف حالات فساد وبهذه الصورة وبهذا الشكل، وحين تطال اشخاصا معروفين وكان لهم ماض وخدمة طويلة في المجال العام،  يوحي للمراقب الخارجي مستوى حجم الفساد بأنواعه المستشري في هذا المجتمع  أو ذاك، وفي نفس الوقت يوحى بمدى فعالية أو نوعية العمل المتواصل لاجهزة مكافحة الفساد، وكذلك الاهمية الكبرى التي يحتلها المواطن في الابلاغ عن قضايا الفساد من رشاوى واحتيال واعتداءات واستغلال المنصب العام، وكذلك اهمية وسائل الاعلام في التعامل مع قضايا الفساد، سواء اكان من حيث النشر والمتابعة والتمحيص والتدقيق، بعيدا عن التهويل أو المبالغة أو التزويق، أو بعيد عن المحاباة والتحيز أو النفاق لهذا الشخص أو لهذه الجهة.  والمواطن أو الفرد يلعب دورا مهما في مكافحة الفساد، حيث كان الفضل لاكتشاف ومن ثم اتلاف كمية كبيرة من الاغذية الفاسدة في بلادنا قبل فترة، لوعي ويقظة احد المواطنين، ولو لم يتم ذلك لوصلت هذه الكمية إلى المستهلك، وما لذلك من تداعيات، وقبل ذلك قام احد المواطنين بالابلاغ عن ادوية ومواد كيميائية منتهية الصلاحية والتي كان من الممكن ان تضاعف المرض بدلا من الشفاء منه، وفي احيان عديدة يتم الكشف عن تهريب منتجات المستوطنات الاسرائيلية، وبأنواعها إلى السوق الفلسطينية بفضل يقظة ووعي المواطنين، وهذه امثلة عن اهمية تشجيع المواطن للابلاغ عن الفساد وبأنواعه، وهي بالطبع ليست بديلا لما من المفترض ان تقوم به الاجهزة الرسمية للحد من الفساد، ولكنه عنصرا مكملا ومهما، بل اساسا لنجاح حملات مكافحة الفساد وبأنواعه في مجتمعنا. ونحن نعرف أن الفساد متنوع ومتشعب ومتراكم، وحسب تعريف الامم المتحدة، فإن الفساد هو ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، معقدة، حيث يقوض الفساد المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويسهم في الاضطراب الحكومي، ويؤدي إلى انتشار الواسطة والمحسوبية على حساب الكفاءة والاستحقاق، ونعرف أن مستوى النضج في مكافحة الفساد يختلف من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى اخرى وفي مدى الخبرة في الممارسة العملية لمكافحة الفساد. وحسب احدى الدراسات التي تم نشرها في بلادنا، فإن الواسطة والمحسوبية هما من اكثر أنواع الفساد تفشيا في مجتمعنا الفلسطيني، وبالأخص في القطاع العام، أو حتى في قطاع المجتمع المدني والأهلي والمنظمات غير الحكومية، وللعمل على مكافحة هذه الظاهرة، فإن ذلك يتطلب وقتا وعملا وجهدا والاهم، العمل على ترسيخ ثقافة الاقتداء بمن يملك المنصب الأعلى والمسؤولية الأكبر والقدرة الأقوى، ويتطلب بث الوعي، ويتطلب تطبيق القانون وعلى الجميع، وفي العلن، وبالتالي ازالة الانطباع عند الناس أن من يتم محاسبتهم أو ملاحقتهم أو محاكمتهم هم الصغار أو الضعفاء أو الفقراء، أو الذين لا يوجد لهم حماية أو دعم. وإذا كان من ضمن أولويات العمل للحكومة هو استكمال بناء وترسيخ مؤسسات الدولة، فإن من ركائز هذا البناء إرساء قيم النزاهة والشفافية، وترسيخ ثقافة سيادة القانون والمساواة، وذلك من اجل بناء مؤسسات دولة ترتكز على أسس قوية تقاوم التداعي، وبعيدة عن الفساد وبأنواعه، من فساد سياسي أو مالي أو إداري أو حتى فساد صحي وبيئي، من خلال التلاعب بحياة الناس، وذلك بإغراق الأسواق بالطعام وبالدواء وبالمياه التي لا تصلح لاستهلاك الناس، فإن من حق المواطن الفلسطيني أن يرى ويلمس قضايا فساد، تم استلامها ومعالجتها وإنهاؤها وبالتالي عرض نتائجها، بشكل موضوعي على المواطن التواق لمعرفة لذلك. ورغم أن هناك دورا مهما للأجهزة الرسمية في مكافحة الفساد، وهناك دورا مكملا لمنظمات المجتمع المدني، كإطار يسلط الضوء وينشر الوعي ويقدم الدراسات وربما الأدلة، ولكن ودون شك أن المواطن الفلسطيني وبغض النظر عن مكان تواجده أو طبيعة عمله، يبقى هو الأهم في عملية مكافحة الفساد، سواء أكان موظفا في القطاع العام أي الحكومة، أو عامل في القطاع الخاص، أو احد موظفي مؤسسات مجتمع مدني وأهلي، أو حتى إن كان احد المستهلكين لخضار أو للحوم أو لأدوية أو مستحضرات أو منتجات غير صالحة. ومع الكشف عن قضايا الفساد الحالية في إسرائيل بفضل قوة واستقلالية ومتابعة وسائل الإعلام المختلفة، سوء أكانت صحافة أو تلفزيون، فإن هذا يظهر مدى أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام الفلسطيني في هذا الصدد، وان هناك دورا هاما لوسائل الإعلام في عملية مكافحة الفساد برمته، وبالأخص حين القيام بذلك بشكل موضوعي بعيدا عن التهويل أو التزويق، وبأسلوب متواصل من خلال عرض القضية ومتابعتها وحتى الوصول إلى الحكم أو إلى القرار المطلوب.