الجندي في "جبهة السكاكين" يحتاج حكماً خاصاً

20160304213333
حجم الخط

بعد وقت قصير من اطلاق النار في تل الرميدة وصف وزير الدفاع الفعلة بأنها «لا تلائم قيم الجيش الاخلاقية»، وعن موجة الانتقاد التي رد عليها في التحقيق الاولي تبين أن الخروج عن «الحدود القيمية والاخلاقية» كان بارزا لدرجة تستدعي «اعادة الترسيم الفوري للحدود بصورة واضحة جدا».    فهل هذا خروج اخلاقي؟ لندقق: لا يدور الحديث عن مسألة اذا كان الجندي تجاوز القانون او الأوامر العسكرية. هذا سنعرفه ظاهرا فقط بعد أن ينتهي تحقيق الشرطة العسكرية، وفي القرارات القضائية بعد حسم القضاء، اذا كانت هناك محاكمة. لقد ركز وزير الدفاع على الجانب الأخلاقي، وقد فعل ذلك على ما يبدو استنادا إلى الشريط المصور من «بتسيلم»، والذي يبدو فيه الجندي يطلق النار على «المخرب» وهو لا يشكل ظاهراً أي خطر. إن مدى «خطر» منفذ العملية كاختبار يذكر بقواعد فتح النار حين يعرض مواطن ما حياة غيره للخطر، في مشادة ما مثلا. ولهذا الغرض يأتي «اجراء اعتقال المشبوه»: النداء، اطلاق النار التحذيري في الهواء، اطلاق النار على القدمين. وكل ذلك كي لا تصاب حياة المعتدي بخطر. ولهذا السبب، اذا كان المهاجم قد اصيب ولا يعود يشكل خطرا فان اصابة اخرى له تشكل جناية، بل خطيئة اخلاقية. فالمهمة هي «التحييد» وليس القتل. واذا ما اصيب المهاجم، فمن الواجب تقديم المساعدة الطبية له فوراً. فهو ليس عدواً في معركة. أما بالنسبة للعدو، فالامر هو القتل وليس «التحييد»، ولهذا الغرض يعلمون الجنود في ميادين التدريب على اطلاق النار، على تصويب السلاح نحو منتصف الشخص، وليس الى الأطراف، والامر الساري المفعول هو القتل طالما لم يرفع العدو يديه مستسلماً، فليس كافيا ان يكف عن أن يشكل خطراً، عليه أن يكف عن أن يكون مقاتلا. وهناك سيناريو ثالث، وهو حقا «عالم معاكس»: عالم «الاحباط المركز» و»تأكيد القتل». هنا يؤمر الجنود بالمس بعدو ما، ليس إلى حين أن يحيد بل إلى حين أن يموت. وهذا الامر الفتاك ضروري لدرجة انه حتى بعد أن يموت العدو، ظاهراً، يتم الاستمرار في اطلاق النار على رأسه «لتأكيد القتل». هكذا قتل الأميركيون بن لادن، وحسب المنشورات قتل يعلون أبا جهاد. هكذا يقتل ايضا الجيش الاسرائيلي في غزة من الجو مطلقي الصواريخ وقادة «المخربين». هناك، إذا كان الصاروخ الاول «حيد» فقط «المخرب، فان الجيش الاسرائيلي لن يستدعي له على عجل الهلال الاحمر، بل يطلق نحوه صاروخا اضافيا الى ان يقتل. هذا هو جوهر «الاحباط المركز»، وبرأي وزير الدفاع وبرأي معظمنا فليس في هذا الفعل خلل اخلاقي، عسكري، أو مدني. المسألة المشوقة هي المكان الذي يحتل فيه بين السيناريوهات الثلاثة هذه الجندي الذي يقف في جبهة انتفاضة السكاكين. اذا تصرف حسب «اعتقال مشبوه»، فان القاتل سيسبقه، اذا رأى نفسه كجندي في الجبهة فهو لن يجد أمامه عدوا يرفع يديه ويكف عن القتل، كما ان قواعد «الاحباط المركز» غير واردة. الجندي في جبهة الانتفاضة يعيش بالتالي في وضع صعب، ولكن حتى قبل ان يقول المحققون والقضاة كلمتهم فليس واضحا عن أي مبادئ اخلاقية اقام وزير الدفاع حكمه القيمي الذي أصدره ضد الجندي: هل هناك فارق أخلاقي بين الاحباط المركز لـ «مخرب» مع صاروخ وقتل «مخرب» مع سكين؟ الجندي من تل الرميدة، اذا لم يتوفر لعمله مبرر، يكون خرق القانون وأخل بالاوامر، ولكن من ناحية اخلاقية فان فعله لا يختلف عن قتال الجندي في الجبهة. وبشكل عام، يفضل لو أن الحكم الأخلاقي أبقاه وزير الدفاع للآخرين والحكم المهني لنتائج التحقيق.