أزمة الفكر الديني وسبل تجاوزها !......رجا طلب

thumbgen (20)
حجم الخط
 

يتعرض الإسلام إلى واحدة من اكبر المحن التي تعرض لها منذ ما بعد عهد النبوة ، فالإرهاب الذي أصبح من اكبر التحديات للأمن والسلم العالميين التصق بصورة كبيرة بالإسلام بسبب الأعمال الإجرامية التي تقوم بها الجماعات التكفيرية ، وهو الأمر الذي بات يستدعي البحث معمقا في كيفية « إنقاذ الدين كعقيدة وشريعة » من ما لصق به من أفكار ومعتقدات شوهت صورته وحرفته عن مهمته الأساسية التي أرادها له الله وهي الهداية كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.
والسؤال القديم الجديد الذي يطرح نفسه ما هو جوهر أزمة الفكر الديني في الإسلام هل هو في « النص » أم في « الخطاب الديني» أم في « الممارسة» أم في كل هذه الأشياء معا ؟
تتداخل عوامل أزمة الفكر الديني في الإسلام ففي فترات معينة كانت الإزمة تتعلق بالنص القرآني كما حصل مع المعتزلة والخليفة المأمون حول مسالة خلق القرأن ، وأحيانا كانت الأزمة ناتجة عن الممارسة والسلوك وكيفية فهم الإسلام وروحه كالخلاف بين الخليفتين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ، وأحيانا كان ناتجا عن القصور في فهم الدين وتشريعاته كما حصل مع الخليفة أبو بكر الصديق والمرتدين بعد وفاة النبي محمد (ص). وإذا دققنا في عناوين تلك الأزمات كلها وغيرها من الأزمات التي أعقبت وفاة النبي محمد (ص) سنجدها في الجوهر ذات طابع سياسي–سلطوي وان تغلفت بالدين أو تغطت به.
بعد وفاة النبي محمد انتهى زمن الأنبياء والوحي والمعجزات ونزلت الآية الكريمة من سورة المائدة على النبي في حجة الوداع وهو فوق جبل عرفة
( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ، ولكن بعد وفاة النبي محمد(ص) بدأت الإشكالات السياسية التي أثقلت الدين وأرهقته وأرهقت أتباعه منذ بيعة سقيفة بن ساعدة التي كادت أن تفجر خلافا دمويا بين المهاجرين والأنصار حول أحقية خلافة النبي محمد ، وما أن حسم عمر بن الخطاب مسألة الخلافة وهي قضية سياسية بامتياز لا علاقة للعقيدة والدين بها ، تفجر خلاف آخر مستتر بقي مدفونا في الصدور والعقول بشان أحقية على بن ابي طالب بالخلافة.
لا أريد الإطالة هنا في استعراض تاريخ الصراع السياسي في الإسلام ولكن ما أريد التأكيد عليه هو أن هذا الصراع افرز لنا اليوم قضيتين بمنتهى الخطورة وهما :
الأولى: قضية شرعية الحكم في الإسلام بعد رفض الخوارج لمبدأ التحكيم بين الإمام علي ومعاوية بن ابي سفيان وانقلابهم على الإمام علي ورفعهم لشعار « لا حكم إلا لله » وهو الشعار الذي قال فيه الإمام علي « كلمة حق أريد بها باطل».
هذا الشعار للخوارج أسس وبصورة غير مباشرة للإسلام التكفيري في مساًلة « شرعية الحاكم والحكم » من ابن حنبل مرورا بابن تيمية في حوران ومحمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية وصولا إلى أبو الأعلى المودودي في الهند وسيد قطب في مصر ، الى التاريخ القريب والمعاصر في فكر عبد الله عزام وايمن الظواهري واسامة بن لادن والبغدادي.
الثانية: الخلاف المذهبي السني – الشيعي بعد الاقتتال الدموي بين الإمام علي ومعاوية ، مرورا بالفتنة الكبرى بعد مقتل الإمام الحسين بن علي في معركة الطف وصولا إلى ثورة زيد بن علي ضد حكم هشام بن عبد الملك بن مروان.
في الحصيلة نتج عن هذا الواقع « الماضوي » حالة « راهنة » في غاية البؤس وهي إسقاط الماضي على الحاضر ، وهو ما يعني تجديد الخلاف حول شرعية الحكم وحول المسالة المذهبية سنة وشيعة.
والسؤال ما هو الحل ؟
الحل وبكل بساطة يرتكز على أمرين :
الأول: نبذ الإسلام السياسي بكل اشكالة واعتباره « محنة » جديدة للدين وعملية « انتحارية لاختطافه « باتجاه المجهول وباب « للفتن » على الصعيد الديني البحت أو صعيد الأمن المجتمعي.
ثانيا: العمل بكل جسارة للدفاع عن مدنية الدولة الأردنية في وجه دعوات   « دولة الخلافة » التي هي « ملغمة » وتحمل في طياتها حالة انقلابية على الدستور الذي هو « العقد الاجتماعي لكل الأردنيين » ، بالإضافة إلى إنها امتداد من حيث يدرك مطلقو تلك الدعوات أو لم يدركوا للداعشية السياسية التي تؤمن بان دولة الخلافة الإسلامية ضرورة لبقاء الإسلام نفسه ، وان غيابها يمثل « الجاهلية الثانية ». ... الأزمة لن تنتهي بهذا المقال أو غيره ولكن الأهم أن نبدأ به وبغيره لقول لا كبيرة « للإسلام السياسي »!
عن الرأي الاردنية