المصالحة: «حماس» ومستقبل الإسلام السياسي

07063012030034@0
حجم الخط
 
يكثر الحديث، الذي يبدو في كثير من الأحيان متناقضاً، حول المصالحة والوحدة الوطنية ويظهر في بعض الأوقات وكأن المتحاورين قد توصلوا إلى اتفاق حول كل التفاصيل وأنه لم يتبق سوى لقاء الرئيس أبو مازن مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" لتوقيع الاتفاق والبدء بعد ذلك بالتنفيذ،  وفي أوقات أخرى يسود التشكيك وعدم الثقة وتبرز الخلافات حول غالبية المسائل قيد البحث. غير أن الطرفين يؤكدان استمرار اللقاءات حيث سيعقد لقاء قريب جديد في الدوحة، وعلى كل الأحوال هناك تغيرات تسمح بالحوار وربما تقود إلى اتفاق وهي تتعلق أساساً بوضع حركة "حماس" وعلاقاتها بدول الإقليم وما يمر به الإسلام السياسي عموماً.
ولا يمكن تجاهل الحوار الذي بدأ بين حركة "حماس" وبين السلطات المصرية حتى لو كانت بالأساس تجري بين جهاز المخابرات وقيادة الحركة وتركز بشكل خاص على الموضوع الأمني أكثر من أي شيء آخر. فهذه المحادثات تعبر عن نوع من الانفراجة في العلاقات المأزومة بين مصر و"حماس". ولا شك أن تصريحات بعض قادة "حماس" عن وطنية الحركة أي حصر مهامها وعملها في فلسطين، وأنه لا علاقة تنظيمية لها بأي فرع من حركة "الإخوان المسلمين" الأم وخصوصاً في مصر، ونفي كل المعلومات المتداولة عن ضلوع الحركة في عمال إرهابية في مصر وتقديم الدعم لمجموعات إرهابية تابعة لـ"الإخوان المسلمين" ولجماعات متطرفة أخرى. وإذا ما تقدمت المحادثات مع النظام المصري وتمت تصفية الأجواء على قاعدة التزام "حماس" بضمان الأمن على الحدود مع مصر ومنع التهريب وتقديم العون للإرهابيين الذين يستهدفون قوات الأمن المصرية، فإن هذا سينعكس على موضوع المصالحة وعلى علاقة قطاع غزة بمصر.
كذلك ثبت فشل الرهان على دور تركي فعال ومؤثر مع إسرائيل تجاه قطاع غزة يضمن فك الحصار وانشاء ميناء بحري يربط قطاع غزة بالعلم الخارجي بشكل يقلل الحاجة لفتح معبر رفح، ويعزز فرص بقاء دويلة "حماس" في غزة باتفاق طويل الأمد مع إسرائيل . فتركيا الفاشلة في سورية والمثخنة بجراح الإرهاب والمقاومة التي يمارسها الأكراد من أجل الاعتراف بحقوقهم القومية أضحت بحاجة لإسرائيل لتخفف عنها وطأة الخسارة والعزلة بعدما شارف مشروعها في سورية على الانتهاء بالكامل مع تعزز وضع نظام الأسد واستعادته السيطرة على مساحات كبيرة من البلاد، وعدم قدرة تركيا على التدخل البري في شمال سورية لتنفيذ أحلام قائدها رجب طيب أردغان في التوسع في سورية وقطع الطريق على نشوء وضع يسمح للأكراد بالتواصل الإقليمي وانشاء منطقة تركية للحكم الذاتي وربما دولة كردية تضم الأكراد الموزعين في العراق وتركيا وسورية ولاحقاً إيران. وقد وضعت روسيا بتدخلها ودعمها لنظام الأسد حداً لطموحات تركيا. وهكذا وجدت الأخيرة نفسها في وضع صعب يتطلب منها البحث عن تعديل في خارطة التحالفات. وطالما ان تركيا تسعى لاستعادة تحالفها القديم مع إسرائيل باعتباره مصلحة استراتيجية لها في هذه المرحلة فهي الأقرب لتقديم التنازلات لصالح حليفتها، وهي مستعدة للتضحية ببعض المطالب التي كانت تعتبر شروطا تركية لعودة العلاقات الطبيعية مع إسرائيل من قبيل انشاء الميناء البحري والسماح لتركيا بوضع خاص في غزة. 
اسرائيل- بحسب مسؤولين رسميين- ترفض منح تركيا وضعاً خاصاً ولا تزال ترفض فكرة إنشاء الميناء البحري وإن كانت هناك جهات مسؤولة في أوساط اليمين ترحب بهذا الميناء مقابل هدنة طويل الأمد مع "حماس". والاعتبارات الإسرائيلية تتنوع بين السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى البيئية، وهي مرتبطة بالتطورات الإقليمية أيضاً. ولهذا لا يمكن التعويل على الموافقة الإسرائيلية والبقاء في حالة انتظار إلى وقت طويل.
وبالنسبة لـ"حماس" أصبح الأمل بعودة محمد مرسي ونظام حكم "الإخوان" في مصر أضغاث أحلام، وخاصة بعد فشل تجربة " الإخوان المسلمين " في تونس وسقوطهم في الانتخابات العامة هناك، وفشلهم في سورية في أن يتحولوا إلى قوة استقطاب ومعارضة يحسب حسابها كـ"جبهة النصرة" و "داعش"، وتراجع دورهم نسبياً في الأردن بسبب الانقسامات في صفوفهم. وفشل تركيا في تعميم التجربة الإخوانية وإقامة نظام أشبه بالخلافة العثمانية. كما أن الحملة الدولية على الجماعات الإسلامية المتطرفة وحدوث تغييرات جدية في الرأي العام العالمي وفي منطقتنا تجاه التسامح مع الأصولية والتطرف، بالإضافة لصعوبة الوضع في قطاع غزة وتعثر "حماس" في ايجاد ولو حلول جزئية للمشكلات هناك بما فيها مشكلة تمويل الحركة، واضطرارها لفرض ضرائب جديدة على المواطنين، ما يجعلها في مواجهة مباشرة مع الناس قد تنفجر في أي لحظة، ووجود تيار داخل "حماس" يذهب نحو مزيد من التطرف كالذين انضموا مؤخراً لـ "داعش"، كلها مجتمعة تشكل أرضية لإعادة النظر في مجمل الوضع وفي مستقبل حركة "حماس" المرتبط بمستقبل الإسلام السياسي المتراجع. 
من هنا يمكن فهم التصريحات والمواقف الأخيرة لقادة "حماس" وأيضاً التفاؤل بحظوظ المصالحة هذه المرة، ولكن يجب ألا نغفل احتمال أن تكون كل العملية مناورة لكسب الوقت بوضع قدم في المصالحة وقدم في دائرة التفاعلات الإقليمية لرؤية ما يمكن أن تسفر عنه وبالذات العلاقة مع إسرائيل ودول الإقليم المؤثرة وعلى رأسها مصر. وبالتالي إضاعة فرصة لتحقيق الوحدة الوطنية التي قد لا ترغب فيها جهات في الأطراف المتحاورة.