كان همام الغصين في الـ24 من عمره عندما ذهب إلى السينما لأول مرة، أما الآن فيقول أنه لن يفوت فيلماً آخر من بين يديه.
ما الذي أخّره كل هذا الوقت؟ السبب أنه يعيش في غزة حيث اختفت صالات السينما منذ 20 عاماً بسبب الاحتلال الإسرائلي والحرب على القطاع.
وبالنسبة لأهالي غزة فإن التشديدات الأمنية لدى مغادرة القطاع جعلت من الذهاب إلى السينما خارج القطاع أمراً صعب المنال.
لكن التغيير آت. فالعروض العامة عادت من جديد بفضل مشروع خاص انطلق مؤخراً، ورحب كثيرون بهذه المبادرة حسب ما أفاد موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، الجمعة 8 أبريل/نيسان 2016.
قال غصين الذي يعمل مهندساً معمارياً "شعور رائع، سأواصل الذهاب لحضور كل فيلم مهما كان."
ويضيف أن الحياة في غزة مليئة بالصعاب وخيبة الأمل، فحدود المنطقة الفلسطينية التي تؤوي 1.9 مليون فلسطيني تتحكم بها إسرائيل ومصر لأسباب أمنية انتقدتها جمعيات حقوق الإنسان، ولا يسمح بالسفر وعبور المعابر إلا لمن يملك إذناً وتصريحاً بالسفر.
وعندما فازت حركة حماس بالانتخابات على منافستها فتح وتصاعدت شعبيتها في غزة عام 2007 عززت نمط إدارتها المحافظ لغزة في قنوات التلفاز والراديو بمنع ما تراه فكراً غربياً لا يتناسب مع ثقافتها الإسلامية.
كما أن حصاراً و3 حروب خاضت غزة غمارها في عقد من الزمان قد أتت كلها على البنية التحتية للقطاع المتهالك، فغدت مرافق الترفيه شبه معدومة فيه.
ونظراً لغياب صالة السينما في غزة فإن عروض الأفلام تعقد في صالة مستأجرة ضمن مبنى جمعية الهلال الأحمر.
ويقول حسام سلام، أحد منظمي الحدث، أن الطلب على مشاهدة الأفلام متزايد وأن كل عرض شهد حضوراً من 120 إلى 200 متفرج معظمهم مجموعات عائلية أو أصدقاء.
وأضاف سلام الذي يعمل في شركة عين ميديا الراعية للمشروع "ليست لدينا صالات سينما عامة ولا مكتبات عامة ولا أماكن لإقامة التظاهرات الثقافية، كما أن المساعي الحكومية في هذا الصدد محدودة ومتواضعة."
الدقة في الاختيار
ss
وانطلق المشروع بدايةً بأعمال وإنتاجات تخص التاريخ الفلسطيني، بيد أنه اتجه أخيراً لعرض أفلام ذات أسماء براقة، مثل فيلم الرسوم المتحركة Inside Out من إنتاج ديزني وبيكسار الذي حاز جائزة أوسكار.
أما الأفلام المثيرة للجدل أو ذات المواضيع الحساسة فلا ينتظر ولا يتوقع عرضها لأن جميع الأفلام المعروضة تنتقى بعناية وتتلقى الموافقة من سلطات حماس.
وقال سلام "ننتقي أفلاماً لا تتنافى مع ثقافتنا وديننا ولا تخرقها لا بالصورة ولا بالمضمون، فنقدم للسلطات نبذة مختصرة عن قصة كل فيلم ثم نتلقى منهم الموافقة."
وكانت المبادرة قد انطلقت في يناير/كانون الثاني 2016 بعرض فيلم "معطف كبير الحجم" للمخرج الفلسطيني المستقر في عمان، نورس أبو صالح. والفيلم يتناول الحياة الفلسطينية بين عامي 1987 و2011، مروراً بالانتفاضتين ضد المحتل الإسرائيلي.
ويقول المخرج أبو صالح "لقد عانى هذا الشعب الأمرّين من الحروب وذاق ويلات الحصار، وها هو الآن يتجمهر أمام الشاشة الذهبية في يده كيس بوشار كي يشاهد فيلماً عن القضية الفلسطينية. هذا مشروع مهم لأنه يعد إحدى طرق كسر الحصار المفروض على غزة منذ 10 أعوام."
ماضٍ مختلف
yy
لكن الوضع لم يكن هكذا منذ الأزل، فلطالما كانت صالات السينما موجودة في غزة قبل تدميرها في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.
ثم جرى ترميم الصالات وفق ما قاله المواطنون، لكن العنف اندلع مرة أخرى بعد سنوات، لكن هذه المرة نتيجة للصراع الداخلي بين قوات السلطة الفلسطينية وحركة حماس، فدمرت الصالات من جديد.
تقول راما حميد (30 عاماً) والتي تعمل موظفة اتصالات في مخيم جباليا شمال قطاع غزة "كان أبي يخبرني أنه كان يجمع ما في جيبه للذهاب إلى السينما كل عطلة نهاية أسبوع."
وانتشر خبر المبادرة الجديدة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فقد حظيت صفحة التظاهرة على فيسبوك بإعجاب 7000 متابع.
تكلفة التذكرة حوالي دولارين ونصف وهو مبلغ وجده منظمو الحدث سعراً مناسباً في القطاع الذي معظم سكانه إما عاطلون عن العمل أو معتمدون على المعونات الغذائية.
هذا وتأتي هذه التظاهرة وسط مظاهر إرخاء حماس للشد المفروض على الأنشطة الثقافية في القطاع، ما أثلج صدور الشباب مثل حميد وأصدقائها.
تقول حميد "لا توجد خيارات كثيرة للترفيه أو ممارسة النشاطات الثقافية، لكن مؤخراً، رأيت بعض التظاهرات والمناسبات الثقافية تنعقد مثل سينما غزة والحفلات الموسيقية."
لكنها تختم بقولها أن الكثير من التغيير بالانتظار "فالحياة في غزة ليست سهلة".