نتنياهو يحاول تأجيل قدَر إسرائيل من خلال «تجميد الوضع الراهن»!

-نتنياهو
حجم الخط

في مقال جميل نشرته «مكور ريشون»، هذا الاسبوع («الواقف على الجدار: معركة كبح نتنياهو ضد التاريخ»)، يُبدي آساف سغيف أسفه لأن كثيراً من المحللين لا يهتمون بمواقف بنيامين نتنياهو التاريخية، وهم يبحثون عن تفسير أفعاله فقط في البنية الشخصية وسعيه للبقاء في الحكم. وحسب سغيف، التحليلات النفسية السياسية بعيدة عن الجوهر: نتنياهو يعمل انطلاقا من موقف تاريخي واضح تكمن في مركزه المعرفة العميقة لقوة المد والجزر التي تسيطر في التاريخ. يوجد وراء تفاؤل نتنياهو المبالغ فيه بالنسبة لمستقبل الشعب اليهودي في اسرائيل («كنا هنا وسنبقى هنا الى أبد الآبدين»)، خوف وجودي كبير ينبع من الايمان بقوانين التاريخ التي لا مناص منها، التي تحدث عنها الفيلسوف الايطالي، ابن القرن السابع عشر، غمباتستا فيكو، الذي ذكره نتنياهو في كتابه «مكان تحت الشمس»: «دائرة حياة الأمم تمر في عدة مراحل هي الولادة والشباب والبلوغ والموت». الدور التاريخي الذي يريده نتنياهو لنفسه صاغه سغيف بوساطة الكلمة اليونانية «كتكون» التي تعني «يمنع» أو «يكبح». وكما قال سغيف فان الكتكون يعمل طول الوقت من اجل انقاذ آخر الزمان، ويعمل ككابح تاريخي ووكيل للوضع الراهن. نتنياهو يريد الحفاظ على الوضع الراهن ومنع التغييرات الدراماتيكية لأنه يؤمن أن أي تقدم سيدفع الدولة اليهودية الى الاتجاه الخاطئ باتجاه الفوضى أو الزوال البطيء. وهذا ما ينتظر جميع الأمم. من المثير المقارنة بين من تكشف نظريته التاريخية القوانين الحتمية وبين من مُنح النبوءة حول مستقبله. النبوءة لم تساعد الملك أوديب، حيث أعطيت له ولوالديه، ولم تساعد أي محاولة من «الكتكون»، بل على العكس: كل محاولات تأجيل النهاية الصعبة أكدت حدوثها. وبالشكل ذاته فان معرفة مصير الأمم لا تعني تأجيل التغيير، بل العكس: يجب أن تكون مستعدا في كل لحظة لتغيرات الزمن وفعل الشيء الصحيح في كل لحظة. والأكثر من ذلك: اذا كان الحديث يدور عن القدَر الذي لا يمكنه منعه، فان نتنياهو يؤجله الى الاجيال القادمة. ولكن من هي الاجيال القادمة اذا لم تكن احفاد نتنياهو واحفادنا جميعا؟ ألا يلتزم للاجيال القادمة؟ ماذا يشبه ذلك؟ لقد خطط نتنياهو لخروج تاريخي لأبناء جيله، لكن لهم فقط: حتى لو آمن أنه نجح في كبح الاعداء الذين يهددون استمرار وجود الشعب اليهودي، إلا أنه تسبب خلال ذلك بفقدان اسرائيل لهويتها. ليقل نتنياهو ما يريد عن اعداء الدولة، فلا أحد يخالفه في ذلك، بأن المجتمع يعيش حالة من التفكك. قد يكون هذا ما رآه مائير دغان عندما قال إن المصلحة الشخصية تفوقت على المصلحة القومية. ولكن قبل كل شيء، هناك خطأ منطقي أساسي في الاعتقاد بأن الوضع الراهن هو وضع ثابت، وإن الامور لا تتغير، وبالتالي فهي ثابتة. مصطلح «الجمود السياسي» يعكس هذا الخطأ بشكل دقيق. اذا قمنا بتبني المقارنة التي يقوم بيا فيكو بين حياة الأمة وحياة الانسان، فواضح أنه لا يمكن تجميد الوضع بالضبط مثلما لا يمكن تجميد الحياة. الحياة معناها الولادة والبلوغ والموت. محظور التشويش بين الصراع السليم ضد الامراض وبين الصراع ضد الموت. الموت ليس مرضا. إن نظرة على اسرائيل ستكشف الكثير من الاولاد الذين يرفضون البلوغ، وبالغين يرفضون الشيخوخة. امراض صعبة ترفض الموت واطفال يرفضون الولادة. الجميع يعاني من الخطأ ذاته ومريض بالمرض ذاته. وليس غريبا أن العالم لا يكتشف اسرائيل: بسبب كثرة محاولاتها منع التغيير، إلا أنها تغيرت كثيرا.