مناورات عسكرية: إسرائيل تتهيأ لـ"الرد" في الضفة

20152703215315
حجم الخط

أنهى اللواء نيتسان ألون، قائد المنطقة الوسطى، هذا الاسبوع، نحو عقد من الزمن في «المناطق». فمنذ العام 2005، باستثناء فترة سنتين، خدم ألون في الضفة الغربية كقائد لواء في منطقة بيت لحم، وكقائد قوات الجيش الاسرائيلي في «يهودا» و»السامرة»، وكقائد للمنطقة. يوم الاربعاء الماضي دخل الى القيادة لواء جديد، روني نوما. ألون، الذي سيعين بعد نحو شهرين رئيسا لشعبة العمليات في هيئة الاركان، سيبدل القيادة في حي نافيه يعقوب في القدس برحلات يومية الى وزارة الدفاع في تل أبيب. وحتى لو لم يقل هذا، فيمكن الرهان على أن بطنه لن تنقلب عليه من شدة الشوق.
لقد جاء ألون الى الضفة في اواخر الانتفاضة الثانية، بعد وفاة ياسر عرفات. في ذاك الوقت نضج في قيادة السلطة الفلسطينية الاعتراف بأن استخدام سلاح «الارهاب» لم يؤدِ الا الى انجازات سياسية هامشية، بينما الخطوات التي اتخذتها اسرائيل ردا على العمليات الفتاكة أسقطت عمليا حكم السلطة، وجبت ثمناً هائلاً من سكان الضفة. وفي السنوات العشر التي انقضت أعادت السلطة سيطرتها على المدن الفلسطينية، وثبتت القانون والنظام في المناطق التي تحت سيطرتها، ودفعت النمو الاقتصادي الى الأمام، وانتهجت تنسيقا امنيا فاعلا جدا مع اسرائيل.
بقيت لـ»حماس» شعبية في «المناطق»، ولكن فشل المستطلعين في الانتخابات في اسرائيل يدل على أنه ينبغي التعاطي مع الاستطلاعات بحذر. وبالمقابل، فإن عدد العمليات قل بشكل كبير. كما أن تحرير سجناء المنظمة بالجملة ليعودوا الى الضفة الغربية، في اطار صفقة شاليت في 2011، لم يشعل حاليا المنطقة من جديد، وان كانت هذه توقعات مقلقة. فشبكات «حماس» في الضفة تتلقى الآن التعليمات والمال من الخارج، من قيادات المنظمة في تركيا وفي غزة. وفي الجيش وفي المخابرات الاسرائيلية يفترضون بأنه بقيت في الميدان خلايا، بعضها نائم وبعضها فاعل، ولكن في هذه اللحظة يبدو أن مستواها العملياتي متدن اكثر مما كان في ذروة ايام «الارهاب».
في عدة مناسبات على مدى الطريق حذر الجيش ووسائل الاعلام من امكانية اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة. ولم تتحقق المخاوف حاليا. ثلاث مرات، في اعقاب الحملات الاسرائيلية في القطاع في 2008، في 2012 و2014 خرجت الجماهير الى شوارع الضفة كي تصطدم بالجيش الاسرائيلي، ولكن قوات أمن السلطة تدخلت وعاد الاستقرار في النهاية، رغم حوادث اطلاق النار والقتلى الفلسطينيين. وهاجم «الارهاب» على موجات، في الغالب من قبل «مخربين» افراد بدون شبكات تنظيمية تقف خلفهم.
أخطر هذه الهجمات سجل في القدس، في الخريف الماضي، على خلفية آثار الحرب في غزة والتوتر في الحرم. وصدت العمليات بعد أن نشرت الشرطة والمخابرات شبكة أمنية واسعة في القدس، ولا سيما بعد أن صحا رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، متأخرا وأمر اعضاء الجناح المتطرف في ائتلافه بالكف عن استعراضات الحجيج الاستفزازية الى الحرم. اما اليوم فيخيل ان الانتفاضة المدينية التي اندلعت في القدس قد خبت.
من شأن انفجار متجدد أن يأتي عقب حادثة محلية على خلفية دينية (مرة اخرى الحرم، ضربة شديدة من متطرفين يهود لمسجد في الضفة)، أو احتدام الازمة السياسية بين اسرائيل والسلطة، والمصاعب الاقتصادية للسلطة، أو خليط من كل هذه الاسباب معا. في اسرائيل يلاحظون أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (ابو مازن)، الذي احتفل، أول من امس بيوم ميلاده الثمانين، يواجه صعوبة كبيرة في السيطرة على نشطاء التنظيم، الميدانيين من حركة فتح. ويحمل اعضاء التنظيم السلاح بشكل اكثر صراحة مما في الماضي في مخيمات اللاجئين. وصرح المفتش العام للشرطة، الفريق يوحنان دانينو، مؤخرا في حديث مغلق بأن جهاز الامن قلق من امكانية استئناف عمليات التنظيم، وهي الظاهرة التي اختفت من الساحة في العقد الأخير.
نهاية آذار هو الموعد الهدف الذي قرره الجيش الاسرائيلي لاستكمال الاستعدادات لاندلاع عنف متجدد في الضفة. والمواجهة قد تندلع في وقت لاحق، او لا تندلع على الاطلاق في هذه المرحلة، وذلك لأن الفلسطينيين سيركزون على خطوات في الساحة السياسية – الدولية.
إن المفاهيم التي تسيطر في التوجيهات العسكرية الداخلية هي الاحتواء، كبح الجماح في استخدام القوة، والامتناع عن إيقاع عدد كبير من المصابين في الطرف الفلسطيني. ولكن هذه السيناريوهات تكاد لا تتناول خطوات الجانب الازرق، الاسرائيلي، في المواجهة (الخصم محدد في الخرائط باللون الاحمر). فخطر التصعيد الحالي هو نتيجة محتملة لعمل الطرفين – طلب انضمام السلطة الى محكمة الجنايات الدولية، الرد الاسرائيلي في شكل تجميد مليار ونصف المليار شيكل من أموال الضرائب الفلسطينية وانتصار «الليكود» في انتخابات الكنيست، ما يعزز التشاؤم في المعسكر الفلسطيني.
ويذكر الجهد العسكري لبلورة رد ناجع، ولكن ليس مبالغا فيه، بعض الشيء وعد تطبيق ويز في جلب السائق الى مقصده بالطريق الاسرع الممكن. غير مرة، وهو يفعل ذلك، يوجه البرنامج المزيد فالمزيد من السائقين الذين يستخدمونه الى المسار السريع وهكذا يشعل الازمة فيه ايضا – بمعنى أن لسلوك المنظومة نفسها تأثيرا لا بأس به على النتائج.
بروفة اكراهية
هذا الاسبوع، في زيارة المناورة اللوائية التي قام بها الجيش الاسرائيلي في منطقة رام الله (بنيامين) تمهيدا لتصعيد محتمل، بدا واضحا جهد القادة ليرسموا لرجالهم وجه المواجهة المتوقعة. قائد اللواء، العقيد اسرائيل شومر وحده، وبقدر ما قادة الكتائب أيضا، يتذكرون كيف تبدو انتفاضة حقيقية في الضفة. فقادة السرايا شهدوا القتال في غزة (هذا اذا شهدوه اصلا)، وليس في الضفة. والمناورة هي خليط من الاحداث: مظاهرات جماهيرية وعنف، عمليات اطلاق نار، استخدام للنار الحية من قبل بعض رجال الامن الفلسطينيين. اما عمليا، فالساحة هادئة حاليا.
في الوقت الذي يتقدم فيه الجنود سيرا على الاقدام باتجاه بلدة بيرزيت ترتفع خلفهم في الشمال لاقطات المدينة الفلسطينية الجديدة روابي. وهذا الشهر، بعد تأخيرات بيروقراطية كثيرة ومقصودة، تفضلت اسرائيل باقرار ربط المدينة بشبكة المياه. ويتأثر ضباط الجيش بالمستوى العالي للبناء والبنية التحتية في المدينة، والتي خطط لها بعناية، حتى آخر التفاصيل. شقة من اربع غرف تكلف هناك 120 الف دولار. 45 دقيقة سفر (وحاجز واحد) من تل أبيب ولكن في هذه المرحلة لا يبدو أن المستثمرين الاسرائيليين معنيون.
تقتحم القوات منازل في بيرزيت وفقا للنقاط التي اختيرت مسبقا. ويتسلق الجنود إليها عبر الكروم والحقول، وبعد ذلك ينتشرون بين شوارع البلدة الفارغة. في احد المنازل، طالب فلسطيني نائم وهو يلبس بجامة، كان جاء من جنين ليدرس في جامعة بيرزيت، يتحدث الانجليزية مع مجندة شقراء الشعر من لواء قيادة الجبهة الداخلية. سكان المنزل، كلهم طلاب، غير معروفين لـ»قوات الأمن».
في تفتيش سطحي يعثر على منشور كتب في ذكرى «مخربين» اثنين قتلا قبل بضعة اشهر مصلين يهودا في كنيس في حي «هار نوف» المقدسي. في كتائب الجبهة الداخلية، التي تنفذ في «المناطق» نشاطات مشابهة جدا لتلك التي تقوم بها ألوية المشاة (مهام حفظ النظام، الامن الجاري واعتقال مشبوهين فلسطينيين)، النساء مقاتلات بكل معنى الكلمة، يقمن بادوار مشابهة لادوار الرجال، كجزء من السرايا المختلطة. وما لا يعطي فيه أحد الرأي، على ما يبدو، هو تواجدهن في الليل داخل المنازل، في مجتمع محافظ جدا، يشبه وضع اصبع اسرائيلي آخر في العين الفلسطينية.
خطط للمناورة بحيث تلحق ضررا صغيرا جدا بمجرى الحياة اليومي للجمهور الفلسطيني. والشكوى الوحيدة التي وصلت الى وسائل الاعلام الاسرائيلية كانت من رئيس المجلس النشيط لمستوطنة «بيت آريه» الذي نشر رجل العلاقات العامة لديه بريدا الكترونيا غاضبا على هبوط ليلي دون اخطار مسبق لمروحية يسعور في ارض مستوطنته. وكتب يقول ان المروحية «أيقظت الاطفال من نومهم وأثارت الفزع بين السكان». وفي الجيش اعتذروا وشرحوا بأن المروحية كانت يفترض أن تهبط قرب قرية فلسطينية مجاورة.
ولا يزال، بعد نحو 48 سنة من الاحتلال، يخيل أن المراقب من الخارج وحده سيستوعب ما يستقبل بلامبالاة في الجيش الاسرائيلي. فواجب القادة جمع المعلومات وتدريب رجالهم تمهيدا لإمكانية معقولة من المواجهة القريبة. ولكن حتى في اطار المناورة، دون حاجة امنية فورية فإن السكان الفلسطينيين هم أناس لم يسألهم احد عن رغبتهم في المشاركة في هذه البروفة. منازلهم هي هدف لزيارة ليلية، تمشيطات واستيقاظ عائلي اكراهي مبكر. والسلطة الفلسطينية هي قشرة قابلة للاختراق. في افضل الاحوال، يمكنها أن تحافظ على النظام وتحمي مواطني الضفة من مظاهر الفوضى. اما عندما يدخل الجيش الاسرائيلي فتتنحى السلطة جانبا ويبقى المواطن وحده. قبل وقت قصير من بدء المناورة تحدث قائد اللواء الاسرائيلي مع نظيره الفلسطيني هاتفيا وأبلغه بدخول القوات. أفراد الشرطة الفلسطينيون، حسب الاجراء المقرر مسبقا، والذي يتبع ايضا في الحملات الحقيقية لاعتقال المطلوبين، أمرهم قادتهم بالبقاء داخل المعسكرات ومحطات الشرطة.
في الساعة الثالثة قبل الفجر، في الساعة التي يخشى فيها رؤساء الوزراء من المكالمات الهاتفية مع البشائر السيئة، تنتهي المرحلة الاولى من المناورة. وتكون قوات اللواء استكملت تحقيق الاهداف. كما أن باقي الليل ستجتازه دون احداث دراماتيكية خاصة. الاحداث التي تم التبليغ عنها في أجهزة الاتصال – رشق زجاجات حارقة، نار قناصة، محاولة القيام بعملية من قبل «مخرب انتحاري» – لا تخرج عن نطاق السيناريوهات التي كونتها مديرية المناورة. وبعد وقت قصير ستبدأ بيرزيت بالاستيقاظ، استعدادا ليوم عمل آخر. نحو 160 الف فلسطيني من الضفة، بينهم نحو 40 الف ماكث غير قانوني، يرتزقون من العمل داخل الخط الاخضر، في المستوطنات وفي المناطق الصناعية الاسرائيلية في الضفة. ومؤخرا اضاف جهاز الامن 10 آلاف تصريح عمل آخر للمساعدة في مواجهة الضرر الاقتصادي الذي خلقه تجميد اموال الضرائب. وفضلا عن ذلك فإن احدا ما ينبغي له أن يواصل ليبني المستوطنات.

عن «هآرتس»