علّمتني إسرائيل أن قتل الفلسطينيين من أجل الثأر والردع.. جدير بالمغفرة

20161204211955
حجم الخط

فاجأ التأييد الواسع للجندي مطلق النار على رأس حامل السكين من الخليل الكثيرين وهزهم. من بين مؤيديه، هناك من يشرحون موقفهم بان الشاب، «ابننا جميعنا»، هو ضحية وضع محبط وممزق للأعصاب. وهو جدير بتشجيعنا، حتى لو كان اخطأ، وترك نزعة الثأر تسيطر عليه. ويبرر آخرون مجرد فعلته ويرون فيها مأثرة جديرة بالاقتداء. هكذا، برأيهم، يجب التصرف لمنع اقل خطر ومن أجل ان يرى الآخرون كي يخافوا. فالفلسطينيون المشحونون بالكراهية تعلموا كيف يستغلون ثباتنا الاخلاقي، ويجب ان نوضح لهم بان هناك حدوداً لتسامحنا. أما أنا فقد فوجئت من المفاجأة، إذ إن الدولة، من خلال بضع حالات تأسيسية للوعي، علمتنا بان قتل الفلسطينيين لاغراض الثأر والردع هو فعل يلقى التفهم وجدير بالمغفرة. والتفسيرات التي وجدتها للعجب والصدمة هي ضعف ذاكرة بني البشر والصعوبة في فهم آثار حدث ما على حدث آخر، يحصل بعده ببضع عشرات من السنين. ولما كان هكذا، فيجب انعاش الذاكرة. من بين عشرات الحالات سأطرح حالتين. في كلتيهما لم يكن المنفذون جنودا شبابا، متحمسين، تعبين من الخدمة المضنية، بل مواطنون مدربون عسكريا يخططون لافعالهم بعناية، يخفون نواياهم، يعملون ككل تنظيم سري جدي ويطورون ايديولوجيا ناعمة لسلوكهم. الحالة الاولى تسمى قضية «التنظيم السري اليهودي»، الذي ترأسه مناحيم لفني وكان بين الـ 15 من اعضائه الذين ادينوا في المحكمة بعض البارزين في قيادة الاستيطان في «المناطق». في بداية الثمانينيات قتلت هذه العصبة ثلاثة طلاب فلسطينيين، جرحت عشرات، اغتالت ثلاثة رؤساء بلديات، وخططت لتفجير المساجد في الحرم و5 باصات. ثلاثة حكموا بالسجن المؤبد، ولكن الرئيس هرتسوغ عفا عنهم، وأي منهم لم يمضِ في السجن أكثر من سبع سنوات. وعلى العريضة التي دعت الى تحريرهم وقع 300 الف شخص، وكما تبين في الاستطلاع أيدها ما لا يقل عن 73 في المئة من المواطنين. هذا معدل اعلى من معدل المؤيدين للجندي مطلق النار. الحالة الثانية، هي التي تسمى «قضية خط 300». فبأمر من رئيس المخابرات، حطم اثنان من مرؤوسيه الكبار رأسي «مخربين» اثنين عديمي الحيلة سيطرا على الباص وأسرا. رئيسا الوزراء شامير وبيريس تلويا؛ المستشار القانوني اسحق شامير، الذي طالب بتقديم القاتلين وقائدهما الى المحاكمة، اقيل من منصبه؛ الرئيس، الذي كان هذه المرة ايضا حاييم هرتسوغ عفا عنهم قبل المحاكمة، والاغلبية الساحقة من الشعب ايدت قراره. القرارات القادمة في قضيتين بارزتين جدا تأثرت بالرأي العام وكرد فعل عليه تأثروا به. فقد ضموا صوتهم المسؤول لصوت الجمهور وختموا بختم الحلال الرسمي أفعال القتل. منذئذ مرت 30 سنة، وهكذا تقريبا نتصرف الآن ايضا. من المشكوك فيه أن الجندي مطلق النار، الشاب الذي ولد بعد عقد من هاتين القضيتين، يعرف عنهما شيئا ما، وبالتأكيد ليس واعيا لحقيقة ان العيار في بندقيته شحن في حينه. وبالنسبة لمصيره الشخصي، فلا داعي ليخاف أكثر مما ينبغي. فاذا تبين أنه تصرف على نحو غير لائق، فسيوجد في القانون مادة مخففة. واذا ما حسم مصيره سلبا، فسيفرض عليه عقاب هو أخف العقوبات؛ واذا ما سجن، فانه سينال العفو العاجل وعند خروجه سيستقبل بالهتافات المحفوظة للابطال. سيضطر القضاة ليقيسوا جريمته بمقياس تقرر قبل 30 سنة، وعليه فلن يتجرؤوا على التشدد معه أكثر مما تشددوا مع رجال عصابات الارهاب اليهودية التي قتلت وجرحت فلسطينيين بالجملة ومع رجال امن كبار حطموا، بالصلاحيات وبالأذون، رأسي رجلين جريحين ومكبلين.