قال روني شكيد، في تقرير كتبه لصحيفة "يديعوت احرونوت" انه في العام 1986، في اواخر ايام خدمته كرئيس للإدارة المدنية في غزة، قدم العميد شايكا ايرز، تقريرا ضخما الى الجهاز الأمني والقيادة السياسية حمل عنوان "غزة 2000". وقد رسم التقرير الصورة الاجتماعية – الاقتصادية – السياسية والأمنية لغزة في مطلع القرن الحادي والعشرين. واتضح لاحقا، ان التقرير توقع بشكل شبه دقيق، الواقع في غزة بعد 15 سنة من عام 2000. هذا التقرير كان موضوعا بشكل دائم على طاولة رئيس الحكومة يتسحاق رابين، وتحول لاحقا الى محفز لخطة "غزة اولا" التي تحولت بسبب التعنت الفلسطيني الى "غزة وأريحا اولا"، وشكلت المرحلة الأولى من تطبيق اتفاقيات اوسلو.
الانسحاب من غزة الذي قاده رئيس الحكومة اريئيل شارون، من منطلق مصلحة اسرائيلية مبررة، اوقعنا في وهم الانفصال عن القطاع. لكنه في امتحان الواقع، لم تنفصل غزة عنا. رغم الأنفاق وقنوات التهريب، فانه من دون اسرائيل ما كانت غزة ستحظى بالوجود. لكن في الوقت الذي تواصل فيه اسرائيل لعب دور مركزي في الملعب الغزي، الا انها لا تملك استراتيجية في الموضوع. انها ترى غزة فقط عبر المكعب الامني – العسكري، وتقريبا لا يوجد أي تفكير بديل باستثناء ذلك.
الواقع في غزة على شفا الكارثة: الكهرباء تصل الى البيوت لمدة ثماني ساعات يوميا؛ حوالي 90% من المياه غير صالحة للشرب؛ حوالي 80% من المجاري تصب في البحر وتنجرف شمالا نحو شواطئنا، وقريبا ستلوث مجمع المياه في اشكلون؛ 44% من الغزيين عاطلون عن العمل، 39% يعيشون تحت خط الفقر العالمي (أقل من دولار واحد لليوم)، 72% من البيوت تعاني من نقص الأمن الغذائي، و80% تتلقى مساعدات انسانية. 75 الف مهجر، خاصة بفعل هدم بيوتهم في "الجرف الصامد". لقد حدد خبراء الأمم المتحدة انه في سنة 2020 لن تكون غزة مكانا ملائما للعيش. ورئيس شعبة الاستخبارات الذي اعتمد على تقرير الأمم المتحدة حذر من الأبعاد الأمنية لهذا الوضع.
على خلفية هذه التوقعات السوداوية، تجري حاليا في معهد ترومان في الجامعة العبرية، مؤتمرات اكاديمية بمشاركة اسرائيليين وفلسطينيين واوروبيين بهدف عرض بديل لتغيير الوضع الاقتصادي والاجتماعي في غزة. حدوث تغيير في هذه المجالات سيسرع توجه انفصال غزة عن اذرع ايران، وسيساعد، بشكل غير مباشر، على تحسين أمن اسرائيل. في ضوء المعطيات الخطيرة يجب اعداد تقرير "غزة 2025". ومن دون أي شك سيشير التقرير الى منحدر سيقود الى كارثة اذا لم يتم القيام بعمل جدي.
لكنه اليوم، وبشكل اكبر من الماضي، يمكن الحصول على دعم عربي ودولي لتغيير الوضع في غزة. فمثلا، المحادثات مع تركيا، تشكل فرصة ذهبية لإصابة عصفورين بحجر واحد: تحقيق استئناف العلاقات مع تركيا، وتجنيدها لتغيير الواقع في غزة. ويشترط تسخين العلاقات من قبل الأتراك برفع الحصار وتزويد الكهرباء بواسطة محطات طاقة ستحملها سفن تركية. حل مشكلة الكهرباء لا يرتبط بمشاكل امنية، وانما بالنوايا الحسنة فقط. ومن الممكن ايضا ان تقوم تركيا بدعم مشاريع اقتصادية أخرى في القطاع، بما في ذلك اقامة مطار ومناطق صناعية مترامية الاطراف بإشراف تركي.
هكذا الأمر أيضا، بواسطة مصر والسعودية التي تعمقت العلاقات بينهما مؤخرا. يمكن العمل من اجل اخراج حماس من دائرة التأثير الايراني وخلق توازن قوى جديد. هذه اعمال ستحسن اوضاع الغزيين، وبشكل لا يقل عن ذلك اوضاع إسرائيل وامنها. مثل هذا التطوير الاقتصادي سيقود الى علاقات ايجابية، تمليها مصالح كل جانب، وستجعل جولة الحرب القادمة أقل شأنا.
يجب ان لا نقع في الوهم. طالما لم يتغير الوضع الاجتماعي – الاقتصادي في غزة، ولا يستعيد سكان القطاع شيئا من الأمل، يمكن لحماس جرنا الى جولة حرب اخرى في القريب، في محاولة لتخليص غزة من الحصار. لقد شهدنا عملية "الرصاص المسكوب" في 2009، و"عامود السحاب" في 2012، و"الجرف الصامد" في 2014. ويمكن لحدوث تغيير دراماتيكي فقط منع او على الأقل تأخير العملية العسكرية القادمة.