لا شك أن الأيام الصعبة التي يواجهها "الإخوان المسلمون" في الأردن متجهة نحو المزيد من التعقيد والمواجهات؛ حيث تنتقل المواجهات من المستوى الداخلي بعد سلسلة الانقسامات الأخيرة، إلى المواجهة مجددا مع السلطة التنفيذية للدولة، الأمر الذي تمثل في إغلاق مقرهم الرئيس الأسبوع الماضي، والمضي في إغلاق المقرات الفرعية في المحافظات، بالتزامن مع خسارتهم في انتخابات نقابة المعلمين التي طالما عدوها -باعتبارهم حركة دعوية سياسية- درة النقابات.
لا يمكن تلخيص تاريخ الصراع الداخلي في أوساط الجماعة، ولا تاريخ صراعاتها وتحالفاتها مع الدولة بعجالة. لكن الذي يمكن قوله هو أن الجماعة لم تخسر كل شيء، وما يزال لديها الفرصة للمناورة السياسية والمجتمعية، إنما بشرط المناورة السياسية العاقلة والرشيدة؛ لاستعادة مكانتها السياسية ودورها، وفق شروط التطور السياسي والاجتماعي للدولة والمجتمع في الأردن، والذي يعني في القراءة الأولى أن الأردن في العقد الثاني من الألفية الجديدة ليس هو الأردن الذي استيقظ عليه الإخوان بقوة في العام 1989.
وسط هذا المشهد المعقد، يبرز سؤال عميق حول المصلحة الوطنية في كل من: الاستمرار في تراجع مكانة ودور الجماعة؛ سحق الجماعة وكتابة نهايتها بالمزيد من الضربات الرسمية والانقسامات الداخلية. في المقابل، ما هي المصلحة الوطنية في منح الجماعة فرصة لإعادة ترتيب أوراقها وإصلاح بيتها الداخلي وتعبيراتها وسلوكها السياسي والاجتماعي؛ بمعنى إعادة تأهيلها سياسيا واجتماعيا وفق الأطر القانونية والسياسة الأردنية؟
في المجمل، الكثير من أوراق اللعبة هذه المرة في يد الجماعة، وهي القادرة على تحديد خياراتها التي في ضوئها سوف تشكل مصفوفة ردود أفعال من الدولة والمجتمع. وبالتالي، فإن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة وتاريخية في عمر هذه الحركة؛ إما أن تتبنى خيار التكيف وتجاوز الأزمة المركبة، أو أن تعمد إلى خيار النهاية الناعمة التي قد تحتاج عمليا إلى سنوات في الأخذ والرد والمد والجزر، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، على طريقة لغة "رص الصفوف" التي استخدمتها قيادات في الجماعة في أول رد على إغلاق المقرات، والتي تعني استمرار التصعيد والمزيد من الانقسامات.
لا توجد مصلحة وطنية حقيقية في سحق الجماعة أو رسم نهاية ناعمة لها، مقابل إنتاج حركة سياسية إسلامية أخرى؛ سواء حملت اسم "الإخوان" أو غيره، وسواء حملت تراثهم أو رفضته. هناك تيارات داخل الدولة تعتقد أن هناك مصلحة وطنية في إضعاف هذه الجماعة في المرحلة الحالية، لكن لم يصل الأمر حد إنهاء دورها وإخراجها من المشهد السياسي كما فعلت دول أخرى، وذلك لاعتبارات اجتماعية وديمقراطية قبل أي اعتبار قانوني.
المصلحة الوطنية التي يجب أن تلتقطها الجماعة قبل غيرها، تتمثل في البحث سريعا عن نموذجها في إعادة التأهيل، قبل أن تجد نفسها مجبرة على الالتزام بنموذج أعد لها، وما عليها إلا أن تلبسه. وهذا النموذج الذي يتطلع إليه المجتمع الأردني قبل الدولة، يتمثل في توطين خطاب الجماعة وأجندتها السياسية، والالتزام الفلسفي والفكري بقيم الدولة المدنية والديمقراطية.
على الجماعة والدولة النظر إلى حجم المصلحة الوطنية التي قد تتحقق لو استطاعت الجماعة، وتحديدا من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي، إعادة تأهيل نفسها، وقدمت نموذجا أردنيا جديدا ومختلفا؛ نموذجا أكثر رشدا وعقلانية وقدرة على ممارسة السياسة بأدوات السياسة لا بأدوات الدين.
عن الغد الاردنية