تبدو السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها، غارقة في شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنشغلة عن فلسطينيي الخارج وبالذات منهم من يعيشون في الدول العربية. لا نتحدث هنا عن الولاية السياسية للسلطة باعتبارها تتبع منظمة التحرير الفلسطينية، لكن عن الشأن المعيشي وما يتّصل به من قضايا العمل والتوظيف، التي نعرف أن مساحتها أضيق من أن تسمح للسلطة بتأمين الوظائف للعمالة المتزايدة يوماً بعد يوم.
ذلك مفهوم ويعرفه الجميع، وهو فوق طاقات السلطة الفلسطينية وميزانيتها المتقطعة التي تقدمها الدول المانحة، لكن توظيف فلسطينيي الخارج يبقى على رغم ذلك ضمن مسؤولية السلطة، أو بدقة أكبر مسؤولية منظمة التحرير باعتبارها أولاً الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وثانياً، تملك علاقات سياسية وديبلوماسية مع الدول العربية كافة، وبالذات تلك التي تحتاج في صورة دائمة الى العمالة الوافدة، والتي اعتاد الفلسطينيون العمل فيها منذ عقود طويلة بعد نكبة 1948.
نعرف أن تشغيل العمالة الفلسطينية في هذه الدول ليس مسألة إدارية وحسب، بقدر ما تتشابك مع الشأن السياسي وتؤثر فيها سياسات تلك الدول تجاه الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية بكل تعقيداتها وملابساتها وتفاصيلها، لكن المسألة تبقى على رغم ذلك كله معضلة تستحق البحث عن حلول وتستحق بذل جهود كبرى لفتح ثغرات في الجدار المغلق اليوم أمام الكفاءات الفلسطينية، خصوصاً من الأجيال الشابة.
يمكن في هذا المجال بذل جهود حثيثة وحقيقية مع الدول التي يقيم فيها الفلسطينيون، كما مع الدول الغنية القادرة التي تحتاج الى العمالة، لكن نفترض بالضرورة طرح المسألة في الجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة، في محاولة لجعل المسألة قضية عربية تستند إلى قرارات واضحة، والأهم من ذلك قابلة للتنفيذ.
مأزق السلطة الفلسطينية في هذا المجال أنها تعتمد في شكل كلي في تعاملاتها على العلاقات مع الدول العربية، انطلاقاً من الموضوع السياسي باعتباره الموضوع الوحيد. مهم ذلك بالطبع، لأنه يعني بالضبط شؤون قضية فلسطين الوطنية، غير أن القضية الوطنية ذاتها ومهما بلغت أهميتها في وعي الفلسطينيين شعباً وقيادة، لا يجوز أن تكون مبرراً للقفز عن الأوضاع المعيشية اليومية لأصحاب القضية، والذين هم من يكتوون بنارها، ومن حقهم أن تعمل قيادتهم على التخفيف من أعبائها عليهم. ذلك يعني أن تباشر قيادة السلطة الفلسطينية برنامج سعي حثيث من أجل تشغيل الفلسطينيين في البلدان العربية بل في بلدان العالم الأخرى.
نعرف أنها ليست مسألة سهلة، وأن الدروب أمامها ليست مفتوحة، وأن قضايا التشغيل لا يمكن عزلها عن التباسات وحساسيات سياسية لا تحصى، لكننا نؤمن على رغم ذلك بأنها مسألة ممكنة تستحق السعي الدؤوب لتحقيقها، أو على الأقل تحقيق اختراقات ملموسة فيها.
ذلك لا يعني إهمال الجوانب التنموية المختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو حتى النكوص عن فكرة إنشاء مشروعات اقتصادية صغيرة ومتوسطة في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في البلدان العربية، خصوصاً أن نسبة كبرى من أبناء المخيمات الفلسطينية تعيش حالات مختلفة من البطالة، وكثر منهم يحملون شهادات جامعية ولديهم خبرات في مجالات تخصّصهم.
عن الحياة اللندينة