باتَ يُنسَبُ إلى ساكتٍ خيرُ القول وأفضله، بل بات الصمت الجليل يرجّ بتصاديه كلّ الجهات، وصار الكلام في حضرة الصمت الرسوليّ محضَ ثرثرةٍ أو رغاء مكرور.
ولعله يتكئ على صمتِه النافذ الموّار، بعلوّ تماسكه الفذّ! إنه الأسير سامي جنازره ، إبن مخيّم الفوّار ، الذي يقدّ يومه الرابع والخمسين في إضرابه المتواصل عن الذلّ والاستلاب .
جنازره الذي زجّت به يَدُ الظلام الآثمة في زنازين عزل سجن النقب، واهمةً أن عزله سيحجب عن وريد البلاد إيقاع قلبه المنتفض!
قد أضاف للأسطورة فصلا جديدا من فصول الارادة الصلبة، أسطورة الفلسطيني الذي يرصفُ بالحجر طريق عودته، وبالسكّين يحرسها، وبجوعه يقرع أجراس صلواته المؤجّلة.
معتقل كتسيعوت أو النقب، والذي أسميناه " أنصار ٣ " فأضفينا على قسوة عزلته وصحراويته هالة الأمل الحتمية ، وفي تذكير واضح المعنى للسجان المرتبكِ أيام معتقل أنصار ١بجنوب لبنان، وعملية النجاة الكبرى ، ومآل ذلك المعتقل الذي انغلق مع خروج الغزو بكل ثيابه الحديدية الممزّقة.
إن هذه البلاد التي تمنحُ وليدها إسمَ شهيدها فتؤكّد بقاءه، انما تكتب غدها شبلاً وزهرةً.. وتسير بخطوات راسخة صوب انعتاقها من ثِقَل الرطوبة وعتمات القيود والأغلال ، ولا ييأس أبناؤها ولا يترددون لاعتلاء صهوة الإضراب حتى يطلقون الصهيل في براري الحرية ومروج الخلاص، بل يُقدّمون ، بلا تردد، أجسادهم ذخيرة حيّة في سبيل الكرامة المُشتهى.
سامي جنازرة ، اسم جديد لفلسطين ، يدخل يومه الرابع والخمسين بماءٍ وملح، ويستمر إلى حين رحيل العتمة، فيسجّل اسمه إلى جانب تلك الأسماء المرصوفة حول الشمس ، والتي وشمتها الحركة الأسيرة بأعمارها على فضاء الارادة العارفة ، حتى القدس والعودة والحياة .