قمة الحزم في شرم الشيخ !

تنزيل
حجم الخط

ربما كان من حسن حظ القمة العربية السادسة والعشرين، أن موعد انعقادها قد جاء بعد ثلاثة أيام فقط من بدء التحالف العربي / الإسلامي عمليته العسكرية التي أطلق عليها اسم «عاصفة الحزم» نسبة إلى مصطلح يحتفظ به العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عن الراحل أبيه مؤسس المملكة العربية السعودية، التي ما زالت منذ تأسيسها، وعلى مدار العقود السبعة الماضية، أي منذ تأسيس جامعة الدول العربية واحدة من ركائز الأمة العربية، بغض النظر عمن يختلف أو يتفق مع سياساتها الداخلية، الإقليمية أو الدولية بالجملة أو بشكل عام.
نقول انه ربما كان من حظ القمة أنها انعقدت بعد انطلاق تلك العملية العسكرية التي جاءت لتضع حدا لعربدة جماعة الحوثي في اليمن، التي انطلقت منذ عدة شهور لتجتاح الأخضر واليابس بفضل قوتها العسكرية، مستغلة ما يحدث في البلاد من خلافات وافتراقات وحتى من مشاكل اقتصادية، سياسية واجتماعية متراكمة ومتوارثة على مدار العقود الماضية، خلال حكم الفرد المستبد الفاسد، والذي كان عنوانه حليف الحوثي في حرب فرض إرادة الأقلية على الأغلبية، وفرض إرادة القوة العسكرية على إرادة القوة السياسية وإرادة البعض على الكل .
لقد شكل رد الفعل على عاصفة الحزم خلال الأيام الماضية واحدة من المرات القليلة التي يتوافق فيها المستوى الشعبي العربي مع المستوى الرسمي، فقد رحبت جموع الشعوب العربية، كذلك الغالبية الساحقة من الدول العربية والإسلامية، من المغرب إلى البحرين ومن تركيا إلى باكستان، والأسباب لا تخفى على الشعوب والمجاميع الشعبية المختلفة، بعد أن جعلت الأحداث المتلاحقة في المنطقة العربية خلال السنوات العشر الماضية، أي منذ احتلال العراق وحتى الآن، من الشعوب العربية متابعا جيدا للأحداث السياسية، وجعلت منها أقل عرضة للخداع خاصة من قبل بعض متشدقي السياسة، ممن يطلقون صواريخ الكلام الفارغة، ضد أعداء الأمة العربية، وهم في حقيقتهم، حلفاء طبيعيون لهؤلاء الأعداء . 
المهم، أن احد أهم أسباب تعاطف وتأييد الأغلبية الشعبية، كذلك الأغلبية الرسمية العربية والإسلامية لتلك العملية، هو الشكل والتوقيت اللذان جاءت عليهما، فالتوقيت جاء بعد أن ظهر أن الحوثي يستعرض قوته، ولم يكتف باحتلال العاصمة صنعاء، بل أصر على طي صفحة الحل السياسي المتابع من الأمم المتحدة، وعلى اللجوء للقوة لفرض إرادته بعد أن أجبر الرئيس عبد ربه منصور هادي على الاستقالة في وقت سابق، ومن ثم تشكيل مجلس عسكري من الجماعة لإدارة شؤون البلاد، وفق أهوائها، وقد زاد الطين بلة، تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين، ومنهم مستشار الرئيس حسن روحاني، التي قال فيها بأن اليمن خامس دولة عربية تخضع لسيطرة إيران، وان إيران تفكر في إعادة الإمبراطورية الساسانية وعاصمتها المدائن، وهذا يتوج تدخل إيران السافر في العراق وسورية ولبنان، لصالح تعزيز نفوذ وحكم الشيعة من المسلمين الذين يدينون بالمذهب الذي يدين به معظم سكان إيران. أما الشكل فهو أن التحالف اقتصر على الدول العربية ( الخليجية الخمس : السعودية، الكويت، قطر، البحرين والأمارات ) ثم الأردن والمغرب، مصر والسودان وباكستان، أي أنه كان من حسن حظها أن دول الغرب ( أميركا وحلفاؤها ليست مهتمة بالشأن اليمني) وإلا لظهر العرب كتابعين لواشنطن، كما حدث في حفر الباطن 1991، واحتلال العراق عام 2003، وكذلك في محاربة «داعش» الآن. 
الأهم، أن قرار تشكيل هذا التحالف العربي / الإسلامي، الذي أيدته أيضا بوضوح تركيا، قد فتح الباب واسعا لجمع شمل العرب، خاصة على صعيد القوة، فمنذ حرب فلسطين عام 1948 لم تشارك جيوش نحو عشر دول عربية في حرب واحدة، وبالتحديد جعل من فكرة الرئيس المصري تشكيل قوة تدخل عربي وصولا إلى إقامة الجيش العربي كأحد عناوين وبوابات توحيد العرب، فكرة قابلة للتنفيذ، بل جعل من القمة مناسبة للحديث الجدي عن هذا الأمر، ورغم أن قادة أهم دولتين عربيتين، بتحالفهما تجعلان أمام العرب من الخيار القومي، بديلا عن احد خيارات التحالف الإقليمي مع إيران أو تركيا بما يذكر بأيام المناذرة والغساسنة، قبل معركة ذي قار، ونقصد بهما كلا من الملك سلمان والرئيس عبد الفتاح السيسي، يحضران القمة لأول مرة، إلا أن عاصفة الحزم، رفعت هامتهما، وعززت مكانتيهما الاقليمية والدولية . 
كان يمكن إذن أن تمر مناسبة القمة في شرم الشيخ كسابقاتها، مجرد مناسبة سياحية أو فرصة للتعارف بين الملوك والأمراء والرؤساء العرب، خاصة اولئك الذين يحضرون القمة لأول مرة، لولا أن جاءت على وقع الإعلان عن التحالف العربي، والذي باتت منوطة به مهمات جسام، نظن أن أكثر من طرف إقليمي وحتى دولي بات يحسب له ألف حساب، خاصة إسرائيل، التي من الطبيعي أن ترى طائرات التحالف تقصف اليوم جماعة الحوثيين، فتراها تقصف مواقع الاحتلال الإسرائيلي في المستقبل، لذا لا بد من الحذر، ومن مطالبة النظام العربي، الذي بدأ يتشكل ضمن سياق ربيع عربي / شعبي ما زالت مفاعيله متواصلة، أن يواصل الدفاع عن مصالح وطموحات الأمة العربية في غير مكان وزمان !