عرس انتخابي ديمقراطي في جامعة بيرزيت

bd8644285c1f024438cac2fdcfeadafd
حجم الخط

في زمن غاب فيه الفرح إلا ما ندر، في زمن جاف يخلو من الإنجازات إلا ما ندر، في زمن يمتلئ بالإحباطات والخيبات إلا ما ندر من إنجازات، في هذا الزمن هبت نسمة من الفرح. جاءت النسمة من جامعة بيرزيت أقدم الجامعات الفلسطينية وأكثرها عراقة وأكاديمية وأجواء إيجابية وعلاقات صحية، يتسم الطابع السائد فيها بالمدنية والمساواة. يزيد من جرعة الفرح أن الانتخابات بشكل عام لم تصبح لدينا عادة تعيش معنا وفينا كواحدة من عاداتنا الأصيلة، وأن شوقنا عارم إلى تكريسها وممارستها بشكل دوري على مستوى هيئاتنا التشريعية بالدرجة الأولى ثم على الهيئات والمؤسسات الشعبية والنقابية، وذلك في عودة حميدة ودورية إلى الناس تحسم الخيارات وتقرر بين المتنافسين من ترتضيه لقيادتها ومن تلقي على أكتافه المسؤولية، وفي ممارسة طبيعية لحق مطلق من حقوقها يجب أن يصان ويمارس وأن ينصاع له الجميع. انتخابات طلبة جامعة بيرزيت جاءت ديمقراطية نزيهة ولم يقدم أي طعن فيها، وتمت في أجواء إيجابية دون مشاكل تذكر، وتم توفير حق المشاركة المتساوية لجميع القوى والاتجاهات السياسية والتي لم تعلن أي منها المقاطعة، وعلى هذا، الشكر والتقدير للهيئة التدريسية والإدارية لجامعة بيرزيت ولجموع الطلبة فيها. سبق يوم الاقتراع نشاط دعائي من جميع القوائم المشاركة ومناظرات بين ممثلين عنها سادها كلها جو الديمقراطية والتحلي بالمسؤولية. نسبة المشاركة في عملية الاقتراع وصلت إلى 76% وهي نسبة عالية بكل المقاييس، أما نسبة الأوراق الملغاة فتكاد لا تذكر(3.1%). نسبة مشاركة الفتيات وأدوارهن كانت عالية بشكل لافت في جميع المراحل والاستعدادات والنشاطات والمناظرات حتى الوصول إلى لحظة الاقتراع، وهو أمر يحسب لجامعة بيرزيت وهيئتها التدريسية والإدارية ولجموع طلبتها. نتائج عملية الاقتراع الصحيحة أعطت ثلاث قراءات مهمة على مستوى الجامعة ذاتها: الأولي، عدم تمكن أي تنظيم وطني من السيطرة المنفردة على طلاب الجامعة. والثانية، أن القاعدة الطلابية منقسمة أساساً بين تنظيمي حماس (49%) وفتح (41%) وهي نسب متقاربة وقريبة من نسب انتخابات العام الماضي إلى حد كبير.(ليس شرطاً أن تسحب هذه النسبة نفسها لتعبر عن توازن حجوم القاعدة الشعبية والانتخابية بين التنظيمين بشكل عام، فشريحة الطلاب في المجتمع لها خصائصها المختلفة والمتميزة). والثالثة، هي أن حضور قوى اليسار أو القوى الأخرى، بتعبير أوسع، وثقلها الانتخابي في القاعدة الطلابية ضعيف جداً بشكل عام ويكاد يكون معدوماً لبعضها كما تقول صناديق الاقتراع. قائمة الجبهة الشعبية (القطب) كانت الوحيدة من قوى اليسار التي نجحت بالدخول إلى مجلس الـ51 بخمسة أعضاء بعدما حصلت على نسبة 9.18% من الأصوات وهو نفس حجم مشاركتها بالمجلس في السنة الماضية. لكن الجبهة الشعبية نفسها كانت لسنوات عدة القطب الطلابي الأول أو الثاني في الجامعة ووصلت إلى رئاسة مجلس الطلبة فيها أكثر من مرة عبر صناديق الاقتراع. القوى الثلاث الباقية والتي شاركت كل منها بالانتخابات بقوائم مستقلة حصلت على (28-68-173 صوتاً) ونسبة أصواتهم مجتمعين كانت 3.7% من مجموع الأصوات. ألم يكن أكرم لهذه القوى لو ائتلفت مع أي من القوى الثلاثة الأولى بدلاً من الحصول على هذه النتائج الهزيلة، خصوصاً مع وجود مشتركات تشجع على الائتلاف وإمكانيات لتحقيقه، ومع افتراض أن كل قوة قادرة على تقدير حجمها الانتخابي بدرجة معقولة من الواقعية والدقة، وإلا فإنها تجامل نفسها أو تعيش الوهم أو أسيرة وعود غير صادقة. نتائج الانتخابات جعلت من قائمة الجبهة الشعبية (القطب) بيضة القبان التي تؤّمن أغلبية النصف +1 (26 مندوباً) بانحياز أعضائها الخمسة في مجلس الـ51 لأي من قائمتي حماس (25 مندوباً) أو فتح (21 مندوباً)، وهو موقف لا تحسد عليه إذا ما وصلت الأمور إلى حال الفصل والانفرادية. لكن غنى التجربة يدفع إلى الشك بالوصول إلى هذا الحال، ويؤشر إلى توفر إمكانات واقعية لعمل جماعي على قاعدة المشتركات الكثيرة المتوفرة: إن على المستوى الوطني وإن على المستوى التعبوي والنقابي؛ دفاعاً عن مصالح جموع الطلبة دون تمييز ومطالبهم المحقة. النجاح المتكرر الموصوف لتجربة الانتخابات في جامعة بيرزيت والتجارب في جامعات ومعاهد أخرى بالضفة الغربية بالذات، يطرح السؤال الأهم: ما دمنا قادرين ومؤهلين للنجاح في هذه التجارب، لماذا نخاف الانتخابات بشكل عام؟ ولماذا نتجنبها؟ ولماذا لا نكرسها حكماً شعبياً يفصل بين برامجنا وسياساتنا وتوجهاتنا ومواقفنا وتشريعاتنا، وقياداتنا أيضاً، وعلى كل المستويات الوطنية والشعبية والنقابية؟ لماذا لم تجر انتخابات تشريعية منذ أكثر من عشر سنوات أم إن البعض لا يرى فيها أكثر من سلّم يجربه فإذا أوصله إلى "السدّة" يكسره؟ لماذا- ونحن في حضرة انتخابات نقابية وطلابية - لا تجري الانتخابات في جامعات قطاع غزة بشكل دوري ومنتظم؟ ولماذا لم تجر معظم الاتحادات الشعبية والنقابية انتخابات تعقد على أساسها مؤتمرات تجدد فيها نفسها: إن على مستوى البرامج أو على مستوى الأوضاع والعلاقات الداخلية فيها وبالفروع أو على مستوى هيئاتها القيادية التي تكلست في مواقعها وفقدت صلاحيتها، ووصل بعضها إلى حال كاريكاتورية؟ الانتخابات النزيهة، هي مفتاح أساس للخروج من واقع الجمود وعدم التجدد الذي نعيشه على كل المستويات. ويا حبذا لو كانت بنظام التمثيل النسبي الكامل الذي يفسح المجال لمشاركة كل من له وزن ولو بالحد الأدنى.