منذ أكثر من عام تحول السؤال بشأن الحل المناسب للقضية الفلسطينية إلى سؤال استراتيجي « حائر » يبحث عن إجابة وسط حالة من الجمود والركود في المشهد الفلسطيني – الإسرائيلي ، فمصطلح «حل الدولتين» القديم الجديد الذي وصل ذروة التداول السياسي بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993 حتى الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001 ، بات اليوم مصطلحا يبحث عن « واقعيته » ومدى إمكانية تطبيقه على معادلة الصراع « المجمد » الفلسطيني – الإسرائيلي ، فلا الإسرائيليون اليوم باتوا متمسكين به ، ولا الفلسطينيون باتوا مقتنعين بأنه قادر على جلب استقلالهم.
فهل نفض الطرفان أيديهم منه ؟
وما هي البدائل المتاحة على طاولة البحث والتمحيص بشان « أم القضايا » على مستوى التاريخ الحديث ، وبشان آخر استعمار فيه ؟
العقل السياسي الإسرائيلي هو الأكثر اهتماما في البحث عن الإجابة ، وهي مفارقة محزنة لأنه من الناحية العملية هو الطرف غير المأزوم... يملك القوة ، ويملك السيطرة على الأرض ، ويحظى باعتراف دولي بل وبدلال دولي ، فيما العقل السياسي العربي والفلسطيني توقفا تماما من البحث عن البدائل منذ عام 2002 بعد إطلاق مبادرة السلام العربية التي أجُهضت بعد ساعات من إطلاقها في القمة العربية ببيروت بعد أن رد عليها ارييل شارون بعملية « السور الواقي» واحتلاله الضفة الغربية ومحاصرة مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
في مؤتمر سابان للسياسات الذي عقد أواخر العام الماضي في واشنطن بحضور وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون وجون كيري وزير الخارجية الاميركي وسابقته بالمنصب هيلاري كلينتون وشخصيات أمنية إسرائيلية وبحضور متلفز لنتنياهو من القدس كان هناك طرحان بشان شكل الحل للقضية الفلسطينية :
الأول كان أميركيا عبرا عنه كيري وكلينتون وهو لا يرى بديلا لحل الدولتين.
أما الثاني فكان إسرائيليا مثله نتنياهو تحدث فيه عن دولة فلسطينية مشروطة بالشروط التالية :
أ: دولة منزوعة السلاح ومقيدة في علاقاتها الخارجية بما لا يشكل خطراً على إسرائيل.
ب: على الدولة الفلسطينية الاعتراف بيهودية الدولة العبرية.
مع تجاهل متعمد و»ملغوم» لقضايا المستوطنات والحدود والقدس وكلها قضايا إشكالية للغاية وحساسة للغاية أيضاً.
أما اخطر ما قيل في التعليق على طروحات حل الدولتين في مؤتمر سابان فكان على لسان هنري كيسنجر الذي قال: إنه لا حاجة لإيجاد دولة فاشلة جديدة في الشرق الأوسط «يقصد الدولة الفلسطينية العتيدة»، لأنها ستقع عاجلاً أم آجلاً في يد داعش أو أي تنظيم جهادي آخر، وأشار كيسنجر إلى ما كتبه اهرون ميلر في مجلة «وول ستريت جورنال»، وهو الذي أشرف لسنوات طويلة على المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بالتعاون مع عدة إدارات أميركية وتوقف عند نفس الاستنتاج، وهو: ( أن الشرق الأوسط في ظل ما يعيشه من فوضى عارمة وحرب على الإرهاب فإنه لا داعي لقيام دولة فلسطينية فاشلة ).
والسؤال هنا لماذا يهتم الإسرائيليون بالبحث عن شكل الحل ؟
وهل مسألة الحل النهائي للقضية الفلسطينية تعد بالنسبة لهم مسألة وجودية رغم فائض القوة الموجودة لديهم أم ماذا ؟
الكثير من الساسة والاستراتيجيين الاسرائيليين متخوفون من غياب « حل الدولتين » ، لان غياب هذا الحل يضغط عليهم باتجاه حل آخر خطير على المدى البعيد ، ألا وهو « الدولة الواحدة ثنائية القومية » وهي فكرة مازالت تحظى بجدل واسع داخل المجتمع الإسرائيلي.
فاليسار على ضعفه يرفضها لاعتقاده أنها فشلت في نماذج كثيرة في العالم وانتهت الدول التي طبقتها إلى التفكك والحروب الداخلية مثل يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفيتي كما يرى يوري افنيري فيما يقول عنها الكاتب اليساري ديفيد شاحام « انها ثمرة فجة لم ينضج السياق التاريخي بعد لطرحها، وفي طرحها الآن يمكن أن تشكل عائقا أمام حل محتمل وذلك لأنها تسكب زيتا على الموقدة وترسخ سيطرة أحد الشعبين على الآخر»
أما اليمين الإسرائيلي بكل أطيافه فيرى فيها خطرا « وجوديا » على إسرائيل ويهدد هويتها اليهودية التي يعمل هذا اليمين على تكريسها والضغط على الفلسطينيين والمجتمع الدولي للاعتراف فيها.
ولكن هل علينا فعلا أن نسلم بموت حل الدولتين وما هي الأسباب ؟
عن الرأي الاردنية
الرئاسة المصرية: لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين.
15 أكتوبر 2023